أردوغان أهداها لتبون.. تعرف على قصة رسالة عبد القادر الجزائري للسلطان العثماني
عبد المجيد لا تبقيه وَجْلانا توارثوا الملك سلطاناً فسلطانا
أنصار دينك حقاً آل عثمانا لله كم بذلوا أنفساً وأبدانا
تلك أبيات من قصيدة نظمها الأمير عبد القادر الجزائري في مدح السلطان عبد المجيد، فقد كان الأمير يحترم الدولة العثمانية من منطلق “شرعي” كونها كانت تمثل “دولة الخلافة الإسلامية” وفقاً للوثائق التاريخية التي توثق لفترة حكمه للجزائر.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أهدى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون وثيقة من الأرشيف التركي تتضمن رسالة من الأمير عبد القادر الجزائري إلى السلطان العثماني عبد المجيد الأول، عقب لقاء عقداه في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة قبل بضعة أيام.
وأشار أردوغان إلى وجود لوحتين في القاعة، تضم إحداهما رسالة بالعربية وترجمتها، أرسلها الأمير عبد القادر الجزائري للسلطان عبد المجيد الأول، يهنئه فيها باعتلائه عرش السلطنة العثمانية، وتتضمن اللوحة الأخرى صورة للأمير.
وقال الرئيس التركي “هاتان الوثيقتان من أرشيفنا، نقدمهما اليوم هدية وذكرى مهمة من قبلنا لفخامة الرئيس الجزائري” ولفت إلى أن الرسالة يعود تاريخها إلى 14 ديسمبر/كانون الأول 1841، مستشهدا بذلك على تجذر العلاقات التركية الجزائرية.
علاقة الأمير بالدولة العثمانية
في السياق، ذكر كمال خوجة خبير الأرشيف العثماني ومترجم الوثائق العثمانية الشهير أن الأمير عبد القادر كان يعتبر الدولة العثمانية حصن الأمة المنيع الذي يحمي كيانها من أعدائها الطامعين بخيراتها ومقدساتها.
وقال خوجة للجزيرة نت “استمر أبناء الأمير عبد القادر على علاقتهم الودية بالسلطان عبد المجيد، ووصل اثنان منهم هما محمد وأحمد إلى لقب باشا وشغلوا مراكز مرموقة في عهده”.
وعن قصة الرسالة التي أهداها الرئيس التركي لنظيره الجزائري، أكد خبير الأرشيف العثماني أن الأمير عبد القادر أرسل تلك الرسالة للسلطان عبد المجيد الأول بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر بإحدى عشرة سنة يهنئه فيها باعتلائه عرش السلطنة العثمانية، ويشرح له فيها نضالهم الحثيث ضد الاحتلال من واقع انتمائه للخلافة العثمانية مظلة المسلمين قاطبة.
وأضاف خوجة -الذي أفنى نحو 50 عاما من حياته في ترجمة الوثائق العثمانية- أن “الأمير عبد القادر أرسل رسالة أخرى إلى السلطان العثماني عبد المجيد الأول يطلب فيها من الدولة العثمانية تقديم الأسلحة له لفك الحصار عن قواته المحاصرة من قبل القوات الفرنسية، وقدم أيضا الطلب نفسه لبريطانيا، وبناءً على ذلك أجابت الدولة العثمانية بأنها ستنتظر الرد البريطاني ثم ترد على الأمير”.
وأشار لوجود وثيقة من حاكم قسنطينة (شرق الجزائر) الداية أحمد، يطلب فيها من الدولة العثمانية انضمام ولايته للإمبراطورية العثمانية لتكون تحت حمايتها.
ووفقا لمترجم الوثائق العثمانية خوجة، يوجد العديد من الوثائق الأخرى التي تخص الأمير عبد القادر بعد ما أُسر وأطلق سراحه ثم قدومه إلى إسطنبول وانتقاله إلى مدينة بورصة، وبعد ذلك قراره بالإقامة في دمشق حيث خصصت له الدولة العثمانية مزرعة وسكنا له ولحاشيته البالغ عددهم حوالي 100 شخص.
وزاد “جاء احتلال فرنسا للجزائر أواخر عهد الدولة العثمانية وفترة ضعفها حيث كانت تحارب على عدة جبهات منها جبهة الحجاز والجبهة الأوروبية، ورغم ذلك قدم السلطان عبد المجيد العديد من المساعدات الإنسانية للأمير عبد القادر”.
من جهته، كتب المؤرخ علي الصلابي في مدونته المنشورة بالجزيرة نت “كان الأمير عبد القادر مهتما بدعم الدولة العثمانية والتواصل مع خلفائها وسلاطينها، ففي يناير/كانون الثاني 1865 عزم على السفر إلى الآستانة لزيارة الخليفة السلطان عبد العزيز خان، فاستقبله وأكرمه وكبر به، فطلب منه أن يصفح ويسرح المنفيين إلى جزيرتي قبرص ورودس اليونانية من الذين تورطوا في أحداث 1860 بالشام، فلبى رجاءه وصدر الأمر العالي بتسريحهم”.
ولفت إلى أن كتاب “حياة عبد القادر” الذي كتبه شارلز هنري تشرشل شوّه فيه صورة الدولة العثمانية من خلال خياله وأكاذيبه، وفق تقديره.
سيرة ومسيرة
والأمير عبد القادر بن محيي الدين، والمعروف في المشرق العربي باسم “عبد القادر الجزائري” يوصف بمؤسس الدولة الجزائرية، وهو كاتب وشاعر وفيلسوف وسياسي.
ولد الأمير عبد القادر بالقرب من مدينة المعسكر الجزائرية عام 1807، وتنتسب عائلته إلى الأدارسة، وكانوا حكاما لمناطق المغرب العربي والأندلس، ووالده كان أحد رموز وشيوخ الطريقة القادرية الصوفية في البلاد.
عام 1830، تعرضت الجزائر للاستعمار الفرنسي، وهو ما دفع الأمير عبد القادر إلى جمع القبائل هناك، بسبب زعامته ونسبه، وبويع ليقود الثورة ضد الاحتلال، وبدأ في تكوين الجيش وتحقيق انتصارات متتالية في العديد من المدن، لذلك يُعتبر قائد أول ثورة شعبية ضد القوات الفرنسية بعد غزوها الجزائر.
سنة 1847 سجن في فرنسا، وظل أسيرا حتى 1852، إلى أن أفرج عنه نابليون الثالث بعد صعوده إلى الحكم، وغادر بعدها إلى إسطنبول، التي التقى فيها السلطان عبد المجيد، حيث استقر فيها وفي مدينة بورصة لفترة، وبعدها سافر إلى دمشق التي عاش فيها بقية حياته حتى وفاته عام 1883 عن عمر ناهز 76 عاماً، وكان أوصى بدفنه بالقرب من قبر ابن عربي بمقبرة الصالحية.
وبعد استقلال الجزائر، جرى نقل جثمانه إلى هناك عام 1965 بجنازة عسكرية كبيرة كان على رأسها الرئيس الراحل هواري بومدين.
وتقول السلطات الجزائرية إن حقبة الاستعمار الفرنسي (1830 -1962) شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات، وسرقة آلاف الوثائق وقطع تاريخية وأثرية منها ما يعود للحقبة العثمانية (1515-1830).