السيسي خلال اجتماعه مع مسؤولي التصنيع العسكري لبحث تطوير القطاع (صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية)

السيسي خلال اجتماعه مع مسؤولي التصنيع العسكري لبحث تطوير القطاع (صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية)

القاهرة- “تصنيع السلاح محليا”، على مدار نحو 7 عقود راود هذا الحلم مخيلة المصريين خاصة في ظل محاولات التوسع الصناعي التي شهدتها الحقبة الناصرية، لكن رويدا رويدا تراجع هذا الحلم مع هيمنة السلاح الأميركي على ترسانة السلاح المصرية.

ومع تقلبات العلاقات المصرية الأميركية واستخدام واشنطن للسلاح كورقة ضغط على القاهرة، ووسط مطالب داخلية بامتلاك السلاح محليا كأحد أهم مطالب استقلال القرار الوطني؛ تتجدد آمال المصريين بشأن امتلاك السلاح محليا، لكنها غالبا ما تصطدم بواقع أزمات اقتصادية ربما تجعل الحل بعيد المنال حاليا.

 

في هذا السياق، جدد حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن تطوير التصنيع العسكري وتوطين التكنولوجيا المتقدمة في هذا القطاع تساؤلات حول مدى امتلاك بلاده القدرات والإمكانيات اللازمة التي تجعلها تتميز في الصناعات العسكرية، وهل تكفيها هذه المرة للتغلب على عقبات وتحديات واجهتها خلال العقود الماضية؟

خلال اجتماعه مع الفريق أحمد خالد توفيق قائد القيادة الإستراتيجية والمشرف على التصنيع العسكري، والعقيد أحمد عادل مجاهد من القيادة الإستراتيجية، وجّه السيسي بمواصلة جهود دعم قطاع تطوير التصنيع العسكري والدفاعي على المستوى الوطني، ونقل وتوطين التكنولوجيا المتقدمة في هذا الإطار، بما يساعد على تحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانات والخبرات المتراكمة التي تمتلكها مصر، حسب بيان للرئاسة المصرية الأسبوع الماضي.

وبجانب صفقات تسليح ضخمة ومتطورة من مصادر متنوعة، اتخذت القاهرة في السنوات الأخيرة خطوات لإحياء الصناعة العسكرية الوطنية من خلال مبادرات الإنتاج المشترك، وإن كانت -وفق مراقبين- لم ترقَ بعد للتطلعات المأمولة.

وقد يبدو أن هذه الصفقات كانت سببًا رئيسًا من جملة أسباب أخرى، في المساهمة في بقاء وضعية الجيش المصري في مرتبة متقدمة من بين أقوى جيوش العالم، إذ إنه الـ12 عالميًّا من قائمة تضم 142، والأقوى عربيًّا وفي الشرق الأوسط، وفق آخر تحديث لتصنيفات القدرات العسكرية غير الرسمية 2022 لموقع “غلوبال فاير باور”.

 

وإلى جانب الدور الكبير لوزارة الدفاع في الاقتصاد العسكري الرسمي، تعنى بالصناعات العسكرية جهتان رسميتان، يمتد نشاطهما أيضًا إلى السلع والخدمات المدنية.

  • الأولى: الهيئة القومية للإنتاج الحربي (تأسست 1984)، وتتبع وزارة الإنتاج الحربي التي تأسست عام 1954، وحققت شركاتها إيرادات في العام المالي 2021/ 2022 تقدر بنحو 26 مليار جنيه، في مقابل نحو 20 مليارًا في العام السابق له.
  • الثانية: هي الهيئة العربية للتصنيع وتأسست عام 1975 بتعاون بين مصر وقطر والسعودية والإمارات، لبناء قاعدة تصنيع دفاع عسكري مشترك، قبل أن تتحول ملكيتها بالكامل لمصر في التسعينيات، ولم يتسن معرفة إجمالي الإيرادات السنوية لشركاتها الناشطة اقتصاديا.

