طهران- بعد أن كوّن مع زميله وزير الاتصالات السابق محمد جواد آذري جهرمي جناحي الحملة الانتخابية للرئيس مسعود بزشكيان، شكّلت استقالة محمد جواد ظريف بعد 11 يوما فقط من تعيينه نائبا للرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية مفاجأة من العيار الثقيل في الأوساط السياسية الإيرانية، ورسمت علامة استفهام كبيرة حول دوافع قراره.
وكان ظريف قد رمى بكل ثقله السياسي دعما للرئيس مسعود بزشكيان إبان فترة الدعاية الانتخابية، ما أدى بالأخير إلى أن يعيّنه في أول قرار يصدره بعد فوزه رئيسا لمجلس قيادة المرحلة الانتقالية، ليأخذ على عاتقه مهمة اختيار الأسماء المقترحة للمجلس الوزاري.
وعقب انتهاء مهمة المجلس، قام ظريف بحله -قبل نحو أسبوعين- وفقا للعهد الذي كان قد قطعه على نفسه بعدم تولي أي منصب حكومي انطلاقا من اعتقاده بضرورة فتح الباب أمام الشباب والوجوه الجديدة لتولي الوزارات، بيد أن الرئيس كلفه بمهام مساعده للشؤون الإستراتيجية.
ظروف الاستقالة
وعلى غرار السنوات الثماني التي تولى خلالها حقيبة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني، تعرض السياسي المخضرم منذ خوضه المعترك الانتخابي دعما لبزشكيان لأعتى الهجمات من خصومه المحافظين، لكنه صمد أمام الضغوط وحاول التهدئة -عبر نشره تغريدات علی منصات التواصل الاجتماعي- من أجل إنجاح الحكومة الجديدة.
وبعد تسريبات إعلامية بشأن استقالته، رافقت نقاشات اللحظات الأخيرة لوضع النقاط على حروف التشكيلة الحكومية الجديدة، حوّل ظريف الشك إلى يقين، مساء الأحد الماضي، بإعلانه الاستقالة عبر منصة “إكس” معبرا عن شعوره بالخجل من إخفاقه في تحقيق الوعود بشأن تمثيل النساء والشباب والقوميات في التشكيلة الحكومية المقترحة.
يأتي ذلك عقب ساعات من تقديم بزشكيان تشكيلته الوزارية للبرلمان؛ حيث وردت فيها أسماء وصفت بأنها فُرضت على الرئيس الإصلاحي من قبل المعسكر المحافظ، وأنها لا تؤمن بالمسار الذي تمكن من استقطاب أصوات الناخبين، فضلا عن إبقاء عدد من وزراء حكومة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي، الذي قضى في تحطم المروحية الرئاسية في مايو/أيار الماضي.
وعلى وقع ترحيب الأوساط المحافظة التي ترى في التأليفة المقترحة تناسبا مع وعود الرئيس بتشكيل حكومة وفاق وطني، عبّر الإصلاحيون عن امتعاضهم، حيث اعتبروا أن التركيبة المقترحة بعيدة عن المستوى المنشود، الرامي إلى حلحلة الأزمات التي طالما أثقلت كاهل البلاد.
وبين هذا وذاك، يرى طيف من الإيرانيين في “تراجع الرئيس الجديد أمام مطالب خصومه السياسيين وقبوله ببعض الأسماء المحافظة في المجلس الوزاري” سببا وراء استقالة ظريف، في حين تذهب شريحة أخری إلى أن الضغوط التي مورست من قبل بعض الجهات الإصلاحية المقربة من الرئيس لإدراج مرشحيها في التشكيلة الوزارية شكلت دافعا لقرار الاستقالة.
أسباب الاستقالة
وفيما ذهبت بعض الأوساط السياسية بعيدا في تقصي أسباب الاستقالة وكانت تعمل على تصوير التأليفة الحكومية المقترحة بأنها بعيدة كل البعد عما أقرته اللجان التخصصية في مجلس قيادة المرحلة الانتقالية برئاسة ظريف، أصدر الأخير بيانا ثانيا ليضع حدا للتكهنات التي تعزز فرضية وجود خلافات بينه وبين الرئيس بزشكيان.
ووفقا لتغريدة ظريف على منصة “إكس” فإن من بين 19 وزيرا مرشحا للمجلس الوزاري 3 منهم بين المرشحين الرئيسيين من قبل اللجان المعنية بغربلة المرشحين، و6 آخرين كانوا مرشحين من الدرجة الثانية أو الثالثة، في حين كان واحد منهم فقط مرشحا من الدرجة الخامسة.
