خطر غرق الدلتا والإسكندرية.. ماذا فعلت الحكومة المصرية لحماية شواطئها الشمالية؟
القاهرة- “غرق الدلتا واختفاء الإسكندرية”، بهذه الكلمات الصادمة يتابع المصريون -بين الحين والآخر- تصريحات رسمية حول مستقبل مخيف يأتي من الشمال مهددا بلادهم، حين ترتفع مياه البحر الأبيض المتوسط لتغرق شمالي مصر بسبب التغيرات المناخية.
لكن يبدو أن الحكومة المصرية تخطت مرحلة التصريحات، لتبدأ العمل على مواجهة الخطر، إذ بدأت تنفيذ مشروعات لحماية الشواطئ الشمالية من الغرق، حسب ما أعلنه وزير الموارد المائية هاني سويلم.
وقال الوزير المصري -في تصريحات متلفزة- إن ارتفاع منسوب سطح البحر جراء التغيرات المناخية يهدد منطقة الدلتا عامة ومحافظة الإسكندرية خاصة، وأكد تحركات الحكومة في هذا الشأن باستثمار كثير من الأموال في ملف حماية الشواطئ.
وعلى مدار سنوات، حذر خبراء -استنادا إلى دراسات علمية- من مغبة التغيرات المناخية على شمالي البلاد، خاصة الدلتا، بوصفها المنطقة الأكثر حساسية للتغيرات المناخية مع ارتفاع منسوب سطح البحر.
مقابل ذلك، يبدو أن المصريين تقل لديهم المخاوف تجاه غرق الدلتا والإسكندرية جراء التغير المناخي، وهو ما أظهرته نتائج استطلاع رأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة).
وكشف الاستطلاع -الذي أعلنت نتائجه الأسبوع الماضي- عن أن 38% فقط من المصريين يدركون أن التغير المناخي سيؤدي إلى غرق الدلتا، في حين أن 37% غير متأكدين، و25% استبعدوا وجود الخطر. ويرى 80% من المصريين أن التغير المناخي سيؤثر على إنتاجية الأراضي الزراعية وتوفر المحاصيل.
جهود حكومية
تتحدث وسائل إعلام محلية عن جهود حكومية في مجال تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية، وذلك عبر حماية الشواطئ من ارتفاع منسوب سطح البحر وظاهرة النحر والفيضانات الساحلية.
وحسب المعلن إعلاميا، فإن الهيئة العامة لحماية الشواطئ تنفذ مشروعات بطول 67.6 كيلومترا في محافظات الإسكندرية ومرسى مطروح وكفر الشيخ والبحيرة والدقهلية وبورسعيد وجنوب سيناء، بقيمة تصل إلى 2.5 مليار جنيه (الدولار يساوي 24.45 جنيها).
وفي الإسكندرية، يتم إنشاء حائط أمواج بطول 520 مترا بمحيط قلعة قايتباي، وآخر في منطقة المنتزه بطول 280 مترا، وثالث على طريق الكورنيش بطول 830 مترا، وذلك باستخدام كتل خرسانية يتراوح وزنها بين 3 و30 طنا.
كذلك يتم بناء طريق خرساني بطول 120 مترا في محيط قايتباي، وإنشاء لسان بحري بطول 600 متر أمام فندق المحروسة، ورصيف بحري بطول 155 مترا في منطقة شاطئ السرايا، كما يتم إنشاء حاجزين غاطسين أمام منطقة بئر مسعود بطول نحو 1600 متر، وبعرض 40 مترا، مع تغذية الشاطئ بالرمال بعرض نحو 30 مترا.
وفي محافظة البحيرة، يتم “تكريك” (أعمال حفر) مصب النيل لفرع رشيد بطول نحو 2 كيلومتر وعرض 100 متر.
وفي محافظة كفر الشيخ، يتم تنفيذ مشروع حماية المنطقة الساحلية شمال بركة غليون، عبر إنشاء 16 رأسا حجرية، وحماية المناطق المنخفضة من غرب البرلس حتى مصب فرع رشيد بطول 29 كيلومترا.
