صبري حافظ: إدوارد سعيد كان سيفوز بنوبل وهذه قصتي مع سارتر وعبد الناصر
صبري حافظ ناقد ضل طريقه من العلوم إلى الأدب، كانت أحلامه أن يصبح أستاذا في الكيمياء لكنه وجد ذاته في الخطاب النقدي، عمل في بدايات حياته في شركة للنقل، ودرس العلوم الاجتماعية أثناء الوظيفة، فكان يعمل نهارا ويدرس ليلا.
علمته الوظيفة المبكرة أن يعتمد على ذاته، فشق طريقه سريعا كالنسر ضد التيار، يكتب القصص، ويمارس النقد في سن مبكرة، ويتصدى لكتابات كبار الكتاب والروائيين بالتحليل والتشريح برؤى جديدة، كان يكتب تحليلا لروايات نجيب محفوظ وقصص يحيى حقي، ثم يمارس هوايته في كتابة القصص، ويرسل إنتاجه للكاتب عبد الفتاح الجمل في جريدة المساء، فيهمل القصص وينشر النقد.
نشر في مجلة “الآداب” البيروتية، واستكتبه يحيى حقي في مجلة “المجلة”، وهضم نظريات النقد ومذاهب الأدب الحديثة من خلال ما كان ينشر في المجلات الأدبية المتخصصة حتى ظنه نجيب محفوظ يكتب من خارج مصر بسبب إلمامه الكبير بالمذاهب والرؤى الأدبية الحديثة.
سافر في منحة قصيرة لبريطانيا سنة 1973، لكنه لم يعد إلا بعد 6 سنوات حاز خلالها درجة الدكتوراه، ولأكثر من 50 عاما، وهو مراقب جيد وشاهد صادق على الحالة الثقافية العربية، ألف أكثر من 20 كتابا باللغة العربية، ونحو 13 كتابا بالإنجليزية، وله عشرات التلاميذ في جامعات أوروبا، التقيناه في زيارته الأخيرة لمعرض الكتاب بالقاهرة وكان للجزيرة نت معه هذا اللقاء:
كيف ترى ذاتك بعد 50 عاما من القفز من الشاطئ الشرقي إلى الشاطئ الغربي؟
أؤكد أولا أنني رغم حياتي في الغرب، فإن عيني وقلبي وقلمي لم يغادروا الشرق أبدا، ولم أترك الكتابة باللغة العربية، وكنت من أكثر الكتاب مساهمة في العمل الثقافي، ولم أترك نشرة أو إصدارا إلا وشاركت فيه، إيمانا مني بدوري الفعال بوصفي مثقفا ملتزما.
من جانب آخر، أعتبر نفسي جسرا بين الثقافتين العربية والغربية، أقدم أفضل ما في الغرب، وما أشعر بأن ثقافتنا في حاجة إليه، وأحاول أن أنقل أبرز إنجازات ثقافتي للغربيين، أقدم الغرب للثقافة العربية، وفي المقابل أقدم جزءا من ثقافتنا العربية للقارئ الإنجليزي.
هل لك أن تصف لنا المناخ الثقافي في القاهرة وقت أن بدأت الكتابة الأدبية والمشاركة في الجو الثقافي العام؟
كانت القاهرة عامرة بالحراك الثقافي أوائل ستينيات القرن الماضي، وكانت حافلة بالمنتديات والندوات الأدبية والفكرية الجادة، فقد كان فيها ما يمكن تسميته بالتقويم الأدبي، في كل يوم تعقد ندوة ما، كانت هناك ندوة الجمعية الأدبية المصرية التي كان يديرها فاروق خورشيد وصلاح عبد الصبور وعبد القادر القط، وندوة جماعة الأدب الحديث ويديرها السحرتي وخفاجي، وندوة الأمناء التي يترأسها أمين الخولي، وندوة أنور المعداوي ومكانها قهوة إنديانا في ميدان الدقي مساء كل خميس، وندوة نادي القصة برئاسة يوسف السباعي والتي كانت تعقد مساء كل أربعاء، وكانت تنظم مسابقة للشبان في القصة القصيرة وجائزتها 50 جنيها، وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت، وأول من فاز بها الأديب محمد البساطي.
وكان الأستاذ يحيى حقي يتابع مقالاتي، وذهبت له، وبدأت أنشر مقالاتي في مجلة “المجلة” التي يترأسها، وحضرت صالونه الكبير، وهناك تعرفت على جمال حمدان، وبدر الدين أبو غازي وزير الثقافة في ما بعد، وكان يعمل معي في المجلة الناقد الرائد أنور المعداوي، وسارت بي الحياة في المجلة حتى تآمرت الدكتورة سهير القلماوي على طرد يحيى حقي من المجلة تمشيا مع الحملة التي قادها السادات لغلق المجلات الأدبية في ذلك الوقت.
