على الرغم من الصدام من حين لآخر، كان التبادل الأدبي الباكستاني-الهندي مزدهرا في أغلب الفترات منذ بداية تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947وحتى وقتنا الحالي؛ واطلع قراء الهند على أفضل الكتابات الباكستانية بالإنجليزية. ووجد المؤلفون الهنود قراء باكستانيين مهتمين بمؤلفاتهم، وهو الأمر الذي خلق فضاء افتراضيا لتبادل الأفكار، وواجهة أدبية نابضة بالحياة، أتاحت لكلا الجانبين متابعة تفكير الآخر واستكشاف عالمه.
وذكرت صحيفة “ذا هندو” (The Hindu) الهندية في تقرير لها، أن توتر السنوات الأخيرة في العلاقات التجارية بين الهند وباكستان والتصعيد بين الجارين النوويين، أدى إلى تغير المعادلات القديمة بين الناشرين الهنود والكتّاب الباكستانيين نتيجة لاستمرار الجمود السياسي بين البلدين.
من مانتو إلى زكريا
وتنقل الصحيفة؛ عن مونيزة شمسي، الناقدة الأدبية الباكستانية الشهيرة، ومؤلفة كتاب “نسيج هجين، تطور الأدب الباكستاني” باللغة الإنجليزية قولها “في باكستان، لم يتطور النشر بنفس النهج الذي كان عليه في الهند؛ إذ إن الناشرين الباكستانيين تضرروا بشدة من ارتفاع تكاليف الورق في الثمانينيات، ولم يتم منحهم أبدا الحوافز التي حصل عليها الناشرون الهنود في الهند”.
وكانت النتيجة، اطلاع القراء الهنود على الأعمال الباكستانية، بدءا من كلاسيكيات سادات حسن مانتو وفايز أحمد فايز وإنتزار حسين وفهميدة رياض، إلى أعمال مؤلفين أصغر سنا مثل أنام زكريا وكتابها “بصمات التقسيم” وسابين زفيري في كتاب “لم يقتلها أحد” وأسامة صديق في كتابه “أنفاس القمر”؛ وأيضا فايقة منسب في مؤلّفها “هذا البيت من الطين والماء” وعمر شهيد حميد في “السجين” وصبا امتياز في “كراتشي، أنت تقتلينني”، على سبيل المثال لا الحصر.
وتضيف الصحيفة أنه على هذا النحو، صدرت طبعات هندية من روايات لمؤلفين باكستانيين حصلوا على شهرة دولية، منهم محسن حميد، وكاميلا شمسي، ومحمد حنيف، وفاطمة بوتو، ودانيال معين الدين، وموني محسن، ونديم أسلم، وآخرين. وأيضا صدرت كتب لمؤلفين أقل شهرة، ورغم ذلك تم نشرها وكسبوا قراء ونالوا تقديرا في الهند وباكستان على حد سواء.
وترى الصحيفة أنه يمكن القول إنه كانت هناك حركة كبيرة للكتاب بين الهند وباكستان في مجال إصدار الكتب والترويج لها. ومع ظهور المهرجانات الأدبية، ازدادت هذه الحركة في مدن دلهي ومومباي ولاهور وكراتشي.
كتب عابرة
وتشير الصحيفة إلى أن الكتب أصبحت تباع بشكل جيد في كلا البلدين؛ حيث يقدِّر “فيجيش كومار”، مدير عام المبيعات في دار النشر “بينغوين راندوم” الهندية، أن 50% من مبيعات الكتب من قبل المؤلفين الباكستانيين كانت في باكستان والنصف الآخر في الهند، في حين كانت الكتب الهندية متاحة مجانا في المكتبات العامة الباكستانية وتمت قراءتها ومراجعتها على نطاق واسع هناك.
وتؤكد الصحيفة أنه على الرغم من التصعيدات التي تحدث من حين لآخر والتي تتسبب في تأخير إصدار التأشيرات أو رفضها، إلا أن الواجهة الأدبية الباكستانية الهندية ازدهرت في العقدين الماضيين؛ حيث فاق عددُ الروائيين عددَ المؤلفين غير المتخصصين في مجال الرواية الذين فضل عدد كبير منهم النشر في “منشورات جامعة أكسفورد” التي تتخذ من كراتشي مقرا لها.
تدفق متذبذب
وفي السياق، تنوه الصحيفة بالأعمال العابرة للحدود التي ألفها باكستانيون وهنود بشكل مشترك مثل “سجلات جاسوس” من تأليف “أ. س دولات” و”أساد دوراني” من باكستان و”أديتيا سينها” من الهند، وكذلك “البيجوم” (التي تعني لقب أرستقراطي في جنوب آسيا) من تأليف “ديبا أجاروال” من الهند و”تاهمينا عزيز” أيوب من باكستان.
وتضمنت الإصدارات الأخيرة -كما تقول الصحيفة- تعليقات مهمة على نظام الحكم والتاريخ، لكن التوتر الأخير بين البلدين جاء ليُحدث فجأة انقطاعا في هذا التدفق.
ووفق أمينة سعيد -في تصريحات لها نقلتها الصحيفة- فإن نموذج العمل القديم بدأ يتصدع، ومن أجل سد هذه الفجوة -كما تقول مونيزا شمسي في حديثها مع الصحيفة- شهدت باكستان في السنوات الأخيرة عددا متزايدا -وإن كان محدودا- من الناشرين المستقلين، مثل “ريدينجز” و”مونجريل بوكس”، و”منشورات أوشبا”، والتي توفر منصة مهمة للرواية الباكستانية بالإنجليزية.
ووفقا لأمينة سعيد، فإنه فيما يخص الكتب التي صدرت سابقا، يمنح بعض الناشرين الهنود الحق للناشرين أو المؤلفين الباكستانيين لمعالجة قضية عدم توفرها في باكستان، في حين يسعى مشروع “لايت ستون بوكس” لأن يكون منصة جديدة للكتابة الباكستانية. وفي هذا الشأن، تقول أمينة سعيد “تلقيت طلبات من روائيين وشعراء باكستانيين نشروا أعمالهم في الهند، لنشرها هنا”.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إنه مع استمرار الخلاف السياسي، فإن القراء من كلا البلدين يفقدون كتابة شيقة متبادلة، ومنصة أدبية مشتركة بين الطرفين.