بعد أحداث بغداد الدامية.. ما مآلات خطاب الصدر وسحب المتظاهرين؟
تطورات متسارعة شهدتها العاصمة العراقية خلال الساعات الـ24 الماضية، فبعد أن انزلقت الأحداث إلى اشتباكات مسلحة داخل المنطقة الخضراء منذ منتصف يوم أمس الاثنين، جاء مؤتمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في الواحدة من ظهر اليوم لينهي بذلك فصلا دمويا.
خطاب الصدر
فاجأ زعيم التيار الصدري المشهد العراقي اليوم بتدارك الوضع الأمني في العاصمة الذي شهد تدهورا أمنيا خطيرا تسبب بمقتل ما لا يقل عن 30 قتيلا و700 جريح، بحسب الروايات الصادرة عن المؤسسات الصحية، حيث وجه الصدر اليوم في خطابه جميع أنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء خلال ساعة واحدة مع تهديده، بالتبرؤ من جميع من المتظاهرين الذين لا يستجيبون لأوامره.
وقدم الصدر في خطابه اعتذارا للشعب العراقي عما حدث، معتبرا أن العراقي هو المتضرر الأساسي مما حدث، موضحا أن البلاد بعد أن كانت أسيرة لما وصفه بـ “الفساد” فإنه بات الآن أسيرا للعنف والفساد معا، مضيفا “كنا نأمل أن تكون هناك احتجاجات سلمية لا بالسلاح” وأنه لو تم حل الفصائل المسلحة لما وصل العراق لهذا الوضع.
ما المآلات؟
تأتي التطورات الأخيرة التي أدت إلى الصدام المسلح في بغداد وبعض المحافظات العراقية بعد قرابة 11 شهرا على الانتخابات التشريعية المبكرة التي أوجدت انسدادا سياسيا وتأزما لم تشهده البلاد منذ عام 2003، إذ لم تفلح كتلة التيار الصدري الحائزة على 73 مقعدا برلمانيا من أصل 329 من تشكيل الحكومة العراقية حتى بعد تحالفها مع تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني فيما عرف حينها بالتحالف الثلاثي.
وبعد أن أخفق التحالف الثلاثي في اختيار رئيس الجمهورية وتكليف الحكومة، اتجه التيار الصدري لتقديم استقالات جماعية لنوابه من البرلمان، ومن ثم التوجه للاعتصامات والتظاهرات داخل البرلمان العراقي ومحيطه في المنطقة الخضراء.
تتعدد الآراء حول الخطوات القادمة التي ستتبع خطاب مقتدى الصدر الذي أنهى الاشتباكات الدامية ببغداد، وفي هذا الصدد، يقول الباحث السياسي مجاشع التميمي في حديثه للجزيرة نت إن خطاب مقتدى الصدر كان شجاعا في وأد الفتنة ويؤكد خطابه عدم رغبته في تحول التظاهرات السلمية إلى مسلحة.
وتابع التميمي، المقرب من التيار الصدري، أنه يتوقع أن يكون هناك رد من قبل الكتل السياسية الأخرى المنضوية ضمن الإطار التنسيقي، معتقدا أن هذه الكتل قد تجتمع اليوم وتتخذ قرارا وصفه “برد الجميل” لزعيم التيار الصدري، وتعلن الموافقة على حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة يشترك فيها التيار الصدري، معللا ذلك بأنه لا يمكن أن تستمر العملية السياسية والحكومة المقبلة في ظل نقمة جمهور التيار الصدري وما حدث بعد الانتخابات الأخيرة.
قرار حل البرلمان
وعن الجهة التي ستشرف على الانتخابات في حال موافقة الإطار التنسيقي على الذهاب باتجاهها، أوضح التميمي أن هناك أطرافا وصفها بالمعتدلة داخل الإطار التنسيقي لا تمانع من بقاء رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي على رأس حكومة انتقالية، ليتم حل مجلس النواب بعدها والذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، مؤكدا أن معرفة هذه التفاصيل بحاجة لمزيد من الوقت، بحسبه.
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان بأربيل مهند الجنابي أنه بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها البلاد، فإن خطاب مقتدى الصدر قد يشي بحصول اتفاق خفي بين الكتل السياسية خلال الساعات الماضية، وقد يكون من بينها حل البرلمان عن طريق المحكمة الاتحادية التي كانت قد أجلت اليوم الدعوى المقامة بذلك إلى إشعار آخر، نظرا لقرار مجلس الوزراء أمس تعطيل المؤسسات الحكومية وفرض حظر شامل للتجول.
الجنابي وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أنه في حال حدوث ذلك، فإن التيار الصدري سيكون قد حاز مطالبه وشروطه التي خرجت التظاهرات والاعتصامات داخل المنطقة الخضراء من أجلها، وبالتالي الذهاب لانتخابات مبكرة.