وتعليقا على تصريحات بعض الوجوه المحافظة التي ربطت بين الاستقالة والجنسية الأميركية التي يحملها أولاد ظريف، أوضح الأخير في بيانه أن التفسير الغريب للقانون من بعض الجهات، حوّل مهمته في المشاغل الحساسة إلى ذريعة للضغط على الحكومة المقبلة.
وتابع، أنه وأفراد عائلته يقيمون داخل إيران، وليس لديهم أي عقارات خارج البلاد، مضيفا أن استقالته “لا تعني الإحباط من الدكتور بزشكيان العزيز، وإنما مؤشر على الشكوك التي تعتريني حول جدوى العمل الذي أقوم به نائبا للرئيس في الشؤون الإستراتيجية”.
رؤية محافظة
من ناحيته، ينفي الباحث السياسي المحافظ مهدي عزيزي، أن تكون الجنسية الأميركية التي يحملها أولاد ظريف سببا وراء استقالته، لأن القانون لا يشترط ذلك سوى للوزراء والمديرين العامين وكذلك القضاة والسفراء وحكام المحافظات والقادة العسكريين، وأن “معاونية الشؤون الإستراتيجية” لا تندرج ضمن هذه المادة القانونية التي صادق عليها البرلمان عام 2022.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح عزيزي أن أعضاء التشكيلة الحكومية المقترحة لا بد وأن يتجاوزا عقبتين أساسيتين؛ الأولى موافقة وزارة الاستخبارات، والثانية ثقة البرلمان، موضحا أن بزشكيان أقدم على تعيين بعض الأفراد الذين يصعب عليهم تجاوز هاتين العقبتين في مناصب استشارية، كما حاول استمالة البرلمان عبر إبقاء عدد من الوزراء الحاليين وإدراج بعض الشخصيات المحافظة في التشكيلة الوزارية.
وخلص إلى أن استقالة ظريف جاءت تنديدا بتجاهل بزشكيان كثيرا من الأسماء التي رشحها مجلس قيادة المرحلة الانتقالية، واعتراضا على قبوله بعض الشخصيات المحافظة في حكومته، وذلك بالرغم من أن بزشكيان حرص على التشكيلة المقترحة للعبور من عقبة البرلمان، وأنه كان ينوي تسيير الفترة المقبلة عبر مستشاريه ومعاونيه، بما فيهم ظريف.
رؤية إصلاحية
في المقابل، يرجع الباحث السياسي الإصلاحي يوسف آكنده أن السبب الأساسي وراء استقالة ظريف إلى الضغوط التي مورست ضده، تنكيلا به لما بذله من مساع حثيثة أدت إلى فوز بزشكيان في الانتخابات، وهزيمة سعيد جليلي مرشح جبهة “صمود الثورة الإسلامية” المحافظة، متهما الجبهة بالعبث بالقدرات الإنسانية الوطنية، وحرمان الحكومة الجديدة من تجارب أبناء الوطن.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد آكنده أن إبعاد ظريف سيضر بحكومة بزشكيان، ذلك أن شريحة كبيرة من الناخبين لاسيما المقاطعين في الدورة الأولى قد لا يعرفون الرئيس الجديد، بقدر معرفتهم وحبهم لشخص ظريف، على حد قوله.
وعن المادة القانونية التي تمنع تولي المناصب الحساسة من قبل كل شخص يحمل هو أو أفراد عائلته جنسية أجنبية، يقول آكنده إن “أولاد ظريف حصلوا على الجنسية الأميركية بشكل قهري، وذلك بسبب ولادتهم هناك، عندما كان أبوهم طالبا بالولايات المتحدة الأميركية”، متسائلا عن سبب عدم مساءلة العديد من المسؤولين المحافظين “الذين حصلوا على جنسية بعض الدول المعادية بشكل اكتسابي وليس نتيجة أمور قهرية”.
وكان البرلمان الإيراني قد أقر عام 2022 قانونا يشترط موافقة الاستخبارات على تعيين كبار المسؤولين في هياكل الدولة، ويرفض إسناد المناصب الحساسة إلى كل فرد يمتلك هو أو أبناؤه أو زوجته الجنسية الأجنبية.
وسواء كانت هذه المادة القانونية وراء استقالة ظريف أو امتعاضه من التأليفة الحكومية المقترحة، فإن شريحة من المراقبين في إيران يعتقدون أنها جاءت في توقيت غير مناسب؛ حيث إن البلاد تعمل على ترتيب أوراقها للقيام برد عسكري على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وأن الرئيس بزشكيان قد يكون قبل ببعض الأسماء في حكومته مكرها لتجاوز عقبة البرلمان وتشكيل الحكومة في أسرع وقت.