وتعرفت على مجموعة جيل الستينيات في ندوة نجيب محفوظ، من خلال الكتابة في مجلة الآداب البيروتية، وكان عمري 21 عاما عندما كنت أنشر مقالاتي عن نجيب محفوظ محللا رواياته من “اللص والكلاب” و”السمان والخريف” و”الطريق” و”الشحاذ”.
والتحقت بمعهد الفنون المسرحية، وكنت الأول على الدفعة الأولى، وجاءت منحة للاتحاد السوفياتي لدراسة الدراما وتقدمت لها، ولكنها ذهبت لفوزي فهمي بتوصية من الأمن، حسبما عرفت بعد ذلك من الفنان بدر الدين أبو غازي وزير الثقافة حينئذ، وبعد ذلك سافرت لأوروبا في مارس/آذار 1973 كمنحة لمدة 3 شهور من جامعة أكسفورد، وحصلت في أثنائها على منحة للدراسة للدكتوراه مدتها 3 سنوات من جامعة لندن، والتحقت بها في أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولم أعد لمصر إلا بعد 6 سنوات وأنا أحمل درجة الدكتوراه.
سارتر وعبد الناصر
قلت ذات مرة أن للفيلسوف الفرنسي سارتر فضلا عليك.. أي فضل، وأنت لم تدرس الفلسفة ولم تلتقِ به؟
عندما التحقت بمدرسة الدراسات الاجتماعية، وكنت موظفا في النهار وطالبا بالليل، وزاملني في الدفعة نفسها الكاتب الراحل صلاح عيسى سنة 1958-1959، وكنا نحرر معا مجلة المدرسة، وعرفنا الجانب الآخر لثقافة المعارضة والنشاط السري، وتعرفنا على بعض اليساريين، حتى تخرجنا سنة 1962، إلى أن قبض علينا سنة 1966 مع كثير من الشباب المثقف في مصر.
وفي هذا الوقت كانت مصر تستعد لزيارة جان بول سارتر للوقوف على حقيقة المشكلة الفلسطينية، ونشرت جريدة لوموند خبر اعتقالنا، على إثر ذلك رفض سارتر الزيارة، وبعد ذلك اتصل به لطفي الخولي، وأكد له بأن كل المعتقلين تم الإفراج عنهم، وجاء سارتر إلى مصر في مارس/آذار 1967.
وعندما زرت متحف سارتر الذي أسسه الرئيس ميتران، عرفت من خلال الوثائق ما دار في هذه الزيارة، وما الذي قاله سارتر للرئيس عبد الناصر، ووعده عبد الناصر بالإفراج عن المعتقلين قبل سفره من مصر، وبالفعل تم الإفراج عنا في مارس/آذار، وكانت النكسة في يونيو/حزيران 1967.
ناقدان متناقضان
هناك عدد من النقاد العرب الذين برعوا في الدراسات النقدية العالمية أمثال إدوارد سعيد، وإيهاب حسن، وصبري حافظ، وغيرهم من النقاد العرب، والسؤال: ماذا أضاف النقاد العرب لمسيرة النقد العالمية؟
أولا، أرى أن وضع إيهاب حسن مع إدوارد سعيد في سياق واحد فيه مغالطة كبيرة، لأن إيهاب حسن يعد النقيض تماما لإدوارد سعيد وغيره من المثقفين والنقاد العرب الذين حاولوا بجهودهم الفردية الإسهام في الثقافة الغربية، أو تصحيح رؤية الثقافة الغربية لواقعنا العربي.
إيهاب حسن حقيقة حينما ترك مصر بعد دراسة الهندسة، ومنذ أن احترف مهنة النقد يُنظر إليه، ويَنظر هو إلى نفسه، على أنه ناقد أدبي أميركي، بدأ حقيقة دراساته اللامعة، مع كتابه “البريء الراديكالي” عام 1961 عن الرواية الأميركية المعاصرة، وكأنه يشارك في تأسيس الرواية الأميركية، واستمرت أبحاثه المهمة مع كتاب “أدب الصمت ” 1967، و”تقطيع أوصال أورفيوس”، ثم كتاب “نحو أدب ما بعد حداثي”، ثم “اللفتة ما بعد الحداثية” 1979، حتى سيرته الذاتية “الخروج من مصر”، صدرت عام 1985، فيها نوع من التناص المتعمد مع سفر الخروج في التوراة.