وعن مدى ارتباط التطورات الأخيرة بالملفات الإقليمية، يعتقد الجنابي أن الملف العراقي يرتبط ارتباطا كبيرا بالملفات الإقليمية، من بينها الملف النووي الإيراني، لا سيما أن الأنباء تتحدث عن وصول مجموعة 5+1 إلى مراحل متقدمة قد تمهد للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد انسحب منه عام 2018، وهو ما قد يعني أن المفاوضات الغربية الإيرانية تشهد مفاوضات تتعلق بملفات إقليمية من بينها العراق.
من جانب آخر، يعتقد الباحث السياسي عمر عبد الستار أنه بانسحاب زعيم التيار الصدري من المشهد بعد خطابه اليوم وقرار اعتزاله، فإن البرلمان سيعود لمزاولة أعماله في ظل غياب أي مبادرة حقيقة لحل البرلمان في ظل تأجيل المحكمة الاتحادية لجلستها التي كان موعدها اليوم.
ويتابع عبد الستار أن أسباب الاشتباكات الحقيقية كانت في بيان اعتزال المرجع الديني كاظم الحائري (المقيم في قم بإيران) أمس الذي يقلده أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حيث إن بيان الحائري شجع على تقليد المرجع ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وهو ما يعد سحبا للمرجعية الدينية للشيعة من النجف إلى إيران، بما يعني أنه وبالإضافة إلى ما يشهده العراق من خلاف سياسي، فإن هناك مشكلة أخرى تتمثل بصراع المرجعيات الشيعية بين العراق وإيران، وهو ما أدى بمقتدى الصدر إلى ما حدث أمس لإثبات أن مناصريه عراقيون وله تأثير فعلي على تحركاتهم، بحسبه.
تدويل الأزمة
وبالعودة إلى الجنابي واحتمالية تدويل الملف العراقي، يضيف أنه مع التهدئة التي حدثت بين فرقاء العملية السياسية في العراق الآن، فإن النظام السياسي الحالي يشهد الكثير من المطبات التي تعرضه لأزمات مشابهة حتى لو اتفق الجميع على الذهاب إلى انتخابات مبكرة، معتقدا أنه لا يمكن إصلاح النظام السياسي العراقي من الداخل أو من الخارج بطرق سلمية إلا بتدخل دولي باستخدام القوة، وهو ما قد يبدو مستبعدا حتى اللحظة، وفق قوله.
ويذهب في هذا المنحى الباحث السياسي غانم العابد الذي يرى أن المشاكل السياسية لا تزال مستمرة حتى مع الاتفاق الذي أنهى الصدامات المسلحة ببغداد وإنهاء المظاهرات، موضحا أنه لا يوجد طرف سياسي قادر على حل الانسداد السياسي، وبالتالي قد تتجه الأزمة بالبلاد إلى التدويل، لا سيما مع فشل المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت وبعثة الاتحاد الأوروبي في التحرك لتدارك ما حصل أمس.
أطراف الاشتباك المسلح
استمرت الصدامات المسلحة في العاصمة العراقية بغداد وبعض المدن الجنوبية نحو 24 ساعة، حيث بدأت منتصف يوم أمس ولم تنته إلا بخطاب مقتدى الصدر ظهر اليوم، وفي هذا الصدد ولمعرفة الجهة التي تقف وراء هذه الاشتباكات، أوضح الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف أن الجهات التي كانت حاضرة في الاشتباكات هي فصائل سرايا السلام وجيش المهدي من جهة وفصائل أخرى معروفة -فضل عدم ذكرها- مشيرا إلى أن خطاب زعيم التيار الصدري أنهى حالة الاقتتال التي كانت ستجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه، وفق قوله.
من جانبه، يكشف الباحث السياسي غانم العابد أن الأطراف التي شاركت في الاشتباكات كانت فصائل سرايا السلام وجيش المهدي التابعة للتيار الصدري من جهة، مقابل فصائل أخرى على رأسها عصائب أهل الحق وبعض الفصائل الأخرى الأقل قوة من العصائب.
أما عن الأسلحة التي استخدمت في الاشتباكات، يؤكد أبو رغيف للجزيرة نت أن الاشتباكات شهدت استخدام مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة دون اللجوء للأسلحة الثقيلة، لافتا إلى أن الأسلحة المتوسطة تعد أكثر خطرا من الأسلحة الثقيلة في المناطق التي تشهد اشتباكات بين أطراف قريبة من بعضها جغرافيا، لا سيما أن محيط المنطقة الخضراء لا يتجاوز 5 كيلومترات.
انتهت الاشتباكات المسلحة وعادت الأوضاع إلى طبيعتها في بغداد ومختلف المدن العراقية، إلا أن العراقيين لا يزالون يترقبون ما تخبئه الأيام المقبلة من اتفاقات سياسية تجنبهم الساعات العصيبة التي شهدوها الليلة الماضية.