تضمن مشاهدة فيلم “ليفت بيهايند: صعود المسيح الدجال” (Left Behind: Rise of the Antichrist) الكثير من الإثارة التي لا تنبع من أحداث العمل فحسب، بل تتعلق بما يحدث حولنا ويؤثر على حياتنا بشكل مباشر، وخاصة التحولات السياسية والمجتمعية الحادة التي يمر بها العالم حاليا.

المخرج والممثل المشهور كيفن سوربو قدم الجزء السادس من أفلام “ليفت بيهايند” التي تسرد أحداث آخر الزمان التي يظهر فيها المسيح الدجال قبل نزول المسيح للقضاء عليه، وحل سوربو بهذا الجزء بدلا من نيكولاس كيدج الذي حقق نجاحا كبيرا في الجزء السابق والذي عرض عام 2014 وحقق إيرادات بلغت 30 مليون دولار من دور العرض فقط، بينما لم يتجاوز الجزء الجديد والصادر بداية فبراير/شباط أكثر من 4 ملايين حتى الآن.

 

وقد أثارت الدراما الروائية والسينمائية الكثير من اللغط بين النقاد، وتعليقات الجمهور المسيحي المتدين، بل وبعض رجال الدين أيضا بسبب اختلاف التفسيرات للنصوص الدينية والاختلافات المذهبية.

أخذت السلسلة السينمائية بأفلامها الستة عن سلسلة روائية تتكون من 16 رواية للكاتبين تيم لاهاي وجيري بي جنكيز نشرت منتصف التسعينيات، وحققت مبيعات تجاوزت 80 مليون نسخة، وتركت بصمات حقيقية في ذهنية الجيل الذي ينتابه الرعب حتى الآن حين يتخيل الحدث الدرامي الأبرز في أفلام “ليفت بيهايند” وهو اختفاء ملايين البشر، وعدم قدرة الأطفال على العثور على آبائهم بعد اختفائهم.

يحتوي الجزء الجديد من سلسلة “ليفت بيهايند” الكثير من الحكايات التي تتبنى نظرية المؤامرة، وخاصة حول لقاح كورونا وغيره من الأحداث العالمية التي نسبت لأطراف غامضة كالأمراض والزلازل واختفاء الطائرات واختطاف البشر.

وتجد تلك التفسيرات الخاصة بلقاح كورونا وغيره من اللقاحات وبعض الأمراض الجديدة صدى لها على أرض الواقع من قبل بعض المتدينين ومؤيدي التوجه المحافظ سياسيا واجتماعيا في أميركا، لذلك رآه البعض انعكاسا لتلك الرؤى، خاصة أن تمويل إنتاج العمل والسلسلة بكاملها يأتي من خارج المنافذ المعتادة للتمويل، حيث قام أفراد وجهات غير سينمائية بتمويل إنتاجه.

نبوءة كارثية

يبدأ العالم في استعادة قدرته على الاستمرار، وتدب الحياة مرة ثانية في المجتمعات بعد إغلاق تام 6 أشهر عقب اختفاء ملايين الناس وانهيار الأسواق المالية والحكومات. يدعي شخص أن موجة جديدة من الاختفاء سوف تحدث قريبا، لكن مذيع الأخبار باك وليامز (غريغ بيرو) يواجه هذه النبوءة ويعتبرها كاذبة. ويواجه معارضة من قبل رئيس القناة الاخبارية ستيف بلانك (كوربين بيرسن) وشبكته، فيقرر المذيع التعاون مع الهاكر ديرك بيرتون (ستافورد بيري) فيكتشفان مؤامرة للسيطرة على المعروض النقدي العالمي بقيادة الملياردير الإعلامي جوناثان ستوناجال (نيل ماكدونو).

يبدأ السرد الفيلمي باستعراض للفوضى التي تسود العالم، والأسئلة الكثيرة حول اختفاء البشر، ويعرض مشاهد ازدحام بشري رهيب بالتبادل مع التساؤلات التي يطرحها المذيع من خلال الشاشة، ويعرض بعض معالم مدينة القدس في لقطات قليلة، بالإضافة إلى مظاهرات في أماكن مختلفة بالولايات المتحدة وخاصة مدينة نيويورك ومحاولات قوات الأمن للحد من امتداد تلك المظاهرات.

ورغم العرض التقريري الذي يؤسس للبناء السردي ويعد مقدمة للأحداث التالية، فإنه يكشف عن تصور قاصر يعتبر العالم هو الولايات المتحدة فقط ويضيف إليها الامتداد العقائدي المتعلق بالقدس.

ولكل شخصية في العمل قصتها مع التوبة أو اللجوء إلى الله في لحظات المحنة، وتؤكد المصطلحات المستخدمة في حوار الفيلم على هوية العمل الذي أورد فكرة اختفاء البشر خلال الحرب العالمية التي تشن بين معسكرين على أنها دعوة القدير إلى أحبابه حسب الفيلم، وبالتالي تغييبهم عن الأرض، وهو المعنى نفسه الذي جسده فيلم “2012” عام 2009، للمخرج رولاند إيمريش، حين تحدث الكارثة فيختفي الصالحون ولا تظهر على الأرض إلا جثث غير الصالحين.

ينقسم العالم إلى معسكرين في تلك المرحلة، أولهما يقوده نيكولاي كارباثيا (بيلي تشيس) الذي يسيطر على العالم بأسره، بصفته الأمين العام للأمم المتحدة، ثم بصفته الحاكم الأقوى للمجتمع العالمي، وأخيراً بادعاء الألوهية، ويدخل إلى حرب نهاية العالم (هرمجدون) ويحاصر القدس.

يقود المعسكر الثاني رايفورد ستيل (سوربو) الذي نشأ في أسرة متواضعة، لكنه حقق العديد من النجاحات وأصبح طيارا مقاتلا، وكون أسرة. لكنه يشعر بالتقصير تجاه دينه، وبعد تعرضه للموت يعلن توبته ويقرر مواجهة كارباثيا أو المسيح الدجال.

بساطة القصة

ينتهي الفيلم الذي يدور في مدينة ما بعد حداثية، لا تظهر سماؤها بسبب ناطحات السحاب، بعظة كنسية، ونص من الكتاب المقدس، وهي نهاية تؤكد استعانة الكنيسة الأميركية بأدوات التكنولوجيا والفن في الدعاية الدينية، ولكنها لا تشير إلى نجاح التجربة السينمائية.

وكان قرار بطل العمل ستيل الشخصي هو القيام بقتل المسيح الدجال، وهو في واقع الحياة -طبقا لسياق الفيلم- رجل سياسة ورئيس للأمم المتحدة، ورغم السياق العام الذي يدعم فكرة القضاء على هذا الشرير إلا أن الرسالة المتوقع وصولها للمشاهد هنا ملخصها استخدام العنف الفردي مع الخصوم خارج سياق الفيلم، خاصة أن القتل هنا لأسباب دينية بالأساس، وأغلب الظن أن ظهور مثل هذه الفكرة في فيلم عربي كفيل باتهام صاحبها بالدعوة للإرهاب.

الدراما الأسرية والعلاقات الشخصية، سواء في أسرة ستيل وزوجته التي لجأت إلى التدين في وقت سابق، أو انحراف ابنه ريمي، أو علاقة الابنة كلوي بمنتج ومذيع الأخبار، جميعها ظهرت كما لو كانت مصنوعة خارج العمل أو أجزاء فائضة عن حاجة الدراما الكونية التي يموت خلالها ملايين البشر ويختفي آخرون، ويعيش خلالها الناس نهاية العالم.

وقد ظهرت القصة الإنسانية في الفيلم أشبه بمجسم صغير، حاول صناع العمل إمداده بتفاصيل هائلة لم يستطع احتمالها، فانفجر، وتناثرت المواعظ والعبر والنصوص، وخرج هذا العمل على أنه منتج يقف في منطقة وسطى بين الفيلم والخطاب الديني المباشر عبر الشاشة.

المصدر : الجزيرة

About Post Author