70 عاما من الآمال المعلقة

  • تعد صناعة الدفاع المصرية الأقدم والأكبر في العالم العربي، ومع ذلك فإن أغلب مخرجاتها سلع وخدمات استهلاكية هادفة للربح، وفق مراقبين.
  • منذ خمسينيات القرن الماضي، أثرت عوامل داخلية وإقليمية ودولية على أداء صناعة الدفاع المصرية التي شهدت منحنيات نمو متعرجة.
  • في الخمسينيات والستينيات أسهم الدعم السوفياتي لنظام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، في النمو السريع للصناعة العسكرية المصرية.
  • تأثر قطاع التصنيع العسكري سلبًا بين عامي 1967 و1973 وهي الفترة التي شهدت حروبًا عربية إسرائيلية.
  • أسهمت معاهد السلام المصرية الإسرائيلية (1979) برعاية أميركية، في توسع تكنولوجيا التسليح المحلي، بدعم غربي.
  • بداية الثمانينيات مثلت باكورة الاعتماد المصري الكامل على التمويل العسكري الأميركي، لإعادة بناء الجيش المصري.
  • اتسمت فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك بتدهور التصنيع العسكري، حيث تحول نشاط المصانع الحربية التي لم تغلق إلى تصنيع منتجات مدنية للاستهلاك المحلي.
  • بداية من 2014 عجَّل الموقف الأميركي غير الموثوق به من قبل القاهرة (خاصة الكونغرس) بسبب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي صيف 2013، إلى جانب أسباب أخرى، بتحول الدفة المصرية إلى ترسانات عسكرية بديلة، دون فض الشراكة الإستراتيجية العسكرية مع واشنطن.
  • لم تتجه المصانع الحربية نحو تصنيع جاد، واستمرت في التوسع في إنتاج السلع والخدمات الاستهلاكية، كما زادت من وتيرة سيطرتها على قطاعات وشركات الأعمال، حسب مراقبين.
  • بين عامي 2015 و2019 تضخمت مشتريات مصر من الأسلحة، وأصبحت ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، وثاني أكبر مستورد في الشرق الأوسط وأفريقيا بعد السعودية.
  • أوخر 2021، احتضنت القاهرة معرض الصناعات الدفاعية والعسكرية “إيديكس” (EDEX)، كان الجناح المصري يمثل 15% من إجمالي معروضاته.
  • قدم الجناح أكثر من سلاح يواكب التكنولوجيا الحديثة مثل مسيّرة محلية الصنع وروبوت لكشف الألغام ومجموعة ذخائر وقاذفات متنوعة، إلا أن هذه التشكيلة لم ترق إلى نوعية التسليح المتطور على غرار الطائرات والدبابات والصواريخ.

خطة العصار

  • في فبراير/شباط 2020 أعلن وزير الإنتاج الحربي الراحل محمد العصار عن خطة مدتها 3 سنوات، لتعزيز التصنيع المحلي للأسلحة، لزيادة قدرات الجيش وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بالإضافة إلى هدف رئيسي هو أن تصبح مصر مصدرة للأسلحة إلى جيرانها الأفارقة.
  • استهدفت الخطة، استثمار 7.3 مليارات جنيه، لتلبية احتياجات القوات المسلحة خلال الفترة من 2020 إلى 2030، وتوجيه الفائض للتصدير في الفترة من 2025 إلى 2030.
  • وشملت الخطة تعميق التصنيع المحلي، وزيادة دور البحث التقني، وإقامة تعاون مع الشركات العالمية، واستكمال تطوير وتأهيل خطوط الإنتاج، وتطوير خطوط إنتاج المتفجرات، والذخائر بجميع أنواعها ومكوناتها.
  • كذلك إطلاق نظام دفاع جوي متكامل متوسط المدى، وإنتاج دبابة مصرية، وتصميم وتصنيع نظام حماية المركبات القتالية المدرعة ورادارات ثلاثية الأبعاد.
  • نظرًا للسرية التي تحيط بالتصنيع العسكري -بخلاف صفقات التسليح- لم يتسن معرفة ما وصلت إليه هذه الخطة الطموحة على أرض الواقع.

