حرب العقوبات الغربية تستعر.. الذهب الروسي على “مذبح” قمة السبع الكبار
موسكو- يوشك الذهب الروسي أن يصبح الضحية الجديدة على “مذبح” العقوبات الغربية خلال القمة الحالية لزعماء الاتحاد الأوروبي، بعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أن دول مجموعة السبع -الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان- ستعلن حظرا على استيراد الذهب الروسي.
ويأتي هذا الإجراء استمرارا لسياسة العقوبات التي ينتهجها الغرب ضد موسكو بسبب العملية الخاصة في أوكرانيا، وتنويعا في حجمها وأشكالها بين حين وآخر.
وفيما يعكس تباينا في المواقف تجاه حزمة العقوبات الجديدة، كانت الدول الإسكندنافية ودولا أوروبية شرقية اقترحت أن يتم عقب القمة الإعلان عن الحزمة السابعة من العقوبات، بينما دعت دول أخرى -من بينها ألمانيا وبلجيكا- إلى التركيز على تنفيذ الإجراءات (العقوبات) التي تم اتخاذها قبل ذلك.
ولا تزال المعلومات الرسمية غامضة حتى الآن، إذ ليس معروفا بعد هل هو حظر للواردات أم للصادرات، أو أي معاملات أخرى مع “المعدن الأصفر”.
ويبدو أن الاقتصاديين في حيرة من أمرهم بشأن الهدف من جدوى هذا الإجراء، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن لدى روسيا أسواق مبيعات فائضة في الصين والهند والإمارات العربية المتحدة وغيرها، ولا تعتمد عمليا على الواردات.
وتجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الجديدة لن تنطبق على الذهب المشترى بالفعل، فقد بلغ حجم شحنات الذهب الروسي في عام 2021 حوالي 12.6 مليار جنيه إسترليني (15.5 مليار دولار).
وفي العام نفسه، بلغت حصة صادرات الذهب من روسيا 9.2% من السوق العالمية، وتضاعفت هذه القيمة 3 مرات بعد بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا. وتقول لندن إن رجال الأعمال الروس قرروا شراء المعدن النفيس لتجنب العقوبات.
الخبير الاقتصادي ألكسندر رازوفاييف يؤكد أنه حتى لو فرض الاتحاد الأوروبي قيودا على بيع الذهب الروسي، فلن يكون لذلك تأثير يذكر على صناعة تعدين الذهب الروسية، لأن هذا الحظر موجود بشكل غير معلن منذ مارس/آذار الماضي، مضيفا أن الذهب سيصبح أكثر تكلفة في السوق العالمية، لكن ليس كثيرا.
لماذا ستطال العقوبات الذهب الروسي؟
بحسب ما أعلنه كل من الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بخصوص فرض حظر على استيراد الذهب الروسي، فإن الدافع هو أهمية الذهب بالنسبة إلى “الأوليغارشية” الروسية التي تبحث عن طرق لتجنب تداعيات العقوبات، بحسب جونسون، فضلا عن أن صادرات الذهب تجلب لروسيا عشرات المليارات من الدولارات وتشكل حصة كبيرة، مما يعني أن في حظره محاولة لمنع روسيا من أحد أهم مصادرالتمويل لديها، وفق بايدن.
وبحسب البنك المركزي الروسي، فقد قدرت حصة الذهب النقدي اعتبارا من 1 يناير/كانون الأول 2022 بنحو 133.07 مليار دولار. ووفق إحصاءات البنك نفسه، انخفض حجم احتياطي الذهب في البنوك الروسية للفترة من 1 فبراير/شباط إلى 1 أبريل/نيسان 2022 بأكثر من 20%.
وتعكف روسيا حاليا على الطعن في قرار محكمة أمستردام بتسليم الذهب السكيثي (قطع ذهبية أثرية من جزيرة القرم) لأوكرانيا، بعد اعتباره ملكية لها، كما أثارت الدوما الروسية قضية نقل جميع الذهب المستخرج من روسيا تقريبا إلى الخارج، وأسباب التصدير القياسي للذهب من روسيا.
ما تأثيرات ذلك على قدرة روسيا في تمويل حربها؟
يرى اقتصاديون روس أن الحظر المحتمل على تصدير الذهب الروسي قد تكون له عواقب معينة، لكنها ليست كبيرة، ولن تؤثر في كل الأحوال على العمليات العسكرية الجارية في أوكرانيا من حيث التمويل.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح الخبير في المدرسة العليا للاقتصاد فلاديمير أوليتشينكو أن ذلك يعود لأسباب تتعلق بوجود أسواق بديلة لتصدير الذهب مما يحجّم من تداعيات القرار، فضلا عن امتلاك روسيا كميات هائلة من النفط والغاز وغيرها من مصادر ضخ الميزانية التي يمكنها تعويض أي نقص قد يتسبب به قرار مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، فرض حظر على واردات الذهب الجديدة من روسيا.
