خبراء روس يجيبون .. ما الذي يعيق وصول التعاون العسكري الروسي الإيراني إلى ذروته؟
موسكو- منذ سنوات طويلة لم يعد التعاون العسكري والتقني بين روسيا وإيران سرا، ولكن مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بدأت الولايات المتحدة تعبّر عن قلق من نوع خاص تجاه حجم وأبعاد هذا التعاون، ولا سيما تزويد موسكو بمسيّرات إيرانية تلعب دورا كبيرا في الحرب.
وبينما تقول واشنطن إن خبراء من روسيا تدربوا في إيران ضمن اتفاق بين البلدين لنقل طائرات مسيّرة إلى روسيا، وتهدد بفرض عقوبات جديدة على طهران إذا قامت بتسليم روسيا طائرات مسيّرة؛ يسود في المقابل صمت رسمي روسي إيراني، لم يخترق جداره سوى تأكيد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن بلاده سلّمت عددا من المسيّرات إلى روسيا، ولكن قبل الحرب في أوكرانيا.
سنوات الهبوط والصعود
ومر التعاون الروسي الإيراني بـ”مرحلة برود” في تسعينيات القرن الماضي، على خلفية التقارب آنذاك بين موسكو وواشنطن.
ومن مظاهر هذا البرود، الاتفاقية التي وقعت بين البلدين عام 1991، والتي كان مقررا وفقا لها، تقديم روسيا مساعدات فنية لإيران، لإنتاج نحو ألف دبابة من طراز “تي 72 إس” (T-72S)، بالإضافة إلى الذخيرة الخاصة بها، وذلك بصفقة بلغت قيمتها 2.2 مليار دولار.
لكن التنفيذ لم يكتمل، بعد أن تعهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين لنظيره الأميركي آنذاك بيل كلينتون، بإلغاء الاتفاقية مع إيران قبل الموعد المحدد. وقدّر الخبراء إجمالي خسائر روسيا -بسبب التراجع عن التعاون العسكري التقني مع إيران آنذاك- بنحو 4 مليارات دولار.
ولكن في عام 2000، أخطرت روسيا الولايات المتحدة رسميا بانسحابها من المذكرة المتعلقة بوقف التعاون مع إيران، وأمر الرئيس فلاديمير بوتين باستئناف تنفيذ الاتفاقات الحكومية الدولية مع طهران، وأصدر تعليمات إلى شركة “روس أبارون إكسبورت” للتفاوض مع إيران بشأن إمكانية توفير إمدادات عسكرية جديدة.
ومع ذلك، فإن التعاون العسكري التقني بين موسكو وطهران مقيد أيضا بموجب مرسوم رئاسي في أبريل/نيسان 2015، تحت مسمى “تدابير تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1020 الصادر في التاسع من يونيو/حزيران 2010″، والذي يحظر إمداد إيران بأي دبابات قتالية أو مركبات قتالية مصفحة أو أنظمة مدفعية من العيار الثقيل أو طائرات مقاتلة أو طائرات هليكوبتر قتالية أو سفن حربية أو صواريخ أو أنظمة صواريخ، باستثناء “إس-300” (S-300).
صفقة القرن
وبصرف النظر عن ملف الطائرات المسيّرة، تبقى مجالات التعاون العسكري التقني الأخرى بين روسيا وإيران أكثر وضوحا. وتضج وسائل الإعلام الروسية، بشكل شبه يومي، بمقالات ودراسات وآراء لخبراء سياسيين وعسكريين، عن المنحى الجديد الذي بات يتخذه هذا التعاون، من حيث الحجم والمجالات والحدود.
ويبدو ذلك جليا عندما يعرب عدد كبير من المراقبين الروس عن قناعتهم بأن العلاقات الروسية الإيرانية والتعاون بين البلدين في شتى المجالات، بما فيها العسكرية، قد وصلت لأول مرة إلى ذروة التفاهم المتبادل.
وإلى جانب ذلك، انضمت وسائل إعلام روسية إلى نظيرتها الغربية في نقاش مكثف حول معلومات غير مؤكدة رسميا، بخصوص “صفقة القرن” بين البلدين، ستبيع طهران بموجبها لروسيا ألف طائرة هجومية بدون طيار.
التاريخ والجغرافيا
ويقول الخبير في الشؤون العسكرية فيكتور ليتوفكين إن العلاقات مع إيران بالنسبة للقيادة الروسية مسألة في غاية الأهمية؛ فهي “دولة جارة، تعود العلاقات معها إلى قرون، منذ زمن بلاد فارس القديمة. ونظرا لتمتعها بأهم موقع إستراتيجي في الخليج، ووقوعها على حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة في منطقة القوقاز، وعلى بحر قزوين، ومع روسيا نفسها، فإنه من المنطقي أن يتخذ التعاون معها أبعادا إستراتيجية”.
وعن التحولات المهمة في التعاون العسكري بينهما، يشير الخبير الروسي، في حديثه للجزيرة نت، إلى إمداد موسكو طهران بأنظمة صواريخ “إس-300” (S-300) المضادة للطائرات، والتي كانت مصممة بشكل أساسي لحماية محطة الطاقة النووية في بوشهر، واستغرق بناؤها نحو 12 عاما بمساعدة روسية أيضا، الشيء الذي ساهم -وفق رأيه- في لجم إسرائيل عن تدميرها أو استهداف غيرها من المواقع الحيوية في إيران.
وبخصوص وجود صفقة بين روسيا وإيران حول المسيّرات الهجومية، لا يستبعد ليتوفكين أن تكون أجهزة مخابرات غربية روّجت لهذه الأنباء لتبرير توريد أنظمة دفاع جوي وحروب إلكترونية أكثر تقدما لكييف.
ويذهب إلى القول إن المعلومات “المسربة” حول تسليم مجموعة كبيرة من الطائرات بدون طيار من قبل إيران إلى روسيا هي في مصلحة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالكامل، لأنها “تؤمّن له طلب أسلحة من جميع أنحاء العالم، بمزاعم إشراك روسيا لدولة ثالثة في العملية الخاصة، على سبيل المثال، إيران وكوريا الشمالية ودول في أميركا اللاتينية”.
قطاع واعد
ولا يستبعد الباحث في الشؤون الدولية ديمتري كيم أن تبدأ روسيا تعاونا عسكريا واسع النطاق مع إيران، ولكن بدون أن يشمل الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، بسبب عدد من الاتفاقيات الدولية الملزمة لروسيا، كمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
في الوقت نفسه، يؤكد كيم أن التعاون العسكري التقني الروسي مع طهران سيزداد في مجالات أخرى، مع الأخذ بعين الحسبان الإمكانات العلمية والتقنية المتنامية لدى إيران في مجالات مختلفة تهم روسيا.
ويشير هنا إلى ما يصفه بـ”القطاع الواعد” المتمثل بإنتاج الطائرات المسيّرة، والتي لم يتم حتى الآن فرض قيود جدية على إنتاجها، وأثبتت طهران قدرات لافتة في تطويرها ورفع فعاليتها.
وردا على سؤال للجزيرة نت، أكد كيم أن محاولة إظهار روسيا وكأنها تعاني من أزمة في تأمين المعدات والذخائر لمواصلة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، تندرج في سياق الحربين النفسية والإعلامية ضدها.
ويدلل على ذلك ما ذكرته صحيفة “ديلي ميرور” (The Mirror)، من أن الرئيس بوتين أصدر “تحذيرا مخيفا” للدول الغربية بشأن تقديم المساعدة العسكرية للحلفاء، وهو ما جرى تفسيره بأنه استعداد روسي لمساعدة إيران وكوريا الشمالية في الحصول على أسلحة حديثة وقوية ومتطورة.