حماس اتبعت إستراتيجية متطورة، عندما بالغت بإغضاب إسرائيل في هجوم السابع من أكتوبر (أسوشيتد برس)

حماس اتبعت إستراتيجية متطورة، عندما بالغت بإغضاب إسرائيل في هجوم السابع من أكتوبر (أسوشيتد برس)

قالت صحيفة “تايمز” البريطانية إن إسرائيل لا يمكن أن تخرج من حربها على غزة إلا ضعيفة بعد وقوعها في نفس الخدعة التي أغرت الغرب بالذهاب إلى حرب العراق، ليجعل نفسه أكثر إرهاقا وأكثر تعرضا للخطر، في وقت أهدر فيه سلطته الأخلاقية.

وانطلقت الصحيفة -في مقال بقلم ماثيو سيد- من إستراتيجية الملاكم محمد علي كلاي التي استخدمها ضد منافسه جورج فورمان في مواجهتهما التاريخية عام 1974، والتي تقوم على استفزاز الخصم، وإغضابه بالتهكم لإثارة رد فعل مبالغ فيه لإرهاقه، حيث يتذكر فورمان أن محمد علي قال له “هل هذا كل ما لديك يا جورج؟” حتى لكم نفسه في حالة من الإرهاق، ليفوز عليه علي بالضربة القاضية في الجولة الثامنة.

وأسقط الكاتب هذه الإستراتيجية على ما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما اعتقد القادة الأميركيون والبريطانيون أن الغزو الشامل لأفغانستان والعراق من شأنه أن يجعلهم أكثر أمانا، وقد كانوا مخطئين بشكل رهيب، حين ضربوا بقوة، وقتلوا مئات الآلاف من المدنيين، وعادوا أكثر إرهاقا وأكثر تعرضا للخطر بعد أن أهدروا سلطتهم الأخلاقية، كما أراد خصمهم تنظيم القاعدة.

إسرائيل تقع في الفخ

ووقعت إسرائيل في نفس الفخ -كما يرى الكاتب- لتردد أن “حركة المقاومة الإسلامية (حماس) طائفة من القتلة المتعصبين”، لكن (حماس) اتبعت إستراتيجية متطورة، عندما بالغت بإغضاب إسرائيل في هجوم السابع من أكتوبر، في إشارة إلى طوفان الأقصى، فيما اعتبره الكاتب جزءا من خطة مصممة بدقة لحث تل أبيب على رد فعل مبالغ فيه من شأنه أن يجعل حماس أقوى وإسرائيل أضعف.

 

 

وبذلك نجحت حماس -كما يقول الكاتب- لأن قصف إسرائيل لغزة بالكامل، وتبريرها لكل تفجير بالإشارة إلى الفظائع التي تحملتها جراء طوفان الأقصى، خدم مباشرة أعداءها التواقين إلى دعاية صور سفك الدماء التي تنقل إلى العالم الذي يراقب الحرب، في حين تصبح إسرائيل أكثر عزلة في الأمم المتحدة، ويبدأ حلفاؤها بالتفكير في فرض الحظر، ويميل الرأي العام العالمي ضدها بشكل متزايد.

وعبر الكاتب عن ذهوله من مستوى الغضب الإسرائيلي من أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حتى توقف الإسرائيليون عن التأمل في التناقض الذي يكتنف هدفهم المعلن من الحرب، الذي هو القضاء على (حماس)، متناسين أن (حماس) أيديولوجية لا يمكن القضاء عليها بقوة السلاح وحدها، وأن تدمير غزة أثبت أنه عامل تجنيد أكثر فعالية من ألف مدرسة.

غير مقبول إستراتيجيا

ولعل المأساة الأعظم -حسب ماثيو سيد- هي أن كل هذا كان متوقعا، منذ أن وعد وزير الدفاع يوآف غالانت، بفرض “حصار كامل” على غزة “بدون كهرباء ولا طعام ولا وقود”، وفي اليوم التالي قال للقوات الإسرائيلية إنه “حرر كل القيود”، ثم كتب جيورا إيلاند، وهو جنرال إسرائيلي سابق “لكي نجعل الحصار فعالا علينا أن نمنع الآخرين من تقديم المساعدة لغزة”، لتشكل مثل هذه التصريحات خلفية لكل ما حدث.

وربما كانت هذه التصريحات مفهومة من الناحية النفسية، ولكنها غير قابلة للتسامح على المستوى الإستراتيجي، لأنها تبرر مهاجمة قافلة مساعدات لأنها “ربما” تحتوي على مقاتل مسلح، ناهيك عن المذبحة التي ارتكبت بحق العاملين في المجال الإنساني والصحفيين، والمبرر هو أن الأخطاء تحدث في ضباب الحرب، ولكنها تحدث في كثير من الأحيان عندما تدار الحرب في ضباب الانتقام، كما يقول الكاتب.

وخلص الكاتب إلى أن التخلص من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يصب استمرار الحرب الدموية في خدمة مصالحه، سيكون بداية مفيدة ولكنه لن يكون كافيا في حد ذاته، وعلى الإسرائيليين أن يروا كيف يتم التلاعب بهم من قبل خصومهم، وخداعهم في مأساة ذات أبعاد تاريخية.

المصدر : تايمز

About Post Author