تقوم دول عدة برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، مشيرة إلى أن هذا يسحب الأموال من الاقتصادات ومن الممكن أن يؤدي إلى بطالة كبيرة، وعلى الرغم من الألم الذي تسببه هذه الخطوة السياسية فإنها ليست مفهومة جيدا.
هذا ما كتبه جون ليتزنغ المحرر الرقمي في الاستخبارات الإستراتيجية للمنتدى الاقتصادي العالمي ومينجي سونغ المتخصص في مرئيات البيانات والمحتوى بقسم الذكاء الإستراتيجي- المنتدى الاقتصادي العالمي.
كان هذا تقييما لأحد أعضاء الكونغرس بعد احتجاجهم على نزول المزارعين إلى واشنطن العاصمة في عام 1979 ورميهم ماعزا حيا فوق سور البيت الأبيض، وتسببهم في أضرار بملايين الدولارات بجراراتهم، وإجبارهم على الدخول في مواجهة محرجة مع محافظي البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة المرتفعة التي تسببت في صعوبة الحصول على القروض التي تشتد الحاجة إليها.
وبحلول عام 1981 تم رفع سعر الفائدة القياسي في البلاد إلى ما يقارب 20%، مما منع ليس إعاقة الاقتصاد فحسب، بل أوقف حركته تماما، ويمكن أن يتكبد اقتراض المال لشراء منزل نسبة 18.5% في تلك المرحلة، مما يتطلب دفع ما يقارب خمس ما كان مستحقا لدفعه بانتظام للمقرضين مقابل امتياز التعامل معهم وجعل ملكية المنازل تبدو مستحيلة.
ارتفاع معدلات التضخم
بلغ معدل التضخم الأساسي في الولايات المتحدة 13% في عام 1980، ولكنه انخفض إلى 3.2% بحلول عام 1983، مما أعاد الثقة ومكّن النمو.
الآن، يتم رفع أسعار الفائدة مرة أخرى للتغلب على التضخم، حيث ارتفع المعدل القياسي في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بأكبر قدر منذ عام 1994، وحدثت مؤخرا ارتفاعات أكثر اعتدالا في المملكة المتحدة وكندا والبرازيل وكوريا الجنوبية، وتم إطلاق المزيد من عمليات الرفع الدراماتيكية في الأرجنتين ومصر وأوكرانيا التي تحاول منع انهيار عملتها بعد غزو روسيا لها.
إن رفع الأسعار يحرم الناس عموما من سهولة الوصول إلى المال، وفي هذه الأثناء تصبح الشركات أقل رغبة في الاستثمار والتوظيف بطرق تضع عادة دخلا إضافيا في الجيوب، كما أنها تتردد بشكل متزايد في رفع الأسعار، وبشكل عام تتحول الأشياء بثبات إلى حركة بطيئة.
وتم تشبيه هذه الطريقة في مكافحة التضخم بالعلاج الكيميائي، العلاج الكئيب الذي يهدر بشكل ثابت جسم الاقتصاد بما يكفي لتخليصه من المرض، ولكن ليس بالقدر الكافي لقتله.
الهبوط الناعم
إذا كان محافظو البنوك المركزية يضغطون كثيرا على حياة الاقتصاد فقد يكون من الصعب إنعاشه، وقد يؤدي ذلك إلى تفشي البطالة، لذا فهم يهدفون إلى “هبوط ناعم” يحد من التضخم دون التسبب في ركود.
في الثمانينيات تمكنت إسرائيل من استخدام رفع أسعار الفائدة لتقليل التضخم المتفشي إلى لا شيء تقريبا حيث ارتفعت البطالة بشكل طفيف فقط، وكانت الجهود الأخرى أقل نجاحا وفقا لتحليل حديث، وحقق الاحتياطي الفدرالي الأميركي هبوطا ضعيفا “حقيقيا” واحدا من بين 9 زيادات في أسعار الفائدة منذ عام 1961.
وهناك أيضا مخاوف بشأن الافتقار إلى الدقة التي ينطوي عليها تحرك السياسة، وقد لوحظ أن روسيا مسؤولة عن رفع أسعار المواد الغذائية والوقود على الرغم من أن رفع الأسعار لن يفعل الكثير لاستهداف المجهود الحربي الروسي، لكنها ستستهدف القوة الشرائية للشخص العادي.
وعلى الرغم من العناوين التي لا تنتهي حول أسعار الفائدة والتضخم فإن الفهم العام لما هو على المحك قد يكون أقل من الكمال، ووجد أحد الاستطلاعات أن العديد من الأميركيين كانوا “قلقين” بشأن فكرة زيادة المعدلات، لكن ربع المشاركين من جيل “زد” (Z) كانوا ببساطة “مرتبكين”.
آثار سلبية
الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الاستفادة من الأسعار المنخفضة لشراء منزل قد يكونون الآن في وضع غير ملائم لجمع ثروة، وقد يتعرض أولئك الذين لديهم ديون كبيرة للضغط.
وأشار تحليل أجري في أستراليا العام الماضي إلى أن مستويات ديون الأسر المرتفعة تعني أن سعر الفائدة القياسي لا يمكن أن يرتفع إلى ما يزيد على 2% بدون تهديد خطير لإنفاق المستهلكين، وتم رفع السقف لهذا المعدل إلى 0.85% في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري.
وفي الولايات المتحدة من المتوقع أن يعيق رفع أسعار الفائدة الجهود الرامية إلى سد فجوات البطالة العرقية (يبلغ معدل الأميركيين السود حوالي 6% مقارنة بمعدل إجمالي يبلغ 3.6%)، وفي الدانمارك من المرجح أن تؤثر المعدلات المرتفعة على صاحبات الأعمال بشكل غير متناسب.
ومع ذلك، قد يكون البديل أسوأ، إذ يمكن أن يؤدي التضخم المتصاعد إلى اضطرابات، وقد اجتذبت مظاهرة احتجاجية على تكاليف المعيشة في بروكسل في وقت سابق من هذا الأسبوع 70 ألف شخص، ويحتاج محافظو البنوك المركزية إلى إثبات أن شخصا ما يتحكم بالوضع.