ثورة تقنية.. عدسات ذكية قادرة على تشخيص وعلاج أمراض العين والسكري والسرطان
يبدو أنه أمر حتمي ولا مفر منه أن تصبح جميع الأدوات التي نستخدمها ذكية في نهاية المطاف، وأن تعتمد على التكنولوجيا في أدائها، من الملابس والساعات والسماعات، وصولا إلى النظارات والعدسات اللاصقة.
ومن المتوقع أن ينمو السوق العالمي للأجهزة الذكية القابلة للارتداء من 18.08 مليار دولار عام 2021 إلى 20.64 مليار دولار مع نهاية العام الجاري، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 14.1%. ومن المتوقع أن يصل حجم السوق إلى 31.95 مليار دولار عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.5% خلال هذه الفترة، وذلك كما ذكرت منصة “بيزنس واير” (business wire) في تقرير لها مؤخرا.
ويتكون هذا السوق العالمي من مبيعات الأجهزة الذكية القابلة للارتداء والخدمات ذات الصلة لتتبع أجزاء حيوية من البيانات المتعلقة بصحة جسم الإنسان ولياقته. والأجهزة الذكية القابلة للارتداء هي أي شكل من أشكال الأجهزة الإلكترونية المخصصة للارتداء على جسم الإنسان أو داخله.
ولعل أبرز الأمثلة الساعات الذكية والنظارات الذكية وأجهزة اللياقة البدنية والملابس الذكية وغيرها، وصولا إلى العدسات اللاصقة الذكية، وهي في الأساس جهاز إلكتروني يتصل بالأجهزة الأخرى المتصلة، مثل الهواتف الذكية، بالإضافة إلى جسد مرتديها، وتجمع هذه الملابس والأدوات البيانات الحيوية والجسدية من مرتديها، مثل درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب، باستخدام مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار، كما ذكر تقرير بيزنس واير.
من بين هذه الأجهزة والأدوات القابلة للارتداء، تبرز العدسات اللاصقة الذكية التي تحقق اختراقات ثورية في تطورها، وبلغ حجم السوق العالمي للعدسات اللاصقة الذكية 115 مليون دولار عام 2018، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 1.6 مليار دولار أميركي بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب بنسبة 38.9% خلال هذه الفترة، وذلك كما ذكرت منصة “فورتشن بيزنس إنسايتس” (fortune business insights) مؤخرا.
ثورة جديدة.. عدسات تعمل كالشاشات
تخيل أنه يتعين عليك إلقاء خطاب أمام جمع كبير من الناس، ولكن بدلا من النظر إلى ملاحظاتك وكلماتك المدونة في ورقة مكتوبة مسبقا، يتم تمرير الكلمات أمام عينيك، مهما كان الاتجاه الذي تنظر فيه، هذه مجرد واحدة من العديد من الميزات التي وعد صانعو العدسات اللاصقة الذكية بتوفيرها في المستقبل القريب، وذلك حسب ما ذكرت الكاتبة إيما ولاكوت في تقرير لها نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” (BBC) مؤخرا.
يقول ستيف سينكلير -من شركة “موجو” (Mojo) المختصة بصناعة وتطوير العدسات اللاصقة- في تصريحات لشبكة بي بي سي: “تخيل أنك موسيقي أمام عينيك النوتة الموسيقية، أو أنك رياضي ولديك قياساتك الحيوية والمسافة والمعلومات الأخرى التي تحتاجها في أثناء التمارين”.
علما بأن شركة موجو على وشك الشروع في اختبار شامل للعدسات اللاصقة الذكية على البشر، التي ستمنح مرتديها شاشة عرض رأسية تبدو وكأنها تطفو أمام أعينهم.
تعمل العدسة الصلبة للمنتج (عدسة أكبر تمتد إلى بياض العين) على تصحيح رؤية المستخدم، ولكنها تحتوي أيضا على شاشة “مايكرو ليد” (microLED) صغيرة وأجهزة استشعار ذكية وبطاريات صلبة، كما ذكرت الكاتبة في تقريرها.
يقول سنكلير “لقد بنينا ما نسميه نموذجا أوليا كامل الميزات يعمل بالفعل ويمكن ارتداؤه وسنختبر ذلك قريبا داخليا، وهنا يبدأ الجزء الأكثر إثارة للاهتمام، حيث سنبدأ في إجراء تحسينات للأداء والقوة، ونرتدي هذه العدسات لفترات أطول من الوقت لإثبات أنه يمكننا ارتداؤها طوال اليوم”.
عدسات قادرة على تشخيص وعلاج أمراض العين والسكري والسرطان
كما يجري تطوير عدسات ذكية أخرى لجمع البيانات الصحية، ويمكن أن تضم هذه العدسات “القدرة على المراقبة الذاتية، وتتبع الضغط داخل العين أو مستوى الغلوكوز في الدم عن كثب لمرضى السكري”، كما تقول الدكتورة ريبيكا روجاس -أستاذة علم البصريات في جامعة كولومبيا- التي تضيف “يمكنها أيضا توفير خيارات لإيصال الدواء داخل الجسم لفترات طويلة، وهو أمر مفيد في خطط التشخيص والعلاج، ومن المثير أن نرى إلى أي مدى وصلت التكنولوجيا، والإمكانات التي توفرها لتحسين حياة المرضى”.
وتشير ولاكوت في تقريرها إلى أن الأبحاث تجرى حاليا لبناء عدسات يمكنها تشخيص وعلاج الحالات الطبية من أمراض العين إلى مرض السكري أو حتى السرطان عن طريق تتبع بعض المؤشرات الحيوية، مثل مستويات الضوء أو الجزيئات المرتبطة بالسرطان أو كمية الغلوكوز في الدموع.
وتذكر الكاتبة مثالا على ذلك ابتكار فريق علمي من “جامعة ساري” (University of Surrey) عدسة لاصقة ذكية تحتوي على كاشف ضوئي لتلقي المعلومات البصرية، ومستشعر درجة الحرارة لتشخيص مرض القرنية المحتمل، ومستشعر الغلوكوز الذي يراقب مستويات الغلوكوز في السائل المسيل للدموع.
ويوضح الدكتور يون لونج تشاو -الأستاذ المحاضر في مختبر تخزين الطاقة والإلكترونيات الحيوية في جامعة ساري- في تصريحات لشبكة بي بي سي “نجعلها مسطحة للغاية، بطبقة شبكية رفيعة جدا، ويمكننا وضع طبقة المستشعر مباشرة على العدسة اللاصقة بحيث تلامس العين مباشرة وتتصل بالمحلول المسيل للدموع”.
ويضيف الدكتور تشاو “ستشعر بالراحة أكثر عند ارتدائها؛ لأنها أكثر مرونة من غيرها من العدسات، وحيث إن هناك اتصالا مباشرا بمحلول الدموع فإنه يمكن أن يوفر نتائج استشعار أكثر دقة”.
عقبات وتحديات
وعلى الرغم من كل هذه التطورات المثيرة، فلا يزال يتعين على تكنولوجيا العدسات الذكية التغلب على عدد من العقبات التي تواجهها، ويتمثل أحد أهم التحديات في تزويد هذه العدسات بالطاقة عن طريق البطاريات التي يجب أن تكون صغيرة جدا بشكل لا يصدق، وقادرة على توفير مقدار كاف من الطاقة لتقوم بأداء المهام المطلوبة منها، كما ذكرت الكاتبة في تقريرها.
في هذا الإطار لا تزال شركة موجو تختبر منتجها، وتريد أن يتمكن العملاء من ارتداء عدساتها طوال اليوم، من دون الحاجة إلى إعادة شحنها.
وتوضح الشركة “التوقع هو أنك لا تستهلك المعلومات من العدسة باستمرار، ولكن تقوم بذلك في لحظات قصيرة على مدار اليوم، وسيعتمد العمر الفعلي للبطارية على كيفية وعدد مرات استخدامها، تماما مثل هاتفك الذكي أو ساعتك الذكية اليوم”.
