تونس – بتهمة “ارتكاب أمر موحش تجاه رئيس الجمهورية” على خلفية 5 تدوينات تحتوي حسب الشكايات المقدمة على “عبارات وألفاظ تمس من هيبة الدولة التونسية وفيها إساءة كبيرة وتهجم واضح على القائد الأعلى للقوات المسلحة وإحداث البلبلة في الأوساط السياسية والاجتماعية” تم تأجيل استنطاق المفكر التونسي الفيلسوف محمد الحبيب المرزوقي (أبو يعرب) ليوم 6 يونيو/حزيران الحالي.

وقد وُجهت الشكايات إلى القضاء العسكري بتهمة “التآمر على أمن الدولة” لكنه تخلى عن القضية لفائدة القضاء العدلي “لانتفاء الصبغة العسكرية”.

في حوار مع الجزيرة نت، علّق الأكاديمي -الحاصل على إجازة الفلسفة من جامعة السوربون ودكتوراه الفلسفة العربية واليونانية 1991- على متابعته قضائيا بسبب تدوينات متحدثا عن واقع حرية الرأي والتعبير في تونس والعالم العربي، وعن مكانة المفكر العربي ودوره في مقاومة الاستبداد.

  • كيف تلقيتم خبر محاكمتكم عسكريا بتهمة “التآمر على أمن الدولة”؟

تلقيته بتعجب كبير لأنه تأخر كثيرا ولكن اكتشفت أنه لم يتأخر بإرادة من شكاني، وإنما لأن القضاء العسكري والعدلي كليهما يريد أن يبحث عن الحقيقة ويتثبت منها.

 

وحسم القضاء العسكري بعد 10 أشهر في الأمر، واعتبر أن القضية لا أساس لها ولا تتبعه، ولذلك أحالها إلى القضاء العدلي.

  • تخلى القضاء العسكري عن قضيتكم لفائدة القضاء العدلي، كيف تقرؤون هذه الخطوة؟

أنا أعتقد أن ذلك يعني أن الجيش لا يؤيد الانقلاب ولا يقبل كتم الأصوات ومنع المواطنين، وخاصة النخبة التي تحاول البحث عن الحقيقة، من قول الحقيقة وإعلام الشعب بها.

  • ما دلالات هبة التضامن الواسعة التي حظيتم بها؟

هذا أمر طبيعي في شعب جرّب 10 سنوات من الحرية والديمقراطية، وأراد أن يحافظ على هذه القيم حتى وإن شعر بشيء مما يدعو إلى عدم الرضا بالانتقال البطيء إلى الديمقراطية الذي سببه هؤلاء الذين يتربصون بالديمقراطية في البلاد العربية كلها وليس في تونس وحدها.

ولذلك، فإن البلاد العربية تعتبر استثناء في القرن 21 في حين أن معظم البلاد الأخرى الأفريقية والآسيوية والأوروبية التحقت بركب الديمقراطية.

  • كيف تقيمون مستوى حرية الرأي والتعبير اليوم في تونس، ولأية درجة هي مهددة؟

أولا أقيمها في ردود الفعل التي أثبتها رئيس الجمهورية قيس سعيّد هو نفسه عندما استشار الشعب حول خياراته والشعب الذي انتخبه بنسبة 72% هو عين الشعب الذي قبل استشارته بنسبة 5% فقط والبقية طبعا كانت ضده، مما يعني أن الذين انتخبوه عزلوه.

 

كانت حرية التعبير مهددة بالإعلام الذي هو من تربية مدرسة عبد الوهاب عبد الله (أحد وزراء نظام بن علي) لكن الإعلاميين رغم أننا حذرناهم أنه سيأتي دوركم، واصلوا الدفاع عن الظلم والقهر والاستبداد والفساد ربما لأن تمويلهم كان سخيا ولكنهم اكتشفوا في النهاية أنهم هم أيضا صاروا مستهدفين، ولذلك فإن الصحفيين اليوم عززوا صف الثورة.

  • كيف يمكن للكلمة والرأي أن يهددا اليوم عرش الأنظمة العربية الحاكمة، وماذا تعكس ملاحقة المفكرين قضائيا؟

أولا لو لم يكن مفعول حرية الرأي مخيفا للأنظمة العربية لما مولت الثورة المضادة وقدوم روسيا إلى سوريا وليبيا، وتحاول استقدامها إلى تونس واليمن ولبنان حتى تحافظ على عروشها التي لا سيادة لها لأنها خاضعة لحام في الغالب تكون له قاعدة في بلادها.

لذلك أعتقد أن الأنظمة العربية من حيث لا تعلم تعترف بأن الشعب العربي وكل الأقليات فيما يسمى الجامعة العربية بدأت تشعر بأنه من واجبها أن تتحرر وتحكم نفسها بنفسها، وألا تقبل سيطرة الأنظمة التي ليست معبرة عن إرادتها وإنما هي تواصل سياسة الاستعمار في البلاد العربية.