أبرز الصناعات الحربية

حسب بيانات وتقارير رسمية وصحفية، فإن أبرز الصناعات الحربية المصرية (مكونات كاملة/ تصنيع مشترك)، تتمثل في:

  • مصنع 300 الحربي بشركة أبو زعبل للصناعات المتخصصة في ذخائر الأسلحة المتعددة الصغيرة والمتوسطة والقذائف، ورغم دخول المصنع حيز التنفيذ عام 2005 فإن إنتاجه بدأ عام 2020.
  • الطائرة “نوت” (NUT)، أول طائرة مسيرة مصرية، تستخدم للاستطلاع التكتيكي وجمع المعلومات، ومجهزة بكاميرا بصرية/ تلفزيونية، لكن تقارير صحفية سبق أن شككت في كونها صناعة محلية بالكامل.
  • نجحت مصر في تصنيع طائرة مُسيَّرة حملت اسم “30 يونيو”، وهي طائرة استطلاع وتنفيذ مهام قتالية محدودة تصل سرعتها إلى 218 كيلومترا في الساعة، ويمكنها البقاء في الجو لمدة 60-70 ساعة.
  • دبابة القتال الرئيسية “أبرامز” (M1A1) بالتعاون مع شركة جنرال ديناميكس الدفاعية الأميركية.
  • دبابة النجدة (m88 A2) هرقل، بالتعاون مع شركة يونيتد ديفنس الأميركية.
  • مركبتي قتال ونقل الجنود، ومقطورة نقل عملاقة لنقل الدبابات والأسلحة الثقيلة، ومدفع ميداني.
  • نظم تسليح الصواريخ والهاونات والمدافع.
  • أسلحة خفيفة تشمل بنادق ورشاشات وقاذفات.
  • ذخائر ومفرقعات وألغام.
  • عربات تطهير ومهمات وقاية وأقنعة واقية.
  • على مستوى التسليح البحري أسفر مجال التصنيع الحربي المشترك عن تصنيع 3 فرقاطات، ولنشات المرور الساحلي، وعشرات القطع البحرية.
  • الأسبوع الماضي، وقعت الهيئة العربية للتصنيع اتفاقية تعاون مع شركة الصناعات الفضائية الكورية (KAI) لتوطين تكنولوجيا تصنيع طائرات التدريب المتقدم والدعم الأرضي، من أجل تلبية احتياجات القوات المسلحة المصرية والتصدير إلى دول ثالثة.

التحديات والفرص

حسب تقرير سابق لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط (مقره واشنطن) وآخر تحديث لغلوبال فاير باور (2022)، فإن أبرز التحديات والفرص المتاحة لمصر في مجال التصنيع العسكري؛ تتمثل في:

  • تعد مصر دولة بها قوة عاملة عسكرية كبيرة، إذ يقدر إجمالي الأفراد العسكريين بمليون و230 ألفًا من مجموع السكان الذي يزيد على 100 مليون نسمة.
  • الإشراف المدني الضئيل على المشاريع العسكرية.
  • تقدر ميزانية الدفاع بما يزيد على 4 مليارات دولار أميركي.
  • مصر ليست ضمن أكبر 45 ميزانية دفاعية في العالم، حيث تحتل المركز 47 من 142 دولة، رغم صفقات التسليح الكبيرة في السنوات الأخيرة.
  • ضعف الإدارة، ومشكلات تدريب القوى العاملة، والتسويق السيئ أدى إلى كميات هائلة من عدم الكفاءة أعاقت باستمرار محاولات إطلاق صناعات مكتفية ذاتيا.
  • على سبيل المثال، عرض في إيديكس 2021 بالجناح المصري 3 خطوط منفصلة ومتنافسة من المركبات المدرعة، وبعض المنتجات عفا عليها الزمن على الرغم من طرحها للتو.
  • التحدي الأكبر يتمثل في كون محاولات بناء قدرات إنتاج عسكري موثوقة، تستند إلى تقييمات غير واقعية للقيادة السياسية بدلاً من التقييمات الرصينة للجدوى والحاجة.
  • الاعتماد على مصادر متنوعة في التسليح في السنوات الأخيرة، لا يبني علاقات إستراتيجية وثيقة لتأميم التقنيات الأجنبية الحساسة أو تجاوز لوائح معاهدات الأسلحة متعددة الأطراف.
  • في تنويع مصادر التسليح يتم تقويض الصناعات الوطنية.
  • الافتقار إلى القوة المالية لفرض عمليات نقل التكنولوجيا مثل جيران مصر في الخليج.
  • يجب أن تقوم الإستراتيجية طويلة الأجل على تأميم المكون الفرعي وتعديل أنظمة الأسلحة القديمة، وتلبية المتطلبات المنخفضة التكلفة، وجذب المشترين من أسواق التصدير ذات المتطلبات المماثلة عبر أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
المصدر : الجزيرة

About Post Author