الزيادة الكبرى منذ الحرب العالمية.. الجيش البريطاني يستثمر في الغواصات النووية والأسلحة الجديدة
لندن – رغم مرور بريطانيا بأزمة اقتصادية دفعتها لتقليص نفقاتها الحكومية، فإن هذا لم ينعكس على ميزانية الدفاع، التي ستعرف زيادة جديدة خلال السنة الحالية، لتصبح بذلك صاحبة الإنفاق العسكري الأعلى في أوروبا.
ونجح كل من وزير الدفاع بن والاس ورئيس الأركان الأدميرال توني راداكين في إقناع رئيس الوزراء ريشي سوناك بضرورة استثناء ميزانية الدفاع من أي تقليص، بل منحها موارد مالية إضافية.
وأعلن وزير الخزانة جيرمي هانت زيادة في ميزانية الدفاع بحوالي 1.4 مليار جنيه إسترليني، لتنتقل من 48.6 مليار جنيه إسترليني إلى 50 مليار جنيه خلال السنة المالية 2023-2024.
وبرّر وزير الخزانة هذه الزيادة بضرورة مواكبة ميزانية الإنفاق العسكري لنسبة التضخم التي بلغت 10%، وهو مبرر دبلوماسي يخفي الحقيقة التي كشف عنها رئيس الأركان بقوله إن بلاده في حاجة لميزانية دفاعية ضخمة لمواصلة دعم أوكرانيا، وتحديث الجيش البريطاني في وجه ما سمّاه “الخطر الروسي”.
وبهذه الزيادة في الإنفاق العسكري، ستصبح بريطانيا صاحبة ثاني أكبر ميزانية دفاعية داخل حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) بعد الولايات المتحدة. وستحافظ على تعهدها بتخصيص 2% من الناتج الداخلي الخام (الثروة التي يحققها البلد خلال عام) للدفاع، كما أن بريطانيا تعرف حاليا أكبر زيادة في إنفاقها العسكري منذ الحرب العالمية الثانية.
وسيتم تخصيص جزء من هذه الميزانية لدعم أوكرانيا بحوالي 2.3 مليار جنيه إسترليني في 2023، بعد أن أعلن الجيش البريطاني عن استكمال تدريب 10 آلاف جندي أوكراني صاروا جاهزين للعودة إلى ساحات القتال.
النووي والمزيد من الأسلحة
من خلال البحث في وثائق وزارة الدفاع البريطانية وتصريحات رئيس الأركان البريطاني، يظهر أن الزيادة في ميزانية الجيش ستذهب أساسا للمزيد من التسلح وتطوير القوة الحربية والجوية للبلاد، فضلا عن تقوية ترسانتها النووية.
وحسب معطيات الجيش البريطاني، فقد تم اقتناء 9 قاذفات جوية جديدة من طراز “بوينغ بي- بوسيدون 8 إيه” (Boeing P-8A Poseidon)، وهي طائرة للمهام البحرية وتوجيه ضربات صاروخية للسفن الحربية والغواصات، إلى جانب اقتناء ناقلات جوية جديدة للجنود من طراز “إيرباص إيه 400 إم” (A400M) لتعويض ناقلات الجنود القديمة من طراز “سي130” (C130).
وأعلنت قيادة الجيش البريطاني قرب استلامها طائرات التجسس والمراقبة من طراز “بوينغ إي7” (Boeing E7)، وهي طائرات من الجيل الجديد توفر إمكانية مراقبة المجال الجوي ونقل جميع الأهداف الجوية والبحرية إلى مركز التحكم. ويمكن لرادار هذه الطائرات الكشف عن ألف جسم طائر في الوقت نفسه، واكتشاف الطائرات المعادية عن بعد 500 كيلومتر، كما يمكنه اكتشاف أهداف في البحر.
ومن المتوقع أن يستلم الجيش البريطاني دفعة جديدة من المدرعات المقاتلة من طراز “أجاكس” (Ajax) التي تعدّ من أحدث المدرعات الموجودة حاليا في العالم، إضافة للاستثمار في تصنيع دبابات الجيل الرابع من طراز “تشالنجر 3” (Challenger 3)، وكذلك الجيل الجديد من مروحيات “أباتشي” (Apache).
أما فيما يتعلق بالقوات البحرية، فقد أعلن الجيش عن توقيع اتفاق جديد للحصول على 26 فرقاطة جديدة لتعزيز الأسطول البحري، ودعم ترسانة الصواريخ البحرية طويلة المدى، إضافة إلى اقتناء سفن حربية متخصصة في المراقبة والتجسس والغرض منها تعزيز حماية الغواصات النووية.
ويبقى الاستثمار الأكبر بالنسبة للجيش البريطاني هو الغواصات النووية، حيث أعلن قائد الأركان أن بلاده ستسعى للرفع من عدد الغواصات النووية خلال السنوات العشر المقبلة، وهذا راجع إلى تزايد حدة المنافسة بين الغرب من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى في المحيط الهادي.
كما دخل الجيش البريطاني بقوة في الاستثمار لتطوير الطائرات من دون طيار، بهدف الوصول إلى 10 آلاف طائرة من هذا النوع في عام 2030.
وللرد على الانتقادات التي يوجهها البعض لرفع الإنفاق العسكري في وقت يعاني فيه الاقتصاد والمواطن البريطاني من أزمة غير مسبوقة، نشر الجيش البريطاني معطيات عن مساهمة الجيش في اقتصاد البلاد.
ويوفر الجيش البريطاني من خلال نشاطه في تصنيع الأسلحة 320 مليار جنيه إسترليني للناتج الداخلي الخام، ويقدم حوالي 6.6 مليارات جنيه للبحث العلمي والتطوير، كما أنه يعدّ ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة، ويوفر 41 ألف وظيفة.
الخطر الروسي
وخلال كلمته السنوية أمام معهد الملكي للخدمات المتحدة -وهو معهد بحثي بريطاني عسكري-، كشف رئيس الأركان الأدميرال توني راداكين عن رؤية الجيش البريطاني للمخاطر التي تهدد بلاده.
وقال القائد العسكري إن روسيا تعدّ أكبر تهديد للأمن البريطاني، في حين اعتبر أن الصين لا تشكل التهديد نفسه رغم تحالفها الذي وصفه بـ”التكتيكي” مع روسيا، مشيرا إلى أن بكين تعزّز ترسانتها من الطائرات والسفن الحربية والترسانة النووية “محاولة استغلال حالة الانشغال العالمي بالحرب الروسية في أوكرانيا”.
وأوضح قائد الجيش البريطاني أن تحوّل الولايات المتحدة نحو آسيا والمحيط الهادي، سيدفع الدول الأوروبية لرفع ميزانياتها العسكرية بحوالي 300 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة من أجل تأمين القارة العجوز، وسيتعيّن على بريطانيا أن تكون في صدارة الدول الأوروبية من حيث الإنفاق العسكري.