المفكرون قلة في البلاد العربية لأن الأغلب وظفتهم الأنظمة لكي يكونوا طبالين وليس مفكرين، وقلة منهم مازالوا صامدين ويدافعون عن ما يرونه مفيدا لشعوبهم وللإقليم وللإنسانية، لأن استثناء المسلمين من القرن 21 يعني أننا سنبقى وحدنا عبيدا لأن الشعوب الأخرى فرضت حرية إرادتها وتسعى إلى الاستقلال.

 

المفكرون قلة في البلاد العربية لأن الأغلب وظفتهم الأنظمة لكي يكونوا طبالين وليسوا مفكرين، وقلة منهم مازالوا صامدين ويدافعون عن ما يرونه مفيدا لشعوبهم وللإقليم وللإنسانية، لأن استثناء المسلمين من القرن 21 يعني أننا سنبقى وحدنا عبيدا لأن الشعوب الأخرى فرضت حرية إرادتها وتسعى إلى الاستقلال.

ولذلك فإني أعتقد أن الثورة نجحت على الأقل وربحت القلوب والعقول، ما زالت قوة الشرعية تعني قوة الدولة ولكنها مؤلفة أيضا من مواطنين لأن الجيش والأمن والإعلام مواطنون، وكل هؤلاء وإن كانت مهمتهم أحيانا تفرض عليهم السمع والطاعة للحكام، لكنهم في قرارة أنفسهم مع الشعب، ويكفي أن يعبر الشعب بصورة سلمية عن إرادته حتى يجد إلى جانبه هؤلاء.

وقد حصل في تونس، ولذلك فهي صارت تمثل نموذجا للبلاد العربية، حدث في المرحلة الأولى من الثورة وسيحدث مرة أخرى الآن لمواصلة الثورة واستئناف المسار نحو الديمقراطية الحقيقية.

 
  • بماذا يتمثل دور المفكر العربي في مقاومة الاستبداد والانفراد بالسلطة؟

أولا في أن يكون المفكر العربي ذا كفاءة في مجال اختصاصه حتى يربي الأجيال على ما يجعل الشعوب العربية قادرة على إنتاج شروط الحرية وهما اثنان: الأول أن يكون الشعب قادرا على إعالة نفسه حتى لا يمد يده متسولا، وجل الشعوب العربية اليوم متسولة.

 

والدليل هو أزمة القمح الآن، فكل الشعوب العربية تستورد أكثر من 90% من غذائها، وهذا دليل على عدم كفاءة النخب السياسية طبعا والفكرية والعلمية.

ثانيا، بأن تكون النخب السياسية كفؤة مثل النخب التي بنت الحضارة الغربية والآسيوية حاليا، عندئذ ينبغي أن نمر إلى المرحلة الثانية بأن تكون النخب السياسية أيضا لها الكفاءة التي تجعلها قادرة على اختيار إستراتيجيات اقتصادية تمكن الشعوب العربية من عدم الحاجة إلى التسول.

فإذا تمكنت الشعوب العربية من ذلك تصبح قادرة على الجرأة في تحقيق شروط السيادة التي أعرّفها اليوم أساسا بتكوين وحدات كبرى قادرة على حماية السيادة.

نتمنى الوحدة للبلاد العربية، وليس بيننا وبين الغرب والشرق عداوة، إنما الغرب استصغرنا لأننا صرنا صغارا ونحن المسؤولون عن ما يحدث لنا والشرق أيضا يستصغرنا لأننا نتعامل معه بنفس الطريقة التي تعامل بها الحكام مع الغرب بمد اليد للرعاية وللحماية.

نتمنى الوحدة للبلاد العربية، وليس بيننا وبين الغرب والشرق عداوة، إنما الغرب استصغرنا لأننا صرنا صغارا ونحن مسؤولون عن ما يحدث لنا والشرق أيضا يستصغرنا لأننا نتعامل معه بنفس الطريقة التي تعامل بها الحكام مع الغرب بمد اليد للرعاية وللحماية.

  • ما التحديات والمخاطر التي تواجه اليوم المفكر العربي وكيف له أن يتجاوزها ؟

إذا أخذناه فرديا فليس هنالك مخاطر، لأن المفكر العربي يستطيع إذا تنازل عن دوره في المساهمة في كرامة المواطن والإنسان وسيادة الوطن وحريته أن يعيش في رفاهية كبيرة، يعني إذا قبل باستثناء بلاده من حقوق الإنسان ومن الحريات وكرامة المرأة والرجل فسيكون أسعد مخلوقات الله.

 

ولذلك فكثير من النخب المثقفة اختارت هذه الطريق، وقلة تحاول أن تحافظ على الرسالة التي كلفتها بها ضمائرها، ولذلك أعتقد أن هذا يمثل خطرا على الأمة والشعوب لا على الأفراد.