ما أهم أسواق تصدير الذهب الروسي؟
وفقا لتقديرات أولية:
- صدرت روسيا 302.2 طنا من الذهب بقيمة 17.4 مليار دولار عام 2021، وهذا أقل بنسبة 6% مما كان عليه في عام 2020.
- كانت المملكة المتحدة المتلقي الرئيسي للذهب الروسي عام 2021، بـ266.1 طنا بقيمة 15.4 مليار دولار.
- لكن من الصعب الاستنتاج من الإحصائيات ما إذا كان الذهب لا يزال هناك في المملكة المتحدة أم يذهب إلى دول أخرى، لأن لندن تعد مركزا عالميا مهما لتداول وتخزين المعادن الثمينة.
وبحسب بيانات هيئة الجمارك الفدرالية الروسية، فقد تم تصدير:
- 8.1 أطنان من الذهب إلى كازاخستان.
- 7.3 أطنان إلى سويسرا.
- 5.7 أطنان إلى الهند.
- 5.5 أطنان إلى ألمانيا.
- 3.7 أطنان إلى بيلاروسيا.
- 2.1 طن إلى تركيا.
- 3.7 أطنان لجهات أخرى.
ما أهم المناجم والشركات العاملة في القطاع؟
- يتم إنتاج الذهب في 26 منطقة بروسيا، لكن الاحتياطيات الرئيسية والإنتاج يتركزان في شرق سيبيريا والشرق الأقصى. وينتج نحو 85% من الذهب في مقاطعات كراسنويارسك وخاباروفسك ومناطق إيركوتسك وماغادان وأمور وياكوتيا وتشوكوتكا.
- تعتبر شركة “بوليوس” (POLIUS) أهم شركة روسية في قطاع استخراج وإنتاج الذهب، تليها في قائمة “السبع الكبار”: بوليميتال (Polymetal)، ونورد غولد (Nordgold)، وكينروس غولد (Kinross Gold)، ويوج أورال زولوتو (Yuzhuralzoloto)، ومجموعة شركات بيتوربافلوفسك (Petropavlovsk)، وفيسوتشايشي (Vysochaishy).
ما حجم مساهمة قطاع الذهب في الاقتصاد الروسي؟
بالنسبة لروسيا، يعتبر الذهب وسعره عاملان مهمان من عوامل الاقتصاد الكلي، نظرًا إلى أن صناعة تعدين الذهب تلعب دورا مهما في الميزان التجاري، على الرغم من أنها أدنى بكثير من صناعة النفط والغاز.
وفضلا عن ذلك، تحتفظ الاحتياطيات الدولية لروسيا بحصة أعلى من الذهب مقارنة بمتوسط الدول التي لا تصدر عملات احتياطية، مما يعني أنها بحاجة إلى احتياطيات كحماية ضد العقوبات المحتملة. وفي السنوات الأخيرة، ساهم هذا في إعادة تقييم الاحتياطيات، ولكن في حال انخفضت الأسعار، فهناك خطر حدوث ضربة مزدوجة على كل من الإيرادات والاحتياطيات.
ما سيناريوهات الردّ الروسي داخليا وخارجيا لمواجهة هذه الخطوة؟
يؤكد الخبير الاقتصادي ألكسندر رازوفاييف أنه حتى لو فرض الاتحاد الأوروبي قيودا على بيع الذهب الروسي، فلن يكون لذلك تأثير يذكر على صناعة تعدين الذهب الروسية، لأن هذا الحظر موجود بشكل غير معلن منذ مارس/آذار الماضي، مضيفا أن الذهب سيصبح أكثر تكلفة في السوق العالمية، لكن ليس كثيرا.
أما فيما يخص شركات تعدين الذهب المحلية، فإنها على الأرجح لن تتعرض للأذى، لأنه سيتم شراء الإنتاج بالكامل من قبل البنك المركزي، بحسب رأيه.
ويذهب إلى خلاصة مفادها أن الذهب أصبح الأصل المالي الوحيد الأكثر شهرة والخالي من المخاطر، والذي أصبح مثيرا للاهتمام وشائعًا بشكل متزايد في الاقتصاد العالمي وسط تراجع الثقة في الدولار واليورو.