غزة.. إطلاق دليل أثري للقطاع والكشف عن بقايا مقبرة رومانية عمرها ألفا عام
أطلقت لجنة متابعة العمل الحكومي في غزة “دليلا أثريا” خاصا بالقطاع، وأعلن رئيس اللجنة عصام الدعليس -في مؤتمر صحفي عقده في متحف قصر الباشا الحكومي بمدينة غزة قبل أيام- أن إطلاق الدليل يهدف إلى “النهوض وتعزيز استثمار الوعي المجتمعي بأهمية وعظم وسمو الحضارة الفلسطينية”، ويحمل الدليل اسم “غزة هاشم بوابة الشام”.
وأضاف الدعليس: “يحمل الدليل في طياته حكايا وعشق شعب لأرضه ومقدساته وشرف الرباط عليها”.
وقال إن الدليل الأثري يحتوي على “الشواهد التاريخية للحياة العامة، من أسواق وخانات وأسبلة وحمامات عامة، وأسبطة (السباط ممر ضيق مقوس بين منزلين) وزوايا، ومقامات ومقابر أثرية”.
وأوضح الدعليس أن الدليل يُفرد مساحة مفصلة عن تاريخ المواقع الأثرية بشقيه الإسلامي والمسيحي، ويوثق جزءاً من الحضارة الإسلامية الأيوبية والمملوكية والعثمانية، إضافة إلى نماذج عن أنماط الحياة التعليمية والاجتماعية، من خلال دراسة تاريخ القصور والبيوت الأثرية”.
وأضاف: “الدليل يعد كنزا أثريا إستراتيجيا ومعرفيا، عن المعالم الأثرية والشواهد العمرانية التاريخية في قطاع غزة، ويُفصح عن أسرار المقتنيات الحضارية المكتشفة من واقع الحفريات والتنقيب الأثري في باطن الأرض وظاهرها”.
وذكر أنه سيتم “توزيع الدليل على المواطن الفلسطيني والمؤسسات التعليمية، والمكتبات العامة، ومؤسسات المجتمع المدني بكافة الوسائل”.
كما أعلن الدعليس -خلال المؤتمر الصحفي- عن تخصيص مبلغ مالي لتطوير متحف قصر الباشا بحي الدرج الذي يعود تاريخه إلى العصر المملوكي في زمن الظاهر بيبرس.
مقبرة رومانية قديمة
وبالتزامن جرى الكشف في غزة عن بقايا مقبرة رومانية عمرها ألفا عام، بينما كان عمال يحفرون في ورشة بناء ضخمة في جباليا شمال القطاع.
ورأى الحارس أحمد قطعة غريبة من الحجر تخرج من الأرض، ليتضح أنها بقايا مقبرة رومانية قديمة. وكانت جرافات مصرية تحفر التربة الرملية لتشييد مبانٍ خرسانية جديدة كجزء من الإسهام في خطة إعادة الإعمار، عندما رأى أحمد الأحجار الغريبة تخرج من الأرض.
ويقول هذا الفلسطيني الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه الكامل، “نبّهت رئيس العمال المصري الذي اتصل على الفور بالسلطات المحلية وطلب من العمال التوقف عن العمل”.
انتشرت عندها على شبكات التواصل الاجتماعي شائعات عن اكتشاف مهم محتمل، مما دفع بدائرة الآثار في غزة إلى الاتصال بمنظمة “الإغاثة الأولية الدولية” (Premiere Urgence Internationale) غير الحكومية الفرنسية، والمركز الفرنسي لدراسة الكتاب المقدّس والآثار في القدس، لتقييم أهمية الموقع وتحديد منطقة التنقيب.
وبعد أن وصل إلى جباليا، اكتشف الفريق بقيادة عالم الآثار الفرنسي رينيه إلتر مقبرة رومانية مدفونة منذ قرون في باطن أرض غزة.
ويوضح عالم الآثار لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الأعمال الأولى حددت حوالي 40 مقبرة تعود إلى العصر الروماني القديم بين القرنين الأول والثاني بعد الميلاد”.
