بعد المجر والنمسا والسويد.. ما تأثير فوز اليمين المتطرف في إيطاليا على وحدة أوروبا؟
باريس- من المجر إلى النمسا والسويد وصولا إلى فرنسا وأخيرا إيطاليا، وجدت أحزاب اليمين المتطرف وتحالفاتها، في موجات الهجرة والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية وتراجع القدرة الشرائية وأزمة الطاقة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، بيئة خصبة للتفريخ والنمو في ظل التراجع التاريخي لأحزاب اليسار وغياب المناعة الطبيعية واللقاحات الضرورية لبقية الأحزاب الوسطية الأوروبية لكبح جماح هذه العدوى السريعة وتفشي ظاهرة التحالفات اليمينية المتطرفة.
وفيما يشبه “متحورات كورونا” السريعة العدوى والانتشار، انتقلت عدوى التحالفات اليمينية المتطرفة في عدة بلدان أوروبية بسرعة الفترة الأخيرة، وانتشرت كالنار في الهشيم محققة “حركية” كبيرة، لتراكم النجاح تلو الآخر.
عدوى سريعة
في المجر، ومقارنة بانتخابات عام 2018 التي أعطته غالبية الثلثين في البرلمان، تصدر حزب فيديسز Fidesz القومي الذي يرأسه رئيس الوزراء فيكتور أوربان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل/نيسان الماضي. وتمكن مع تحالف الأحزاب اليمينية المتطرفة من أن يحصل على الغالبية القصوى في البرلمان الذي يضم 199 مقعدا.
وبعد تأصل الأفكار الراديكالية المتطرفة في هذا البلد الواقع وسط أوروبا، تضاعفت مذكرات التحذير التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، والتي دعا فيها بودابست إلى احترام القيم الأساسية للقارة.
وفي فرنسا، ورغم عدم فوز زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف مارين لوبان بالانتخابات الرئاسية الأخيرة فقد استطاعت أن تغير صورة حزبها لتجعله أكثر قبولا لدى الفرنسيين.
وهو ما انعكس ايجابا على الحزب المتطرف بعد فترة وجيزة، حيث حقق اختراقا تاريخيا بالانتخابات التشريعية التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، بحصوله على 89 مقعدا، ليدخل مقر الجمعية الوطنية من بابها الواسع ويحصل على كتلة برلمانية لأول مرة منذ عام 1986.
وأما السويد، فقد فازت فيها الكتلة المكونة من اليمين المتطرف واليمين المحافظ الليبرالي بالانتخابات التشريعية التي جرت في 11 سبتمبر/أيلول الجاري، حيث حصلت على 176 مقعدا مقابل 173 مقعدا لليمين الوسطي والخضر.
وهو ما جعل إذاعة فرنسا الدولية تصف هذا التحول المفاجئ بالسويد والاتجاه السريع نحو بوصلة اليمين المتطرف بـ “الزلزال السياسي على مقياس أوروبا”. ويقلق هذا التحول غير المتوقع للسويد، نحو اليمين المتطرف، مسؤولي الاتحاد الأوروبي خاصة وأن الرئاسة الدورية للاتحاد ستكون في غضون 4 أشهر في يد السويد.
كارثة على أوروبا
وزادت هذه “العدوى” السريعة لأحزاب اليمين المتطرف، في أوروبا، الخوف والحذر في أروقة الاتحاد الأوروبي بالفوز التاريخي الذي حققه تحالف اليمين المتطرف بزعامة جورجيا ميلوني يوم الاثنين الماضي بالانتخابات التشريعية الايطالية.
وبعد فوزها في الانتخابات بدأت ميلوني زعيمة حزب “فراتيلي ديتاليا” (إخوة إيطاليا) -الذي حصد 26% من الأصوات، في مشاورات تشكيل الحكومة القادمة، وتستعد لتحكم ضمن ائتلاف مع حزب “الرابطة” المناهض للهيئات الأوروبية بزعامة ماتيو سالفيني وحزب “فورتسا إيطاليا” المحافظ الذي أسسه سلفيو برلسكوني.
ورغم محاولة مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون العدل ديدييه ريندرز عدم تهويل فوز ميلوني، وهذا الانسياق الأوروبي نحو اليمين المتطرف بتصريحه الذي أكد فيه أنه “هذه ليست المرة الأولى التي يرتسم فيها خطر مواجهة حكومات تضمّ أحزابًا يمينية متطرفة أو يسارية راديكالية” فإن احتمال ترؤس زعيمة اليمين المتطرف الحكومة الإيطالية القادمة يثير قلق بروكسل.
وفي هذا السياق، عبّر نائب البرلمان الأوروبي توماس فايتس عن اعتقاده بأنّ الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يعمل إلا كوحدة واحدة، ولهذا السبب يمكن أن تصبح ميلوني “كارثة على أوروبا”.
وقال “ستتعرض الأسس والقيم المشتركة للاتحاد الأوروبي للخطر، إذا أصبحت إيطاليا تحت قيادة تحالف ما بعد الفاشيين والأحزاب اليمينية المتطرفة”.
بريكست جديد
وفي إجابته عن سؤال عن مدى جدية التهديدات التي تطرحها مستقبلا هذه العودة القوية لليمين على وحدة الصف في أوروبا، لاحظ حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف ومدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي، أن هناك خشية حقيقية على حسن سير مؤسسات الاتحاد الأوروبي في ظل هذا التوسع لليمين المتطرف في فرنسا والسويد ووصوله للحكم بإيطاليا وخاصة من خلال أداء برلمان الاتحاد.
وأضاف قائلا للجزيرة نت “إن اليمين المتطرف خاصة في دولة مثل إيطاليا التي لها الحق في عدد كبير من النواب الأوروبيين، ونسبة كبيرة من التصويت الداخلي لتغيير موازين القوى السياسية داخل البرلمان الأوروبي، يكمن الخوف والتهديد الحقيقي”.
وهذا الخوف نابع من كون الانتصار الداخلي لأحزاب يمينية متطرفة بنت خطابها الشعبوي على التشكيك في قدرة الاتحاد الأوروبي على مواجهة التحديات المحلية، وبنت حصولها على الكثير من المقاعد على خطابها الرافض على تدخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي في السيادة الداخلية لدول الاتحاد.
وخلص إلى أن ذروة الخوف تكمن في إمكانية حدوث بريكست أوروبي جديد، ودعوة للخروج من الاتحاد من قبل هذه الأحزاب اليمينية، وهو تهديد مازال مطروحا.
في المقابل، أوضح إيمانويل دوبوي، الخبير الدولي ورئيس المعهد الأوروبي للاستشراف والأمن، أن اليمين المتطرف في السويد وإيطاليا لا يشكل الأغلبية ولم يربح الانتخابات لوحده وإنما هو جزء من منظومة كاملة تجمع اليمين المتطرف ويمين الوسط.
وقال في حديثه للجزيرة نت “لا أعتقد أن هذا الفوز لتجمع اليمين في إيطاليا سيغير كثيرا من وحدة الصف بالاتحاد الأوروبي، وبالنظر للشكوك والتخوفات والتهديدات التي عبرت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فهي مبالغ فيها وتجاوز لدورها في الاتحاد، لأن ميلوني لا تريد الانسحاب من الناتو ولا الاتحاد الأوروبي وتريد الابقاء على العقوبات على روسيا”.
لكنه استدرك مؤكدا أن ما سوف يتغير بعد فوز ميلوني هو سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي وهذه الضغوط والتوترات الكبيرة في هذا الموضوع بالذات، خاصة مع معرفة أن وزير الداخلية القادم سيكون لا محالة سيلفيني.
تشجيع التحالف
وعقب صدور النتائج، أشاد اليمين المتطرف الفرنسي بفوز ميلوني، وغردت لوبان، على تويتر “قرر الشعب الإيطالي أن يحدد مصيره بيديه بانتخاب حكومة وطنية وذات سيادة” وهنأت ميلوني ورئيس حزب الرابطة اليميني المتطرف سالفيني على “مقاومتهما تهديدات الاتحاد الأوروبي المتغطرس والمناهض للديمقراطية”.
وبدوره، قال النائب بالبرلمان الفرنسي فرانسوا كزافييه بيلامي “من الجنون الاعتقاد أن 25% من الإيطاليين فاشيون” مضيفاً أن “الخطر الحقيقي على أوروبا ليس ميلوني، بل انتشار الهجرة غير الشرعية في إيطاليا”.
وتساءلت “لوباريزيان” بافتتاحيتها: ماذا لو انتقلت العدوى الى فرنسا؟ وأشارت فيها لخطورة تقارب حزب “الجمهوريين” اليميني مع حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف على غرار ما حدث في إيطاليا.
وهي نفس وجهة النظر التي يتبناها عبيدي الذي يرى أن العديد من الدول الأوروبية ستقول لم لا نعطي فرصة لليمين المتطرف كيف يحكم؟ وأول هذه الدول هي فرنسا المرشحة أكثر من غيرها لتتبوأ فيها زعيمة اليمين المتطرف مناصب مهمة.
ميلوني وموسكو
أعلن الكرملين استعداده لتطوير “علاقات بنّاءة” مع روما بعد فوز زعيمة اليمين المتطرّف في الانتخابات بإيطاليا.
ويثير شعار ميلوني “الله الوطن العائلة” الذي يتبنى المصلحة القومية الإيطالية على الأوروبية القلق بأروقة الاتحاد، غير أن رئيس المعهد الأوروبي للاستشراف والأمن شدّد على أن العقوبات على روسيا ستبقى على حالها حتى مع ترؤس ميلوني للحكومة لأن الدبلوماسية الإيطالية لن تتغير بقدومها نظرا لوجود عوامل موضوعية وبراغماتية وإستراتيجية تحكم هذه الدبلوماسية.