السجن هو الثمن الذي يدفعه المفكر الذي يريد أن يقدم مبادئه على منافعه، فهناك خيار وهو معنى الأخلاق وهي أن تختار الدفاع عن ما تؤمن به بدلا من أن تختار ما يشبعك ماديا.

أما السجن فهو الثمن الذي يدفعه المفكر الذي يريد أن يقدم مبادئه على منافعه، فهناك خيار، وهو معنى الأخلاق، أن تختار الدفاع عن ما تؤمن به بدلا من أن تختار ما يشبعك ماديا.

صحيح أن الحاجة المادية قد تضطر البعض للتنازل عن كرامته ولكن دائما نجد في أي أمة بعض الناس مستعدين لأن يكونوا شهداء لحماية وطنهم، وتضحية المفكر بالمقارنة مع الذين أعطوا دمهم وحياتهم صغيرة لا تحسب.

 

أعتقد أنه بعد استدعائي للمحاكمة ربما سيتم الحكم علي بـ 3 سنوات وفق القانون الذي اعتمدت عليه الدعوة، لكن ما هي قوتي حتى أهدد الدولة، من السخف أن يعتبروا كلامي تهديدا للدولة، لا أملك سلاحا أو حزبا ولم أصعد للجبال ولم أقاتل ولا حتى قدت مظاهرة بل تظاهرت فقط كمواطن.

فما معنى أني اعتديت على رئيس الدولة؟ وافرض أنه وجد في كتاباتي مع غيره من الذين يستبدون بالنظام كلاما لا يرضيه، فهذا حقي، ويكون كلامي موحشا.

ولو كنت قلت فيه ما يمسه وحتى في هذه الحالة فكونه رئيس الشعب التونسي بأكمله فلا يحق له أن يحاسب مواطنا ربما غضب لشيء من الأشياء.

  • كيف تنظرون لمستقبل الحريات في تونس والعالم العربي: بتشاؤم أم تفاؤل؟

بتفاؤل كبير جدا، لأني لو لم أكن متفائلا لما كان الشعب التونسي قد صمد 3 سنوات لأني أعتقد أن الانقلاب بدأ الأسبوع الأول من نجاح قيس سعيّد كرئيس لما خرج وقال “أنا لا أعترف بالدستور وإنما دستوري مكتوب على الجدران” ولما ذهب إلى الثكنات وطلب من الجيش أن يساهم في الحياة السياسية، في حين أن الجيش بمقتضى الدستور محايد لا يتدخل في المعارك السياسية.

 

وإذا فهو كان يعد للانقلاب، ولما سكت عن الفوضى التي أُقحمت في البرلمان ومنع تدخل الأمن لحماية البرلمان، ومعنى ذلك أنه كان يستفيد من هذا العمل حتى يسقطه، ولما أراد أن يغير نظام الحكومة الممثلة للإرادة الشعبية وجعلها حكومة الرئيس.

هناك انقلاب في البرلمان وفي الجيش وفي الشارع وفي الحكومة، الآن بقي ما فعله ليلة الأربعاء 1 مايو/أيار الماضي بانقلاب في القضاء وفي هيئة الانتخابات، فالانقلاب تكرر 20 مرة وكل مرة يحقق منه شيئا.

وهذا يجعلني متفائلا، فلو كان الرئيس يستطيع أن يصنع الانقلاب دفعة واحدة لصنعه ولكن الجيش والأمن ورجال تونس في السياسة وفي الحكومة والبرلمان حالوا دون ذلك.

 
  • هل مازالت تونس رغم ما حدث وما يحدث الآن هي المثال والاستثناء ؟

طبعا، تونس ستكون أيضا مثال الموجة الثانية والأخيرة لأنها ستنجح فعلا في كل البلاد العربية أي موجة الانتقال السلمي للديمقراطية.

 

نحن نعلم أن هذا الانتقال صعب جدا، ولكن في الشعب التونسي وفي الشعوب العربية وغيرها من الجامعة العربية، من الصمود والإرادة لأنهم يؤمنون بأنهم سيكونون خير خلف لخير سلف لأن أجدادنا هم الذين حرروا هذه البلاد من الحضور الاستعماري المباشر، ونحن وأحفادنا سنحررها من الاستعمار غير المباشر الذي يمثله عملاؤه ممن يريدون أن يعيدوا الساعة إلى الماضي بإخضاعنا للاستبداد والفساد.

  • هل ستوقف المحاكمات المفكر أبو يعرب المرزوقي عن التفكير والتعبير عن آرائه بحرية في المستقبل؟

لا يوقفني عن أداء واجبي إزاء ما أؤمن به وإزاء وطني ومواطني إلا الأجل، وهذا أمر نحن نعلم أن الله منعنا من أن نعرف متى وأين نموت حتى نبقي على الأمل.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *