عُرض مؤخرًا في صالات العرض السينمائية فيلم “توب غن: مافريك” (Top Gun: Maverick) الجزء الثاني من الفيلم الذي حمل الاسم نفسه، وصدر منذ 36 عامًا، مع عودة النجم توم كروز في الدور الذي جلب له النجاح والشهرة والشعبية.
تحول فيلم “توب غن” في جزئه الأول إلى أيقونة سينمائية على مر السنين، بعدد مهول من المشاهدين، ونجاح كبير في شباك التذاكر وقتها، وأجيال عديدة كبرت وهي تشاهد أفلام “البروباجندا” الأميركية الحربية، لكن هذا النجاح الشعبي قابله فتور نقدي كبير، فحصل الفيلم على معدل 58% على موقع “الطماطم الفاسدة”، لكن الحال لم تكن كذلك مع الجزء الثاني، الذي حظي بكلا النجاحين الجماهيري والنقدي بمعدل 97% على الموقع ذاته، وإيرادات هي الأعلى في تاريخ “أستوديو بارماونت”.
كروز الناضج
في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي عندما قدم توم كروز دوره في فيلم “توب غن” كان الوضع مهيأ له تمامًا ليصبح أيقونة الشباب والمراهقات القادم، بوسامة شديدة، ولياقة بدنية، واشتراكه في أفلام هي الأعلى إيرادًا، وإصراره على تقديم المشاهد الخطيرة بنفسه؛ الأمر الذي أكسبه احترام المتفرجين.
وعلى مر السنوات، حافظ توم كروز على مكانته هذه بخطوات محسوبة، وأفلام أغلبها ناجحة، ومن وقت لآخر كان يسأله المراسلون الصحفيون عن إمكانية عودته لدوره الشهير في “توب غن” بجزء ثان، وهو المشروع الذي يتم العمل عليه منذ أكثر من 10 سنوات بالفعل، لكن رغبة كروز وجميع الصناع في تقديم فيلم مثالي تسبب في تأجيل العمل مرة تلو الأخرى حتى خرج للنور بشكل أبهر كثير من المشاهدين والنقاد.
شاهدنا في الجزء الأول مافريك الشاب الذي يصل إلى أعلى موضع يمكن أن يصل إليه طيار بانضمامه إلى مدرسة توب غن لتأهيل طياري البحرية الأميركية، وهناك كان عليه التنافس مع الطلاب الآخرين، لكن ما يعوقه هو ميله إلى كسر القواعد، ثم خسارته زميله على الطائرة نفسها في إحدى المهمات.
أما في الجزء الجديد، فالمشاهد أمام النسخة الأنضج من مافريك، التي لا زالت تتمتع ببعض الصفات، واكتسبت غيرها أيضًا خلال هذه الرحلة الطويلة؛ فمافريك الرجل الخمسيني لا زال طيارا لا يشق له غبار، لم يحصل على الترقيات المتوقعة لرجل في عمره؛ فبدل أن يصبح في رتبة أدميرال لا زال نقيبًا، يكسر القواعد، فلا ينقذه إلا صديقه القديم آيس مان، ويتنقل من مهمة إلى أخرى حتى يتخلص رؤساؤه من عبء تهوره.
لكنه يحمل نقطة ضعف كبيرة، وهي “روستر” ابن زميله السابق، الذي أصبح كذلك طيارا في البحرية، يحمل تجاهه خليطا من الشعور الأبوي مع الذنب، لأنه السبب الجزئي في يتمه، في حين يملك “روستر” تعقيداته النفسية الخاصة، وبسبب وفاة أبيه يلجمه الحذر؛ الأمر الذي لا يسمح له بظهور مواهبه بما فيه الكفاية.
ورغم أدائه المحايد في الجزء الأول، الذي لم يظهر فيه توم كروز سوى فتى وسيم مغامر مفتول العضلات، فإن هذا الجزء أعطاه الفرصة لاستغلال قدراته التمثيلية في تقديم دور الكهل الذي لا زال يتمتع بموهبته، لكن عليه الآن استخدامها في إعداد أجيال جديدة تقوم بدوره الآن، مع تناقض مشاعره تجاه روستر؛ بين الحب والمسؤولية والذنب.
ملء النقاط الفارغة
بين الجزأين الأول والثاني 36 عامًا ليس فقط في سنوات الإنتاج، ولكن في العالم الفيلمي ذاته، فكان على كتاب سيناريو “توب غن: مافريك” ملء هذه المسافات الواسعة بما يقنع المشاهد بأن ذلك هو تاريخ البطل الذي يقوده لهذه النقطة؛ فعلى سبيل المثال يبدأ الفيلم بلقطة مقربة على صور لمافريك مع روستر الشاب، تظهر أنه خلال هذه السنوات لم تنقطع العلاقة بينه وبين عائلة صديقه المتوفى، وأنه شارك في تربية هذا الطفل مما يمهد للعلاقة المعقدة بين الاثنين في الأحداث التالية.
بالإضافة إلى غرس أصول لعلاقة سابقة بين مافريك و”بيني” المرأة التي عرفها في الفترة التي تقع بين الفيلمين، وعاشا حياة عاطفية متقلبة ومتقطعة، وبالتالي ملء هذا الفراغ الذي قد يحتار فيه المشاهد عند التساؤل عما حدث لبطل العمل في كل هذه السنوات، كذلك تم استغلال مرض الممثل “فال كيلمر” (أحد أبطال الجزء الأول) بسرطان الحنجرة لدرجة تمنعه من الكلام، ليظهر بالمرض نفسه في الفيلم بمشهد مؤثر يجمع الصديقين، ويصبح محركًا للأحداث، وليس ظهورًا شرفيًا.
بالإضافة إلى التركيز على القصص السابقة، قام الفيلم بتقديم شخصيات جديدة، بحبكاتهم الفرعية البسيطة، التي لم تؤثر على الفيلم بصورة سلبية، ولكنها أثرته بتقديم نماذج مختلفة لطياري البحرية الأميركية.
المصور الممثل
واحدة من أهم مزايا أفلام توب غن التصوير الرائع لمشاهد الطيران، الذي كان مثيرًا بالفعل في الجزء الأول بغياب المؤثرات البصرية ومعدات التصوير الحديثة في الثمانينيات، فكان عليه أن يتفوق على ذلك في الجزء الثاني.
تم تصوير الفيلم بكاميرات “آيماكس 6 كي” (6k)، ومن دون استخدام مؤثرات بصرية أو تصوير الممثلين على خلفيات خضراء ثم دمجها خلال مرحلة ما بعد المونتاج، بل صُورت مشاهد الطيران بشكل حقيقي؛ فعلى سبيل المثال اضطر توم كروز إلى تشغيل الكاميرا في مشاهده لأنه لا مكان في الطائرة ليشغله المصور، مع وجود طيار محترف من الجيش الأميركي للقيام بالمشاهد الصعبة في وجود ممثل يتفاعل بشكل صحيح مع الأحاسيس الجسدية لمناورات الطيران.
كان التصوير بهذه الدقة والاحترافية سببا لتأجيل الفيلم مرة تلو الأخرى، لرفض صناع العمل عرضه على إحدى المنصات الإلكترونية، وإصرارهم على إعطائه الفرصة كاملة للعرض في صالات العرض المجهزة “لآيماكس” لاستمتاع المشاهد بهذه التجربة البصرية والصوتية الرائدة، التي ربما ستكون الأفضل من الناحية التقنية في 2022.