مشاكل الخصوصية وأمن البيانات
وهناك مشكلة أخرى وهي مشكلة الخصوصية، وهي قضية مثارة منذ إطلاق “غوغل” (Google) للنظارات الذكية عام 2014، كما ذكرت ولاكوت في تقريرها.
يقول دانيال لوفر -كبير محللي السياسات في مجموعة حملات الحقوق الرقمية “آكسيس ناو” (Access Now)- “أي جهاز به كاميرا أمامية تسمح للمستخدم بالتقاط الصور أو تسجيل الفيديو، يشكل مخاطر على خصوصية الجمهور. مع النظارات الذكية كان هناك على الأقل مجال للإشارة إلى المتفرجين عند التسجيل، على سبيل المثال أضواء التحذير الحمراء، ولكن مع العدسات اللاصقة سيكون من الصعب معرفة كيفية دمج مثل هذه الميزة للحفاظ على خصوصية باقي البشر”.
وبصرف النظر عن مخاوف الخصوصية، ستكون لدى المصنّعين أيضا مخاوف أخرى بشأن أمان البيانات للأشخاص الذين يرتدون العدسات.
يمكن أن تؤدي العدسات الذكية وظيفتها فقط إذا كانت تتبع حركات عين المستخدم، وهذا بالإضافة إلى بيانات أخرى يمكن أن تكشف الكثير عن الشخص الذي يستخدمها.
وفي هذا السياق يقول لوفر “ماذا لو قامت هذه الأجهزة بجمع ومشاركة البيانات حول الأشياء التي أنظر إليها، وكم من الوقت أنظر إليها، وإذا ما كان معدل ضربات قلبي يرتفع عندما أنظر إلى شخص معين، أو إلى أي مدى أتعرق عند طرح سؤال معين؟”
ويضيف “يمكن استخدام هذا النوع من البيانات الحميمة لعمل استنتاجات إشكالية حول كل شيء، بدءا من ميولنا الجنسية إلى إذا ما كنا نقول الحقيقة في أثناء الحديث”.
من جانبها، تنقل الكاتبة عن شركة موجو قولها إن “جميع البيانات التي ستُجمع محمية بقوانين الأمان والخصوصية”.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف من طريقة استخدام المنتج بشكل صحيح وسليم.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة روجاس “أي نوع من العدسات اللاصقة يمكن أن يشكل خطرا على صحة العين، إذا لم يتم الاعتناء به أو تركيبه بشكل صحيح. تماما مثل أي جهاز طبي آخر، نحتاج إلى التأكد من أن صحة المرضى هي الأولوية، وأي جهاز مستخدم له فوائد تفوق المخاطر”.
وأضافت “أنا قلقة بشأن عدم الامتثال، أو سوء نظافة العدسة والتآكل المفرط، حيث قد يؤدي ذلك إلى مزيد من المضاعفات الصحية مثل التهيج أو الالتهاب أو العدوى أو المخاطر الأخرى على صحة العين”.
ومع توقع استخدام عدسات موجو لمدة تصل إلى عام في كل مرة، يقر السيد سنكلير أن هذا مصدر قلق، لكنه يشير إلى أن العدسة الذكية تعني أنه يمكن برمجتها لاكتشاف إذا ما كان يتم تنظيفها بشكل كاف، وحتى لتنبيه المستخدمين عندما يحتاجون إلى استبدالها.
وتخطط الشركة أيضا للعمل مع فاحصي البصريات للوصفات الطبية والمراقبة.
يقول سنكلير “أنت لا تطلق شيئا مثل العدسات اللاصقة الذكية وتتوقع أن يقبلها الجميع منذ اليوم الأول. سيستغرق الأمر بعض الوقت، تماما مثل جميع المنتجات الاستهلاكية الجديدة، لكننا نعتقد أنه أمر لا مفر منه أن تصبح جميع ملابسنا ذكية في النهاية”.