والحقيقة أن إيهاب حسن يمثل الرغبة في القطيعة الكاملة مع تاريخه في مصر، وعرفته هو وإدوارد سعيد، وأول تعارف به عندما جاء ليلقي محاضرة في جامعة ستوكهولم، وكنت أقوم بالتدريس هناك، وحينما تقدمت للتعرف عليه بعد نهاية المحاضرة، رفض الحديث معي باللغة العربية تماما، ثانيا من حديثه أعطاني يقينا تاما أنه لا علاقة له بمصر ولا بآدابها، بل هو مهتم فقط بالأدب الأميركي، وله دور مهم في الأدب الأميركي، لأنه من النقاد المهمين الذين قَعَّدوا نظرية ما بعد الحداثة، ونفي صلته بمصر وبأي شكل من أشكال الثقافة العربية على حياته وسيرته وعمله.
والمفارقة أن إدوارد سعيد الذي بدأ بدراسة الآداب الغربية والإنجليزية الأصيلة ونشأ في بيئة أرستقراطية، حاول أن يضع وطنه فلسطين في قلب الحدث، وحاول شد دراسته في الأدب الإنجليزي إلى مشروعه هو بصفته فلسطينيا، مشروعه الكبير عن الاستشراق، الذي شمل 4 كتب أساسية، كتاب “الاستشراق” ثم تطبيقا لهذا الكتاب نشر كتابيه “قضية فلسطين”، و”تغطية الإسلام” الذي يشرح فيه كيف يتحدثون عن الإسلام في الإعلام الأميركي، وبلغ ذروته في نقد الاستشراق في كتاب “الثقافة والإمبريالية”.
ولم يكن فضل إدوارد سعيد في كشفه حقيقة الاستشراق فقط، بل في قيامه بزعزعة مكانة المستشرقين في رؤيتهم للشرق، إلى أن خرج من هذا المشروع تياران مهمان جدا، أولهما: تيار ما بعد الاستعمار، والثاني تبلور عبر ما يعرف بالنقد الثقافي.
تحليل السرد العربي
هل استفدت من مشروع إدوارد سعيد، وما الذي قدمته من خلال أبحاثك وكتبك للتطبيق في مجال الخطاب النقدي؟
أولا: فيما يتعلق بتيار ما بعد الاستعمار، وهو موضوع ألفت فيه كتابا سيصدر عن روايات ما بعد الاستعمار بالتطبيق على أعمال الروائي التنزاني الفائز بجائزة نوبل عبد الرزاق قرنح، ومن ناحية أخرى من باب تطبيق المنهج الجديد الذي أرساه إدوارد سعيد في التعامل مع ما كان يكتب عن ثقافتنا، وتفنيد ما كتبه المستشرقون، نشرت مجموعة كبيرة من الأبحاث وكان كتاب “تكوين الخطاب السردي العربي” بتطبيق مناهج جديدة تماما في تحليل النص، وتحليل نص سردي عربي، والكتاب صدر سنة 1990، وترجم للعربية ترجمة غير موفقة، وكثير من الأطروحات عن نشأة الأجناس الأدبية الجديدة في ثقافتنا العربية ما زالت غائبة عن الجدل العربي بسبب غياب ترجمة جيدة لكتابي ذاك، وما زالت الأبحاث تدور حول المناهج التقليدية التي تعتبر الأجناس السردية الجديدة منحدرة من المقامات أو مستوردة من الغرب، وكل هذا دحضته في هذا الكتاب.
وأما كتابي الثاني الصادر بالإنجليزية “السعي لصياغة الهويات”، وهو الكتاب الذي اختارته مجلة “اختيار” الأكاديمية الأميركية ضمن أفضل الدراسات النقدية، فطرح نظرية جديدة في مفهوم القصة القصيرة كمتخيل لصياغة الهوية الفردية، كما طرح أيضا المتخيل الفردي بدلا من المتخيل الجمعي التي تطرحه الرواية، وكثيرون ممن اشتغلوا على نظرية القصة القصيرة كجنس أدبي في العالم استخدموا كتابي هذا، بالرغم من أن كل ما جاء في الكتاب من تطبيقات كانت على القصة القصيرة في مصر، من يحيى حقي حتى جيل الستينيات.
