عام على الحرب في أوكرانيا.. هكذا فتح الغرب خزائنه لأعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة
لندن– دفعت الحرب الأوكرانية عديدا من الدول الأوروبية إلى تحديث عقيدتها العسكرية، بالتخلي عن سياسة خفض الإنفاق العسكري التي كانت متبعة والتي كانت تشمل عدم إرسال أسلحة للخارج للمشاركة في معارك مشتعلة.
وبعد مرور عام على هذه الحرب، ارتفعت النفقات العسكرية لدول حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) والدول الحليفة له بشكل صاروخي، وبات الاهتمام بتقوية الجيوش الأوروبية واقتناء الأسلحة أولوية للدول الغربية أكثر من أي وقت مضى، إذ لم يشهد العالم –منذ الحرب الباردة– تسابق هكذا في التسليح، في ظل إعلان زيادات ضخمة في ميزانيات الدفاع للسنوات الخمس المقبلة.
ارتفاع صاروخي
في دراسة لمعهد الأبحاث “ماكنزي” (Mckinsey)، عن تأثير حرب أوكرانيا على الإنفاق العسكري لدول حلف الناتو إضافة للسويد وفنلندا وأستراليا، يبدو أن هذه النفقات كانت سترتفع عام 2021 من 296 مليار دولار إلى 337 مليار دولار عام 2026 بزيادة نسبتها 14% في حال عدم اندلاع الحرب الأوكرانية.
أما بعد اندلاع الحرب، فإن توقعات المركز تشي بارتفاع النفقات العسكرية خلال الفترة ذاتها بنسبة 53%، لتصل الزيادة إلى 453 مليار دولار سنويا على أقل تقدير، أما أعلى توقع يضعه المركز، فهو بلوغ زيادة الإنفاق العسكري إلى نحو نصف تريليون دولار سنويا في الدول الأوروبية وحدها بحلول عام 2026.
وبناء على ذلك، فإن مجموع ما ستنفقه دول حلف الناتو -إضافة إلى السويد وأستراليا وفنلندا- على الدفاع، سيرتفع من 1.6 تريليون دولار إلى أكثر من 2 تريليون دولار بحلول عام 2026، وذلك حسب معهد ماكنزي.
أخطاء الحرب الباردة
بعد انتهاء الحرب الباردة، قلصت عديد من الدول، لا سيما الأوروبية، نفقاتها العسكرية مع التخلص من عتادها العسكري القديم من دون تعويضه بعتاد أحدث، الأمر الذي جعل هذه الدول بعيدة كل البعد عن مستوى التسليح الذي كانت عليه خلال الحرب الباردة، وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة التي ترى أن الأوروبيين أخطؤوا عندما خفضوا نفقاتهم العسكرية لسنوات طويلة.
في السياق، عند الحديث عن أعداد الدبابات التي كانت لدى الدول الأوروبية -من ضمنها تركيا- خلال الحرب الباردة، فإن مجموعها كان في حدود 18 ألفا و941 دبابة، في حين تراجع العدد الآن إلى 4362 دبابة في انخفاض بنسبة 77%، كما أن عدد الطائرات المقاتلة انخفض من 3660 طائرة خلال الحرب الباردة إلى 1586 طائرة بانخفاض يقدر بنحو 57%.
وبالذهاب إلى السفن الحربية، فقد تراجعت أعدادها من 180 إلى 109 سفن عام 2022 بنسية انخفاض بلغت 39%، في الوقت الذي تقلص فيه عدد الغواصات من 107 إلى 57 غواصة في أنحاء أوروبا بتراجع بنسبة 47%، وبوضوح تشير جميع هذه الأرقام إلى تراجع كبير في القدرات العسكرية الأوروبية، مقابل استمرار كل من روسيا والولايات المتحدة والصين في زيادة الإنفاق العسكري.
النفقات العسكرية
دفعت الحرب في أوكرانيا عديدا من الدول الأوروبية للتخلي عن عقدة الإنفاق العسكري المتدني في أوروبا البالغة 2%، لا سيما مع المطالب الأميركية المتكررة لدول حلف الناتو برفع نفقاتها العسكرية لأكثر من 2% من الناتج المحلي لهذه الدول.
ورغم ذلك، لا تزال كثير من الدول تواجه صعوبة في الوصول إلى نسبة الإنفاق هذه، فحسب إحصاءات حلف الناتو، فإن 9 دول من أصل 30 دولة في الحلف وصلت إلى نسبة إنفاق 2% عام 2022، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حجم الإنفاق العسكري لدول الحلف خلال العام ذاته بلغ نحو 1,05 تريليون دولار، وهو أعلى معدل إنفاق يتم تسجيله منذ أكثر من 20 عاما.
عودة الكبار
كان التحول الأكبر الذي أحدثته الحرب في أوكرانيا هو التغير في موقف ألمانيا من الإنفاق العسكري وزيادة تصنيع الأسلحة، إذ أعلنت برلين -بُعيد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا،- تخصيص 100 مليار دولار للنفقات العسكرية، وهو ما سارت عليه فرنسا بإعلانها إنفاق 400 مليار دولار بين عامي 2024 و2030، كما أن بريطانيا كانت قد أعلنت تخصيص 3% من الناتج المحلي للإنفاق العسكري بحلول عام 2030.
في الصعيد ذاته، برزت بولندا كأكبر دولة أوروبية من حيث نسبة الإنفاق العسكري، بعد أن كشفت عن زيادة النفقات العسكرية وتخصيصها 4% من الناتج المحلي لميزانية الدفاع، بما يعادل 100 مليار دولار، وهو ما يشكل أعلى نسبة بين جميع دول حلف الناتو.
مشكلة الجاهزية
ولا تقف مشاكل حلف الناتو عند أعداد القطع العسكرية، بل تمتد إلى الجاهزية الفعلية للآليات القتالية، إذ تواجه الجيوش الأوروبية معضلة كبيرة تتمثل في أن كثيرا من عتادها العسكري يحتاج للصيانة أو أنه بات خارج الخدمة، فوفقا لمركز ماكنزي الذي اختار قياس جاهزية الأسلحة في 3 جيوش أوروبية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا)، فإن هناك مشكلة كبيرة في قدرة هذه الجيوش على استخدام كامل عتادها.
فبالنسبة لفرنسا، فإن 58% من المروحيات العسكرية فقط هي الداخلة في الخدمة فعليا، إضافة إلى 64% فقط من أسطول الطائرات المقاتلة الذي يمكن الاعتماد عليه، و73% من المجموع الكلي للدبابات، و62% من السفن الحربية والغواصات.
أما في ألمانيا، فإن المروحيات الجاهزة للاستخدام لا تتعدى 40%، إضافة إلى 65% من الطائرات الحربية، و71% من الدبابات، و72% من السفن الحربية والغواصات، في حين أن إيطاليا تعد الأسوأ في هذا المجال مع إمكانية عمل 36% فقط من المروحيات الداخلة في الخدمة، إضافة إلى 63% من الدبابات القادرة على المشاركة في الأعمال القتالية و66% من السفن الحربية والغواصات.