القدس المحتلة- وسط تصاعد التوتر الأمني بين إسرائيل وإيران، والتحذيرات من حرب إقليمية في حال تبادل البلدين الهجمات، أصدر وزير الدفاع يوآف غالانت أوامره بمصادرة 18 ناقلة نفط مرتبطة بالنظام الإيراني، تزعم إسرائيل أنها تستخدم لتمويل فيلق القدس التابع للحرس الثوري وحزب الله اللبناني.
وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنه اعتبارا من يوم الأربعاء 14 أغسطس/آب الجاري، تم إدراج ناقلات النفط الـ18 بحكم أن “عائدات بيعها تستخدم في تمويل وتعزيز المنظمات الإرهابية، بما في ذلك حزب الله وحماس”، وذكرت الوزارة أن العقوبات الدولية تكشف محور التمويل من فيلق القدس للمنظمات المسلحة، و”تجعل من الصعب غسل الأموال عبر ناقلات النفط”، بحسب تعبيرها.
وجاء في الإعلان أن وزير الدفاع “فرض عقوبات” على تلك السفن، ولكن في نهاية 15 يوليو/تموز الماضي، نشرت الأوامر التي وقعها غالانت في السجلات الإسرائيلية والتي تأمر بـ”الاستيلاء” على الناقلات لأغراض “المصادرة”، من أجل “إحباط أنشطة حزب الله وفيلق القدس”.
مصادر تمويل
وبحسب مزاعم وزارة الدفاع الإسرائيلية، يشارك مسؤولون كبار في حزب الله في إدارة تجارة النفط، من بينهم محمد قاسم البزال المسؤول عن محاور تمويل التنظيم، ومحمد كاتسير المسؤول عن التمويل مع فيلق القدس، وكذلك رجل الأعمال براء قاطرجي الذي قتل قبل شهر بانفجار أثناء سفره على طريق بيروت دمشق مع عضو بارز في حزب الله، حيث نسبت عملية الاغتيال إلى إسرائيل.
وينتمي قاطرجي إلى عائلة مقربة من نظام الأسد، وبحسب منشورات إسرائيلية مختلفة، كان يدير أنشطة العائلة في مجال النفط، بما في ذلك التجارة مع إيران، وهو ما أخضعه للعقوبات الأميركية.
ويأتي إصدار هذه الأوامر التي تعتبر الأولى من نوعها من جهة إسرائيلية ضد سفن إيرانية، بحسب ادعاء وزارة الدفاع الإسرائيلية، بعد تعقب للعديد من سفن الشحن المرتبطة بطهران، وكذلك بعد توثيق باستخدام الأقمار الصناعية لإبحار العديد من هذه السفن وناقلات النفط باتجاه ميناء بانياس السوري.
ووفقا للمزاعم الإسرائيلية، فإن الناقلات المرتبطة بإيران مسجلة لدى شركات وهمية حول العالم، وكشفت صور الأقمار الصناعية أنها انطلقت من إيران إلى ميناء بانياس في سوريا بصورة متخفية، حيث أطفأت أجهزة الإرسال الخاصة بها في محاولة للإفلات من المراقبة، لكن الأقمار الصناعية كشفت تفريغها النفط في سوريا.
خطوة غير عادية
وقال مراسل صحيفة “هآرتس” لشؤون السلاح والتكنولوجيا، عوديد يارون، إن هذه الخطوة تعد “غير عادية على الإطلاق” من جانب إسرائيل، التي شنت في الماضي حملة نشطة بوسائل عسكرية ضد تهريب النفط.
واستذكر يارون في تقرير له في “هآرتس” ما نسب إلى إسرائيل بإقدامها في مارس/آذار 2021، على إحباط تهريب النفط من إيران إلى سوريا بشكل منهجي، من خلال مهاجمة 12 سفينة على الأقل.
