الدولار يعصف بالجنيه المصري.. هل يصبح إضعاف العملة بديلا عن التعثر في السداد؟
القاهرة- تجاوزت حدود سعر الصرف المرن للجنيه المصري كل التكهنات، وهوى إلى ما دون أسوأ توقعات بنوك الاستثمار المحلية والعالمية وخبراء الاقتصاد والمحللين الماليين، وسط حالة من الارتباك والذهول في الأسواق المصرية.
وقدّر تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية -قبل قرار تعويم الجنيه في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي- انخفاض الجنيه المصري إلى نحو 24.60 جنيها مقابل الدولار بدلا من 19.70 جنيها، قبل إتمام مصر اتفاق قرض صندوق النقد الدولي.
لكن الجنيه كسر هذا الحاجز على مستوى البنوك المحلية والبنك المركزي، وتجاوز هذا الرقم الذي كان يبدو بعيدا عن توقعات الكثير من المؤسسات المالية وخبراء الاقتصاد، الذين تراوحت تقديراتهم ما بين 22 و23 جنيها للدولار.
أما في السوق الموازي وسوق الذهب، فإن الأرقام تخبر بما هو أسوأ من جميع تلك التوقعات؛ إذ تجاوز سعر صرف الجنيه في السوق السوداء 27 جنيها لكل دولار، وفي سوق الذهب تجاوز احتساب الدولار حاجز 30 جنيها.
وقال مصدران في السوق السوداء وسوق الذهب، للجزيرة نت، إنه لا أحد يعلم إلى أين سيصل سعر الدولار مقابل الجنيه والذي تجاوز كل الخطوط الحمراء سعريا ونفسيا، مما يعني أنه لا يوجد قاع لهذا الهبوط.
وأشارا إلى أن 3 عوامل أسهمت في زيادة الضغوط على الجنيه ودفعه إلى ما وراء التوقعات والتكهنات، وهي:
- شح العملة الصعبة في البنوك المحلية والبنك المركزي.
- ضعف تدفق الأموال من الخارج.
- المضاربة على سعر الدولار.
واعتمد البنك المركزي المصري، نهاية الشهر الماضي، نظام سعر مرن لصرف قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، استنادا لآلية العرض والطلب في السوق، بالتزامن مع توصل مصر إلى اتفاق على قرض جديد مع صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى اعتزامه إصدار “مؤشر الجنيه” الجديد.
وبحسب المركزي، فإن نظام سعر الصرف المرن سيعكس قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة العرض والطلب، مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي المتمثل في تحقيق استقرار الأسعار.
وبرر “المركزي المصري” القرار بأن “الاقتصاد العالمي واجه العديد من الصدمات والتحديات التي لم يشهد مثلها منذ سنوات”، مشيرا إلى “تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، مما تسبب في الضغط على الاقتصاد المصري، حيث واجه تخارجا لرؤوس أموال المستثمرين الأجانب، فضلا عن ارتفاع في أسعار السلع”.
ويبدو أن مكاسب الجنيه أمام العملات الأجنبية الأخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني -التي ذكرها محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله- قد تبددت هي الأخرى مع استمرار تراجع العملة المحلية أمام جميع العملات الأخرى، وأمام الذهب أيضا.
محافظ البنك المركزي حسن عبدالله يقول في جلسة بالمؤتمر الاقتصادي إن مصر ليست دولة مصدرة للنفط لتستمر في ربط الجنيه بالدولار pic.twitter.com/JMkK43ezIv
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) October 23, 2022
وضع مالي محفوف بالمخاطر
بات الحديث عن كسر حاجز 24.60 جنيها للدولار -والذي أشارت إليه وكالة بلومبيرغ- من الماضي، وأصبح الحديث الجديد عن حاجز أبعد كثيرا عند 28 جنيها للدولار، وفق تقرير لوكالة رويترز.
وأشارت الوكالة، في تقريرها، إلى أنه على الرغم من إجراء تخفضين كبيرين للعملة المحلية، والتوصل لاتفاق على حزمة إنقاذ جديدة مع صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، فإن خبراء اقتصاديين يعتقدون أن الوضع المالي للبلاد محفوف بالمخاطر.
وأوضح التقرير أن تجار العملات الأجنبية باتت لديهم قناعة بأن سعر صرف الجنيه سيبلغ 28 جنيها مقابل الدولار في هذا الوقت من العام المقبل، وقد وضع بنك “نومورا” (Nomura) الياباني مصر -في تقرير حديث- على رأس قائمة البلدان المعرضة بشدة لخطر أزمة العملة.
أسباب الانهيار وآليات وقفه
في تقديره لأسباب الأزمة، قال الخبير الاقتصادي نوار إبراهيم “للأسف تشير متابعة تطورات حقائق السوق، ومتغيرات الاقتصاد الكلي، وإجراءات السياسة الاقتصادية، إلى تدهور شديد منذ تم إعلان الاتفاق الأولي (خطاب النوايا) على مستوى الخبراء بين مصر والصندوق”.