ماذا كان أثر هجرتك وعملك بالخارج، هل ترك العمل هناك أثرا في تفكيرك وبنيتك الفكرية بوصفك مثقفا، بمعنى هل اختلفت رؤيتك في أثناء عملك في الغرب عما لو كنت بقيت في الشرق؟
بالطبع استفدت كثيرا من تجربتي في الغرب، وهنا لا بد من ذكر مصري آخر ساهم في تغيير رؤية ثقافتنا العربية في العالم الغربي، وهو الباحث المصري المرموق محمد مصطفى بدوي. فله يعود الفضل في إدخال الأدب الحديث باعتباره موضوعا للدراسة في قلب قلعة الاستشراق القديمة، ألا وهي جامعة أكسفورد.
كانت الثقافة العربية والآداب العربية عموما تدرس في الجامعات الغربية باعتبارها واحدة من آداب اللغات القديمة، مثل الإغريقية واللاتينية. وهو الأمر الذي ينطوي على مصادرة مضمرة تقول إن العرب كانت لهم ثقافة تستحق الدرس، ولكنها بادت، كما بادت الثقافة الإغريقية القديمة أو آداب اللغة اللاتينية. وهذا ما يجعل التفاتة بدوي مهمة لأنه يقول عبر تدريسه للأدب الحديث، وإشرافه على عدد من طلابه الإنجليز الذين أصبح لهم دور في تدريس هذا الأدب في إنجلترا وأميركا، مثل روبن أوستل وروجر آلان، إن للعرب حاضرا راهنا مهما يستحق الدرس. وهو الأمر الذي وعيت أهميته منذ بداية رحلتي المعرفية في بريطانيا.
ذلك لأنني بدأت الإدراك مبكرا بأن المعارف النظرية الغربية، لا بد أن تستوعب وأن تهضم، وأن يعاد تطويرها مرة أخرى من خلال ثقافتنا وأدبنا، ومن خلال مسيرة ثقافتنا، ومن خلال بنية الحراك الأدبي والحراك التاريخي، هذا هو الجانب الذي أعتقد أنني ساهمت في بلورته من خلال دراساتي التي نشرتها بالعربية أو بالإنجليزية، وأيضا من خلال إشرافي على طلابي الذين أنتجوا شيئا يستحق الاحتفاء به، ذلك لأن وعيي بهذا التصور المضمر الذي يركز على آدابنا القديمة ويغفل حاضرنا كان جزءا من هذا التصور الاستشراقي القديم الذي عراه إدوارد سعيد وأطاح به.
وقد حرصت منذ بدأت التدريس في الغرب على وضع أدبنا الحديث في قلب ما يعرف باسم آداب اللغات الحديثة كالفرنسية والإيطالية والإسبانية وغيرها، وأن تجري دراسته وفق مناهج هذه الآداب النقدية الجديدة من بنيوية ونسوية وتفكيكية ومناهج دراسات ما بعد الاستعمار.
وهذا ما وضع أدبنا وثقافتنا في قلب الاهتمامات المعاصرة. وهناك 4 من تلاميذي يعملون الآن أساتذة في الجامعات البريطانية، منهم أستاذة من لبنان أتوقع لها مستقبلا جيدا في بريطانيا.
هل توجد في مصر أو في العالم العربي مجلات ثقافية جادة؟
طرحت هذه المشكلة وأنا أستعد لإصدار مجلة “الكلمة”، وحقيقة كانت هناك على مدى مسيرة الثقافة العربية عدة مجلات موحدة للثقافة العربية من المحيط إلى الخليج، بداية من الثلاثينيات كانت مجلة “الرسالة” وتبعتها مجلة “الثقافة” ومجلة طه حسين المهمة “الكاتب المصري”، وفي الخمسينات كانت هناك مجلة “الآداب” اللبنانية، وكانت هناك أيضا في الخمسينيات والستينيات مجلة “المجلة”، ثم ظهرت مجلة “الفكر المعاصر” و”المسرح” و”السينما” ومجموعة كبيرة من مجلات الستينيات على المستوى الإقليمي والعربي العام، ومنذ أن أغلق السادات كل هذه المجلات الأدبية والثقافية لصالح مجلة واحدة وهي “الجديد” برئاسة رشاد رشدي، والمجلات الأدبية تعيش خريفها الطويل.