ولفت الصحفي الإسرائيلي إلى أن 8 ناقلات نفط تابعة لما أسماه “أسطول الأشباح الإيراني” قامت خلال عام 2023 بـ17 شحنة، بقيمة تزيد على مليار دولار، في انتهاك للعقوبات المفروضة على إيران وسوريا.
ورجح أن إسرائيل نفذت خلال عام 2023 عشرات الهجمات ضد سفن الشحن المختلفة المرتبطة بطهران، ويقدر أنها تسببت بأضرار وخسائر لإيران تقدر بمليارات الدولارات.
ويعتقد الصحفي أن معظم السفن المرتبطة بإيران والصادر بحقها أوامر مصادرة من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية قديمة ولا تتم صيانتها، مما يؤدي إلى حدوث تسربات وتلوث بيئي شديد، ومن أجل إخفاء مصدر النفط وحركته، يقومون بعمليات نقل خطيرة للنفط في وسط البحر، من سفينة إلى أخرى، دون اعتماد الرقابة والاحتياطات اللازمة.
وذكر أنه في عام 2021، حدث تسرب خطير من سفينة ليبية كانت تحمل النفط الإيراني إلى سوريا، وكانت تبحر على طول سواحل إسرائيل، وجهاز الإرسال الخاص بها مطفأ، وفي أعقاب التسرب، تمت تغطية 160 كيلومترا من ساحل إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط بالقطران.
وأوضح أن إسرائيل تتكتم على الأساليب التي ستعتمدها لضبط السفن المرتبطة بإيران، وإذا ما كانت ستعترضها أو تشن هجمات عليها خلال إبحارها، مشيرا إلى أن وزارة الدفاع امتنعت عن الكشف عن الإجراءات المحددة التي ستتخذها للاستيلاء على السفن الإيرانية، وإذا ما كانت ستقوم بالإجراءات بالتعاون مع أي دولة.
تحديات إضافية
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن المتخصص في الشحن، دانييل مارتن، قوله إن “العقوبات الإسرائيلية ليس لها قوة مثل تلك التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن هذه الأوامر الصادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلية، قد تجعل الأمر صعبا على المعنيين”.
ويعتقد مارتن أن الأوامر الصادرة عن غالانت والتي تم تعميمها وإيصالها للجهات الدولية ذات الصلة، تخلق تحديات إضافية لأصحاب السفن والمشغلين وشركات التأمين ومقدمي الخدمات الآخرين.
وأوضح المتخصص في الشحن أن الناقلات الـ18 تعمل وتبحر في الظلام، ولا تقوم بتشغيل أجهزة الإرسال الخاصة بها كما هو مطلوب، مدعيا أنها تبث موقعا زائفا للإبحار، وتبذل كل ما في وسعها لتجنب تتبع حركتها، سواء حيث ترسو لتحميل النفط أو حيث يتم تفريغه، وبعضها لم يقم بتفعيل جهاز التشخيص منذ سنوات.
ويقول مارتن إن هذه السفن تنتمي -على الورق- لمجموعة شركات من جميع أنحاء العالم، معظمها وهمية أنشئت فقط لأغراض تسجيل ملكية سفينة واحدة، وتبحر تحت أعلام متنوعة، بما في ذلك بنما، تنزانيا، بالاو، وجزر كوك.
ويبدو أن الأدلة التي تستند إليها أوامر المصادرة الإسرائيلية -بحسب ما يقول مارتن- “جاءت من عدة مصادر”، وتشير أوامر الضبط إلى أن بعض السفن تم تحديد موقعها أثناء قيامها بعمليات نقل في البحر من ناقلة إيرانية أخرى تدعى “ياسمين”، والتي تخضع بالفعل للعقوبات الأميركية.
ويضيف أن إحدى الناقلات التي فعلت ذلك هي “إيلين”، والتي بحسب ادعاءات وزارة الدفاع الإسرائيلية، كانت تنقل النفط من خزانات تابعة لفيلق القدس، وظهر اسم الناقلة في تسريب بيانات كبير لشركة “صحارى رعد” التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في أبريل/نيسان.