ويشير إلى أن “المقبرة أكبر من هذه القبور الأربعين، ويُتوقع أنها تحتوي على ما بين 80 و100 قبر”، لافتاً إلى أن إحدى المقابر المكتشفة مزينة “بلوحات متعددة الألوان تمثل تيجاناً وأكاليل من أوراق الغار”، إضافة إلى “جرار مخصصة لإراقة الشراب الجنائزي” .
وكانت هذه المقبرة متاخمة لمدينة أنثيدون الرومانية، ثاني مرافئ غزة حينها على الطريق المؤدية إلى ما بات حاليا مدينة عسقلان الواقعة عند تخوم القطاع الفلسطيني.
وتشكل قضايا الآثار موضوعات سياسية للغاية في الأراضي الفلسطينية، ولدى إسرائيل ترسانة من علماء الآثار يكشفون عن عدد لافت من الكنوز القديمة، بينما لا يزال هذا القطاع متأخراً إلى حد كبير في غزة.
ويقول إلتر “مع ذلك، لا توجد فروق بين ما يمكن أن تجده في غزة وعلى الجانب الآخر من السياج”، مضيفا “في غزة، اختفت مواقع كثيرة بسبب الصراع.. لكن المنطقة تشكل موقعا أثريا ضخما يتطلب فرق خبراء كثيرة”.
وقد أقيمت أسوار حول المقبرة الرومانية التي يراقبها الحراس باستمرار، فيما يواصل العمال تشييد طبقات خرسانية في المباني المجاورة قيد الإنشاء.
ويوضح جمال أبو رضا مدير الخدمات الأثرية المحلية التي تضمن حماية المقبرة حتى يناير/كانون الثاني 2023، “نحاول مكافحة تهريب الآثار داخل غزة وخارجها”، مبديا الأمل في إيجاد متبرعين لتمويل الحفريات.
في غزة، السكان معتادون على دفن الموتى أكثر من نبش القبور، إذ شهد القطاع الصغير عدة حروب وتوترات متكررة في السنوات الأخيرة.
ويقول مدير منظمة الإغاثة الأولية الدولية غير الحكومية في قطاع غزة جهاد أبو حسان إن تاريخ غزة مليء بالكنوز الأثرية التي تجب حمايتها للأجيال المقبلة.
ويوضح أبو حسان “يتجنب البعض إبلاغ السلطات عن الاكتشافات الأثرية في مواقع البناء، خوفا من عدم الحصول على تعويض” في حالة التوقف عن العمل، و”بالنتيجة نفقد مواقع أثرية كل يوم”.
ويضيف “من هنا تأتي أهمية إستراتيجية الدفاع عن التراث” للحفاظ على التاريخ وتدريب علماء الآثار المحليين.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، ساعدت منظمة الإغاثة الأولية الدولية غير الحكومية في تدريب 84 فنيا في علم الآثار، من أجل إعداد الجيل المقبل وتوفير فرص عمل، بينما تتجاوز البطالة 60% من الشباب.
ومن النجاحات النادرة في هذا المجال: الحفاظ على دير القديس هيلاريون البيزنطي، وهو الأكبر في الشرق الأدنى، ويمتد على مساحة هكتارين في تل أم عامر جنوب غزة.
هذا الموقع المفتوح للجمهور منذ بضع سنوات أخذ اسمه من راهب ناسك عاش في القرن الرابع في غزة، ويتضمن ردهة وحمامات بالإضافة إلى 4 كنائس متراكبة.
ويقول عالم الآثار الفلسطيني فاضل العتول (41 عاما) الذي أصبح شغوفا بالآثار القديمة عندما كان مراهقا أثناء جلوسه في موقع عند سفح مخيم للاجئين، “نستقبل حوالي 14 ألف زائر سنويا، بمن فيهم تلامذة مدارس”.
ويضيف أثناء تجواله في موقع دير القديس هيلاريون أن حلمه هو “إجراء حفريات في جميع المواقع الأثرية في غزة، وجعلها في متناول الجمهور، لمشاركة تاريخ غزة وثقافتها مع العالم”.