وأضاف للجزيرة نت أن ثمة تطورات من شأنها أن تضغط على قيمة الجنيه لتجاوز التوقعات، وتحدث عن:
- ظهور سوق سوداء للعملات الأجنبية.
- المضاربة على الدولار في مصر والخارج.
- تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال الأشهر الأولى من السنة المالية الحالية.
- زيادة عجز الحساب الجاري.
وأشار نوار إبراهيم إلى عوامل أخرى مثل تدهور التوازنات الكلية في المالية العامة للدولة، مع استمرار زيادة الإنفاق العام، وتمويل ذلك بزيادة الاقتراض المحلي إلى مستويات غير مسبوقة.
وقال إنه من الملاحظ أن السياسة المالية التوسعية تسير في اتجاه يتناقض مع اتجاه السياسة النقدية المتشددة، مشيرا إلى أن الحكومة تحصل على المزيد من السيولة لتغطية احتياجاتها التمويلية، في حين تتعرض السيولة المتاحة للقطاع الخاص للانكماش بسبب ارتفاع التكلفة وامتصاص البنك المركزي السيولة من البنوك لصالح الحكومة.
ورأى الخبير الاقتصادي أن السقوط الحر لقيمة الجنيه قد يتوقف مؤقتا، إذا حصلت مصر على الشريحة الأولى من القرض قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، لكن العوامل الأساسية التي تضغط على قيمة الجنيه إلى أسفل ستستمر في التأثير.
ويبقى الحل الجوهري في نظر نوار إبراهيم هو:
- وقف زيادة الإنفاق العام وتخفيضه.
- إنهاء عدم التوافق بين السياستين المالية والنقدية.
- إعادة تخصيص الموارد على أسس اقتصادية سليمة.
- زيادة الإيرادات العامة بإخضاع كل الكيانات الاقتصادية للقانون والضرائب والرسوم.
عبء مالي ضخم
يبلغ عجز الحساب الجاري المتضخم في مصر، وما يستحق سداده من ديون خارجية، 33.9 مليار دولار حتى منتصف 2025، ويترك البلاد عرضة للخطر”، ويعرض تصنيف البلاد للخفض، بحسب وكالة فيتش للتصنيف الائتماني.
ولا توجد دولة تنفق أكثر من 41% من الإيرادات الحكومية على مدفوعات الفائدة، باستثناء سريلانكا، التي تخلفت عن السداد، وغانا التي سرعان ما سوف تتخلف لاحقا، وفق تقرير الوكالة المثير للقلق.
إضعاف العملة
أرجع مؤسس ورئيس شركة الاستشارات الاستثمارية “بويز إنفستمنت” شريف عثمان، تراجع الجنيه بوتيرة أكبر من المتوقع إلى زيادة الطلب على الدولار، وقال: “من الواضح حتى هذه اللحظة ورغم التخفيض الكبير في قيمة الجنيه ما زال الطلب على الدولار أكثر من المتاح والمعروض خاصة مع وجود التزامات خارجية مؤجلة”.
وأوضح في تصريحات، للجزيرة نت، أن أي دولار تم توفيره وأغلبه من الأموال الساخنة يتم توجيهه لسد الطلبات المتأخرة للسلع المستوردة، مع العلم أن البنك المركزي باع كميات كبيرة عبر أذرعه البنكية -الأهلي ومصر- حتى يسد مراكز العجز التي كانت موجودة لديهم منذ أكثر من عام رغم الخسائر.
وفي اعتقاد عثمان فإن هذه المشكلة لن تحل حتى يتم وقف الاستيراد ومقاومة جماعات الضغط من كبار المستوردين وقصره على الضروريات وتصحيح ترتيب الأولويات كتوفير الدواء والسلع الغذائية ومدخلات الإنتاج الأساسية.
السماح للجنيه بالانخفاض إلى هذه المستويات يعني -بحسب الخبير المصرفي- أن مصر تسعى للتغلب على نقص العملة بخفض قيمة الجنيه حتى يصل إلى مستوى يعجب المستثمرين الأجانب سواء على صعيد الاستثمار المباشر أو غير المباشر وبالتالي يتوقف تراجع الجنيه، مشيرا إلى أن مصر تحاول حل أزمة نقص الدولار من خلال إضعاف العملة بدلا من التعثر عن السداد.
وتصدرت مصر القائمة بين الـ32 سوقا ناشئة المدرجة على مؤشر داموكليس التابع لبنك نومورا الياباني، مما يعد مؤشرا على فرصة قوية بأن البلاد ستتعرض لأزمة في سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة، وفق مراقبين.
ويعد نموذج داموكليس إنذارا مبكرا تبنته نومورا لأزمات أسعار الصرف في الأسواق الناشئة وهناك مؤشرات رئيسية للمؤشر، وتشمل احتياطيات العملات الأجنبية، والديون الخارجية قصيرة الأجل، ومعدل الفائدة.