وتنفذ هيئة حماية الشواطئ مشروعا لحماية المناطق المنخفضة من المدخل الغربي لمدينة جمصة حتى غرب مدينة المنصورة الجديدة، بمحافظة الدقهلية.
ويعيش في محافظات دلتا نهر النيل أكثر من 30 مليون مواطن، وفي الإسكندرية 5.5 ملايين.
مخاوف جادة
من جهته، قال الأكاديمي المتخصص في هندسة السدود محمد حافظ إن هناك مخاوف جادة بشأن غرق الإسكندرية وشمال الدلتا بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض لقرابة 1.2 درجة مئوية، مع توقعات بأن ترتفع لنحو 1.5 خلال 5 سنوات القادمة.
وأضاف حافظ -في تصريحات للجزيرة نت- أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه؛ ومن ثم غرق الأراضي المنخفضة.
وبالنسبة لجهود الحكومة لحماية الدلتا والإسكندرية من مخاطر التغيرات المناخية، يرى حافظ أن كل الجهود تنصب على حماية شمال الدلتا من ظاهرة نحر الشواطئ وليس غرق السواحل.
وأوضح أن الحل الوحيد لحماية الدلتا والإسكندرية هو ردم الساحل بالكامل، وتخليق شريحة أرضية موازية للساحل الحالي ولكن بمنسوب (+4).
مقابل ذلك، أثنى الخبير في هندسة السدود على جهود الدولة خلال الأشهر الماضية في ردم سواحل المنتزه والمعمورة وأبو قير بالإسكندرية، وإنشاء ميناء جديدة بمنسوب مرتفع، “ولكن التدخل جاء متأخرا جدا” وفق تعبيره.
وأوضح أن ردم الساحل كفكرة هندسية أمر لا غبار عليه لو تم بشكل هندسي سليم، وإلا تحول إلى لعنة خطيرة تؤدي إلى نحر كل ما تم ردمه وخسارة كل الأموال التي استثمرت في هذا المجال.
وبخلاف تلك المناطق المستهدف ردمها من قبل الجهات الحكومية، فمعظم ساحل الدلتا والإسكندرية لا توجد له أي حماية من خطر ارتفاع منسوب البحر، حسب رأيه.
وفي عام 1997، قدم حافظ للحكومة المصرية مخطط مشروع يستهدف حماية الإسكندرية من الغرق عبر ضخ رمال من قاع البحر إلى الكورنيش، بحيث يتم الردم بطول 30 كيلومترا وعرض 3 كيلومترات.
ورغم أن المشروع يعود بفائدة اقتصادية كبيرة على البلاد بخلاف حماية المحافظة من الغرق -حسب وصف حافظ- فإن الحكومة لم تهتم بالمشروع كونه لا يستهدف الاستثمار السياحي.
رصد ومتابعة
إلى جانب تنفيذ مشروعات على الأرض، يعمل المعهد القومي للبحوث الفلكية على إعداد سيناريوهات في حالة زيادة منسوب المياه في بعض الأماكن الشاطئية، حسب تأكيد رئيس المعهد جاد القاضي.
وأضاف القاضي -في تصريحات متلفزة- أن هناك منظومة أرصاد وطنية تعمل على رصد التغيرات المناخية، بالإضافة إلى عدد من الشبكات لرصد تغيرات منسوب سطح البحر والمد البحري وكل ما يتعلق بهبوط أرض الدلتا.
وأوضح أن منظومة الرصد تمكن من معرفة ودراسة معدلات الحركة، وإذا كانت هناك احتمالية لغرق بعض الأماكن من عدمه، وتوقيت حدوث ذلك.
وبيّن الخبير في البحوث الفلكية أنه على مر التاريخ الجيولوجي تقدمت البحار عن اليابسة، ودلل بالقول إن البحر الأحمر لم يكن موجودا منذ 560 مليون سنة، وحجم البحر الأبيض المتوسط كان أكبر من ذلك بـ5 أضعاف.
وأضاف أن مصر بأكملها كانت مُغطاة بالبحر المتوسط، حيث كانت حدود السواحل الشمالية المصرية تصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم.