منذ تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي في أوكرانيا ردا على التهديد الذي تتعرض له مصالح بلاده، تركّز النقاش في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية على التهديد النووي المحتمل.
لكننا ينبغي أن نتذكر ونحن منشغلون بالتفكير في احتمال استخدام بوتين السلاح النووي ضد أوكرانيا، أن قوة عالمية عظمى بإمكانها شل حركة قوة صغيرة بدون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.
هذا ما يراه ليون هادار الخبير الجيوسياسي في شبكة “ريني” (RANE) الاستشارية لإدارة المخاطر، في مقال له بمجلة “ناشونال إنترست” (National Interest) الأميركية يسلط فيه الضوء على قدرات روسيا العسكرية التي تمكّنها من إلحاق أضرار بالغة بأوكرانيا لحملها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدون الحاجة لاستخدام السلاح النووي.
ويقول هادار إن روسيا تستطيع من خلال استخدام كامل قوتها التقليدية في أوكرانيا أن تحشر الولايات المتحدة في وضع لا تستطيع معه الانتصار كما حدث من قبل عندما هبّت واشنطن لنصرة دولة المجر بعد غزوها من قبل الاتحاد السوفياتي في عام 1956، لكنها أدركت أن إنقاذ المجر يتطلب تدخلا عسكريا مباشرا من واشنطن.
وللاستدلال على مدى فتك الأسلحة التقليدية وقدرة القوى العظمى على تحقيق النصر دون الحاجة لاستخدام الأسلحة النووية، يقول الكاتب إنه خلافا لما ترسّخ في ذاكرتنا الجمعية، فإن الغارة التي خلّفت أكبر قدر من الدمار في تاريخ البشرية لم تكن تلك التي شنتها الولايات المتحدة عندما ألقت قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، بل كانت الغارات الجوية بالقنابل الحارقة التي شنتها القوات الجوية الأميركية على طوكيو خلال ليلتين في مارس/آذار عام 1945.
فقد أسفرت تلك الغارات عن مقتل نحو 100 ألف مدني ياباني وتشريد أكثر من مليون شخص آخرين. في حين يقدر عدد ضحايا القنبلة النووية التي ألقيت فوق ناغازاكي بما بين 40 و80 ألف قتيل.
وخلال الحرب العالمية الثانية كانت الهجمات العديدة على القوات العسكرية والمدنيين من قبل مختلف أطراف الصراع تضاهي -إن لم تكن أكثر فتكا- التأثير المحتمل في حال استخدام قنبلة نووية تكتيكية.
وانطلاقا مما سبق يتساءل الكاتب لماذا يلجأ بوتين لاستخدام الأسلحة النووية قبل استخدام القوة القصوى لسلاح الجو الروسي والأسلحة التقليدية الأخرى، بما في ذلك الصواريخ، لإجبار الزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الموافقة على اتفاقية سلام تضمن تأمين المصالح الروسية؟
ويشير في هذا الإطار إلى جملة من الأسباب التي قد تجعل الزعيم الروسي يحجم عن استخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا، فكييف لا تملك أسلحة نووية يمكن أن تهدد قوة عظمى عالمية مثل روسيا. كما أن السيناريو الأسوأ للحرب من المنظور الروسي، لا يشمل احتمال تمكن القوات الأوكرانية من دخول موسكو وفرض حل سياسي لإنهاء الحرب على الكرملين.
فمبلغ ما تستطيع أوكرانيا تحقيقه هو أن تمتلك القدرة العسكرية والإرادة السياسية الكافيتين لإجبار بوتين على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها.
ويخلص المقال إلى أن استخدام الأسلحة النووية -التي لم تستخدم منذ عام 1945- أمر محفوف بالمخاطر، إذ قد يقابل برد عسكري غربي ويمكن أن يؤدي لإشعال حرب عالمية شاملة قد تستخدم فيها الأسلحة النووية الإستراتيجية، ناهيك عن تأليب المجتمع الدولي بأكمله، بما في ذلك الصين والهند، ضد روسيا.