وعندما أصدرت مجلة “الكلمة” عام 2006 على الإنترنت تجاوزت الحدود الجغرافية التي قطعتها كامب ديفيد، واستطاعت أن تعبر الحدود لكل قارئ بالعربية، وعندما طلبت من محمود درويش أن يكتب فيها قال: “الكتابة على الإنترنت، مثل الكتابة في المراحيض، كلٌ يكتب ما يريده”، فقلت له إن هذا هو السبب الحقيقي لصدورها، وهو أن أجلب معايير الصرامة التحريرية ومعايير الانتقاء ومعايير المجلة الأدبية الراقية إلى فضاء الإنترنت، وبالتالي هي مجلة، وليست موقعا، وتبقى كالمجلات الورقية تجمع كل سنة وتحفظ كأي مجلة مهمة.
ماذا تقول عن المؤسسة الكبيرة التي أسسها الفنان فاروق حسني في وزارة الثقافة في مصر؟ هل كانت إبداعا جيدا يخدم الثقافة والمثقفين، أم كان هدفها الرئيس هو الدعاية السياسية للنظام؟
جزء كبير منها -كما كان يقول فاروق حسني نفسه- هو أنه يسعى لإدخال المثقفين إلى الحظيرة، والحظيرة تعني ضمنيا أن هناك علفًا ودواب، وأنه كلما أطعم الدواب وأدخلهم الحظيرة أمكن السيطرة على الواقع الثقافي، وهذا جزء كبير من مفهوم غرامشي عن الهيمنة، وأنه لا بد أن تتم الهيمنة دون استخدام العنف، لأنه مع بداية استخدام العنف تتقوض قدرة أي نظام على الهيمنة، وبالتالي إلى حد كبير كان فاروق حسني ناجحا، من خلال مهرجان المسرح التجريبي في سنواته الأولى، وبعد ذلك أكمل خطته مع المجلس الأعلى للثقافة ومحاولاته الدؤوبة لإدخال المثقفين الحظيرة.
المثقف الخائن
هاجمت المثقفين واتهمتهم بالخيانة وبأنهم سبب رئيسي في ما آلت إليه حال مصر في ما قبل الثورة وبعدها، هل من توضيح؟
بالطبع لا أبرئهم، بل هم جزء كبير من هذا الواقع المتردي، لأن المثقف ضمير شعبه وضمير الواقع الذي يصدر عنه، خاصة أننا في واقع يمثل فيه المثقف أقلية الأقلية، فنسبة الأمية الكتابية في مصر مرتفعة، ثم الأمية الثقافية عالية جدا، وبالتالي المثقف المنتمي لأقلية متعلمة، وهي أقلية قادرة على القيام بدور المعبر عن الأغلبية الصامتة وطرح مستقبلها وقضاياها كما كان يفعل طه حسين، حيث أراد للجميع أن يتعلموا ويكونوا فاعلين في مجتمعاتهم رغم العوز والفقر المنتشر، هذا هو دور المثقف الحقيقي.
ولكن عندما ينقض المثقف التابع لمنظومة أهل الثقة على مثقف أهل الخبرة وعلى الثورة، هنا تثبت خيانته للدور والرسالة التي تصدى لها، فهو هنا خان نفسه وخان دوره ووطنه.
الموت يسبق نوبل
هل فعلا تم ترشيح إدوارد سعيد لجائزة نوبل وكاد أن يفوز بها؟
يفجر الدكتور صبري حافظ مفاجأة كبيرة ويقول: الترشيح لجائزة نوبل حق للجميع، ومن خلال عملي في جامعة ستوكهولم عرفت كثيرا من الأسرار عن الجائزة، فكثير من العرب تم ترشيحهم لجائزة نوبل، ولكن لم يحالف الحظ أحدا منهم سوى نجيب محفوظ، وكنت على علم بأن إدوارد سعيد كان مرشحا قويا للفوز بالجائزة، واجتمعت إرادة مجلس الجائزة على ترشيحه، خاصة لغياب ناقد مهم عن تاريخها العريق، لكنه توفي يوم 25 سبتمبر/أيلول 2003 قبل أقل من شهر من إعلانها، فذهبت للجنوب أفريقي جي إم كوتزي.
تتابع عن قرب أحيانا وعن بعد أحيانا أخرى الحالة الثقافية العربية، كيف ترى الحالة الأدبية؟ وهل الأدب في عافية أم أن هناك مؤثرات تعطل مسيرته؟
حقيقة، قلّت متابعاتي للحالة الثقافية خلال السنوات الماضية، ولكن من مشاهدتي ومتابعتي المتواضعة أستطيع أن أقول إن الأدب العربي في عافية، وفي حالة جيدة جدا على جميع المستويات، وهناك كثير من الأسماء، وهناك دائما أسماء كبيرة مرشحة بشكل مستمر حتى على مستوى جائزة نوبل توجد دائما أسماء عربية.