يعدّ عالم الفن التشكيلي من العوالم الغامضة الشديدة التعقيد، لا يعرف عنه الجمهور الكثير فيظن أنه عالم حالم ورومانسي يجلس فيه الفنان أمام لوحاته وألوانه بعيدا عن صخب العالم.
لكن في حقيقة الأمر، عالم الفن التشكيلي مملوء بالخفايا والسرقات لأن اللوحة ما إن ينجزها الفنان حتى تتحول إلى سلعة رأسمالية تباع وتشترى ويرتفع سعرها بمرور الوقت، ومن ثم تصبح عرضة للسرقة أو الاختفاء لأي سبب.
ويقول مكتب التحقيقات الفدرالية إن سرقة الأعمال الفنية تبلغ نحو 8 مليارات دولار سنويا على المستوى الدولي، وهي رابع أكثر الجرائم انتشارا بعد الاتجار بالمخدرات والأسلحة وغسيل الأموال.
ورغم أن الدافع الأكثر شيوعا لسرقة اللوحات الفنية هو الربح، فإن أحد التناقضات هو أنه كلما زادت شهرة العمل الفني وقيمته يصعب بيعه بطريقة قانونية، ومع ذلك هناك طريقتان للربح المادي من سرقة اللوحات.
فإذا كانت اللوحة شهيرة وذات قيمة، فقد يأمل اللص في الحصول على مكافأة يمكن أن تقدر بملايين الدولارات حسب قيمة الأعمال الفنية، وتعد سرقة متحف إيزابيلا ستيوارت غاردنز في بوسطن السرقة الأشهر والأكبر في تاريخ السرقات الفنية.
في الساعات الأولى من يوم 18 مارس/آذار عام 1990 توقفت سيارة بالقرب من المدخل الجانبي للمتحف، واستأذن رجلان يرتديان زي الشرطة بالدخول إلى المتحف، كسر الحارس المناوب البروتوكول وسمح لهما بالدخول من مدخل الموظفين، ثم غادر اللصان ومعهما 13 عملا أصليا، بعد أن قيّدا يد الحارس ومعه حارس آخر وتركاهما في قبو المتحف، حتى وصلت الشرطة في الثامنة والربع صباحا.
تعود الأعمال المسروقة إلى كل من إدوارد مانيه ورمبرانت وديغا، ويبقى رجوع تلك الأعمال أولوية قصوى حتى إن المتحف يقدم مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لأي معلومات تؤدي إلى عودة اللوحات أو جزء منها.
وهناك أيضا سرقات للوحات منفردة لم تحل حتى الآن، ومن أشهر هذه اللوحات:
مادلين متكئة على مرفقها
تعدّ لوحة “مادلين متكئة على مرفقها مع زهور في شعرها” واحدة من لوحات المدرسة الانطباعية للفنان الفرنسي أوغست رينوار.
سرقت اللوحة من منزل في هيوستن بتكساس عام 2011 أثناء حادثة سطو مسلح، ولم يعرف الجاني حتى الآن. تصور اللوحة مادلين برونو وهي فتاة قروية بسيطة أصبحت نموذجا لرسوم رينوار في سنواته الأخيرة. تنتمي اللوحة إلى المرحلة الحمراء، لذلك تشع ألوانها بالدفء. وحتى الآن ما زالت شركة التأمين تعرض مبلغا يصل إلى 50 ألف دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى استعادة اللوحة.
بورتريه ذاتي.. فرانس فان ميريس
اللوحة صورة ذاتية بالطلاء الزيتي على لوح خشبي للفنان الهولندي فرانس فان ميريس، وقد سرقت اللوحة من معرض الفنون بمدينة نيو ساوث ويلز بسيدني، حين كان المعرض مفتوحا للجمهور. أبعاد اللوحة صغيرة نسبيا 20*16 سم، وكانت ضمن مجموعة جيمس فيرفاكس وقد تبرع بها للمتحف عام 1993. تؤكد الشرطة أن السرقة مدبرة، ولكن العامل الذي سهل السرقة هو أن اللوحة لم تكن مثبتة جيدا على الجدران، وكان من السهل فك البراغي التي تثبتها، بخاصة مع توقف عمل الكاميرات.
تقدر اللوحة بقيمة 1.4 مليون دولار، ولم يعرف طريقها حتى الآن، ولا يوجد مشتبه بهم ولا أدلة جنائية ولا بصمات أصابع.
السارق المهووس وأرسين لوبين المتاحف
اعترف الشاب الفرنسي ستيفان بريتوايزر بعد اعتقاله في سويسرا عام 2001 بارتكاب مجموعة من حوادث السطو على الأعمال الفنية وغيرها من الأشياء الثمينة. تمكنت الشرطة وقتئذ من جمع ما يقرب من 100 قطعة أثرية بقيمة 10 ملايين يورو.
هذا الشاب شغوف إلى حد الهوس باللوحات والمتاحف الأوروبية المختلفة، وكان يسرق الأعمال الفنية في وضح النهار من دون تكسير أو عنف؛ يفك المسامير ويخلع اللوحات بدقة بسكين صغير ثم يحتفظ باللوحات في حقيبته.
بعد القبض عليه اعترف بريتوايزر بارتكاب عدد كبير من حوادث السطو حتى إنه حوّل غرفتين من منزل عائلته إلى متحف خاص به يحوي مجموعة مذهلة من اللوحات، لكن والدته اتخذت إجراءات عنيفة بعد القبض عليه، فدمرت العديد من اللوحات الباهظة الثمن والمجوهرات والعملات، بإلقائها في إحدى قنوات نهر الراين أو التخلص منها في الغابة لتدمر أدلة إدانة ابنها.
حكم عليه بالسجن 26 شهرا، وعلى والدته بالسجن 18 شهرا. وبعد إطلاق سراحه، قال بريتوايزر “أتجنب الاحتكاك مع العالم، لأنه يحزنني أن أرى الأعمال الفنية التي أريدها ولا أكون قادرا على اقتنائها”.