يحلم الطالب التونسي باستكمال جامعته وحصوله على وظيفة عمومية في تخصصه تكون هدية مجهوده وأسرته، غير أن الحال تختلف مع مئات آلاف الطلبة الذين يصطدمون بواقع العمل في تونس بعد التخرج، ومن بينهم فايزة غربي ابنة محافظة سيدي بوزيد (وسط غربي).
ووفق المعهد الوطني للإحصاء (رسمي)، بلغت نسبة البطالة في تونس 18.4% عام 2021 من بينهم 30.1% من حاملي الشهادات العليا.
تقول فايزة للجزيرة نت إنها تخرجت عام 2007 وحصلت على ماجستير في الإعلام لتبدأ معاناتها اليومية في البحث عن وظيفة عمومية، فشاركت في اختبارات وطنية لكنها لم توفق فيها، فوجدت نفسها أمام أمر واقع يفرض عليها العمل لإعالة نفسها.
عملت فايزة في مصانع خاصة وهي تعمل اليوم في مدرسة خاصة للتكوين، ولم تفقد أمل الحصول على وظيفة عمومية حتى يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تاريخ إلغاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد قانون رقم 38 المتعلق بالأحكام الاستثنائية للانتداب في القطاع العمومي.
وكان البرلمان التونسي المنحل قد صدّق يوم 29 يوليو/تموز 2020 على هذا القانون، ووقعه سعيّد يوم 16 أغسطس/آب 2020 وأمر بنشره في الجريدة الرسمية للبلاد.
مرسوم غامض
انقطع خيط الأمل الوحيد الذي كانت تتشبث به فايزة (37 عاما)، وازداد الأمر تعقيدا مع إصدار سعيّد “مرسوم إحداث الشركات الأهلية الغامض الذي لم يحدد صفة المساهمين فيها واشترط بلوغ عددهم 50 مما سيخلق مشاكل بينهم”، بحسب قولها.
وقال سعيّد في التاسع من أبريل/نيسان الجاري إنه سيُصدر قريبا الأوامر الترتيبية المتعلقة بهذه الشركات بعد إعلانه يوم 21 مارس/آذار الماضي إصدار مرسوم رئاسي يتعلق بإحداث شركات أهلية “حتى يصير الشباب مصدرا للثروة”، وفق تعبيره.
إلى قابس (جنوب شرقي تونس) حيث انقطع علاء الدين الحزامي (28 عاما) عن الدراسة عام 2009، وتعلم حرفة نقش وصقل وقص الرخام، فعمل تارة في ورشات وأحيانا بمفرده على أمل إنشاء مشروعه الخاص.
ومع تراجع فرص العمل في شهر رمضان، يحرص الحزامي على زيارة مقر الاتحاد الجهوي للشغل بقابس، حاملا معه وثائقه آملا في الحصول على وظيفة قارة، يقول للجزيرة نت.
الشركات الأهلية
ويعتبر الحزامي أن “الشركات الأهلية نفخ على رماد وهي مجرد وسيلة لتهدئة غضب العاطلين عن العمل بسبب إلغاء القانون رقم 38، وتونس عرفت في عهد الاستقلال تجربة التعاضد الشبيهة بهذه الشركات، وكلها أثبتت فشلها”.
ويرى منير حسين عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية مستقلة) أن المرسوم الخاص بإحداث الشركات الأهلية تضمن عدة إشكاليات في التمويل وفي تمكين الناس من جزء من أراضي الدولة.
وأكد للجزيرة نت أنه من الأولى تفعيل قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي صدّق عليه البرلمان المنحل يوم 18 يونيو/حزيران 2020 والذي سيكون أحد أبرز الحلول لمشكلة البطالة والاستثمار ولتنشيط المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
وبحسب حسين، فإن الشركات الأهلية تبقى “غامضة وتحتاج إلى تجارب كثيرة لمعرفة المشاكل النابعة منها، فاشتراط مشاركة 50 مساهما في رأس مالها مثلا يصعّب عملية التوافق داخلها، وهي مبادرة محفوفة بالمغامرة إذا بقيت كما نص عليها المرسوم”.
في السياق، يوضح الخبير الاقتصادي محمد الصغير نوري للجزيرة نت أنه إذا كان المقصود من مقترح سعيّد خلق شركات تضامنية، “فالأجدر النظر في تحسين قانون الاقتصاد التضامني ورصد أموال لتشجيعه خاصة في الجهات المهمشة”.
ويقول إن الاقتصاد التضامني فلسفة في التسيير حيث “تركز كل شركة على الإنسان قبل المال، وتتوخى التسيير التشاركي وتوزيع نسبة من الأرباح على كل المنتجين، وتعيد استثمار نصف أرباحها في تطوير المؤسسة، ولها الحق في تصنيف امتيازات الاقتصاد الاجتماعي التضامني”.
كما يعتبر أنه ليس للشركات الأهلية تأثير على تشغيل الشباب لأن بطالتهم مرتبطة بغياب برنامج اقتصادي علمي لدفع التنمية في كل المناطق ولإشراك شبابها في التنمية والإنتاج وبعث المشاريع.
تعقيدات
من جانبه، يرى المحاسب محمد ميموني أن الشركات الأهلية باعتبارها مزيجا من الشركات التجارية والجمعيات، ضاعفت ثقل الجانب القانوني، إذ يتطلب إحداث كل شركة سلْك مسار طويل من التعقيدات والبيروقراطية الإدارية، بدلا من تبسيط الإجراءات الإدارية.
وأكد للجزيرة نت أن “مسألة الحد من مدى تدخل هذه الشركات في المعتمدية (المنطقة) أو المحافظة التي ستقام فيها سيقلص من نجاعتها وتطورها ومن إمكانية تسويق منتجاتها لأنها بحاجة إلى الانفتاح على المحيط الخارجي”.
في المقابل، يؤكد الناشط السياسي طارق رحالي أن الشركات الأهلية تأتي في إطار “الاقتصاد الثالث الذي يستبطن مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص ولكن بتوجه اجتماعي سيقطع مع استغلال الحكومات السابقة الفاحش للأراضي ومع توزيعها بالوساطة وحسب الانتماءات الحزبية والسياسية منذ 10 سنوات”.
فرصة جديدة
ويقول رحالي إن تحديد عدد المساهمين في كل شركة بـ50 شخصا جاء مراعاة للقدرة المالية للفئات الضعيفة في المناطق الفقيرة، كما أن القانون نظم طريقة المساهمة ونص على ضرورة احترام مبدأ التوافق ونبذ الصراع بين المساهمين.
ويشدد رحالي للجزيرة نت على أن هذا المقترح سيسمح للفئات الضعيفة والعاطلين عن العمل بالدخول في هذا النوع الجديد من الاقتصاد، ويرى في الشركات الأهلية فرصة جديدة للفئات الهشة والضعيفة التي لم تجد منفذا للمساهمة في الدورة الاقتصادية، لأنها تساهم في التشغيل المباشر للعاطلين عن العمل.
من جهته، ينتقد وجدي خضراوي عضو الحملة الانتخابية الرئاسية لقيس سعيّد بشدة رافضي الشركات الأهلية الذين وصفوها “بالوهمية”، ودعاهم إلى تقديم بديل عملي عنها يُخرج تونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.
وقال للجزيرة نت إنه على السياسيين “الكف عن التنظير على من يعانون يوميا من أزمة البطالة في المناطق الفقيرة لأن الحل لا يكمن فقط في الشركات الأهلية التي بإمكانها خدمة فئات معينة من المجتمع خاصة في الأوساط الريفية، بل في أفكار أخرى تفيد فئات متعددة ومتنوعة من العاطلين عن العمل”.
ويعتبر خضراوي أن أي مشروع سيوفر أكثر من فرصة عمل هو حل لمشكلة البطالة، والأمر ينسحب على الشركات الأهلية.