الرباط – في رواية “قدر الحساء” الصادرة أخيرا لمؤلفها الروائي المغربي محمد سالم الشرقاوي يتعرف القارئ على المجتمع الصحراوي في المغرب، وعلى عاداته وتقاليده ونمط عيشه وقيمه.

هذه الرواية هي الجزء الثاني بعد “إمارة البئر” باكورة أعمال الكاتب في أدب الصحراء والموسومة بـ”ثنائية السيرة والخلاص”.

 

تدور الأحداث في قبيلة صحراوية اسمها “اعرابات” تستقر في منطقة بئر السبع حيث أقامت حياتها حول بئر الماء الوحيد في المنطقة.

غير أن نضوب ماء البئر جعل الأهالي يختلفون في كيفية تدبير هذه الأزمة، بين من فضّل البقاء في القبيلة واستدعاء خبير لحل المعضلة، ومن آثر النزوح إلى جوار ولي صالح استدرارا لبركته.

وفي خضم حالة الاستقطاب والخلاف بين النازحين والمتشبثين بالبقاء، تظهر تقاطعات ينساب معها السرد بلغة أهل الصحراء، وخلالها يكتشف القارئ نمط عيش هذا المجتمع وعاداته وطقوسه ونظرته إلى الأرض والحياة والكون، وتفاعل المجموعات البشرية مع البيئة الصحراوية وما ينتج عن هذا التفاعل من علاقات وصراعات.

في “قدر الحساء” يقرّبنا الكاتب أكثر إلى مجتمع النساء الصحراويات حيث تجتمع النساء ساعات حول القدر، يتبادلن الحديث في المعضلات المطروحة في خيمة الرجال، ونتعرف على دورهن في حماية ثقافة مجتمعهن وقيمه وإسهامهن في حراسة الأعراف والتقاليد.

يقول الروائي محمد سالم الشرقاوي للجزيرة نت إن روايته الجديدة “قدر الحساء” تشكّل مع شقيقتها “إمارة البئر” الصادرة سنة 2015 ضلعي الثنائية السردية الموسومة بالسيرة والإخلاص.

 

ويضيف الكاتب وهو من مواليد البويرات (إقليم أسا الزاك) بالصحراء الغربية “أنا كذلك ابن بيئتي، وُلدت في واد غير ذي زرع، في صحراء لبطانة جنوب المغرب، أستمد منه روحي وذكرياتي، لأنقلها إلى قرّائي، بهمة وتواضع وتؤدة لا تحجب عني أخطائي، سوى ما تناثر منها ليسّاقط رطبا جنيا، ينفع الناس ويضيف إليهم من المعارف ما يساعدهم على فهم الصحراء وتناقضاتها، حين تحمل حنانها في قسوتها، وجمالها في وحشتها وثرائها في ندرتها”.

سردية فتية

شهد العقدان الأخيران نشر أعمال سردية لمبدعين وكتّاب حاولوا تقريب مجال الصحراء بامتداداته الطبيعية والجمالية والثقافية من القرّاء، وقد أسهم ذلك في إغناء المتخيل السردي المغربي بتفاصيل عن نمط الحياة في ذلك الفضاء مع ما يكتنفه من غموض وسحر وقسوة ورهبة وجمال وجلال.

يرى الروائي الشاب أحمد بطاح أن الكتابة الأدبية عن الصحراء وخاصة الرواية ما زالت فتية، إذ لم تظهر إلا سنة 1997 مع عرّاب الرواية الصحراوية أحمد القاري وعمله السردي المعنون بـ”لا أحد يعرف ما أريده”.

وبعدئذ -يضيف بطاح- توالت النصوص الروائية إلى أن بلغ عددها اليوم نحو 30 نصًّا، وذلك جعل الرواية الصحراوية تتخذ لنفسها موطئ قدم في الأدب المغاربي المعاصر.

المغرب/ الرباط/ سناء القويطي/ الكاتب الروائي الشاب أحمد بطاح
الكاتب الروائي الشاب أحمد بطاح ينوّه بمكانة الرواية الصحراوية في الأدب المغاربي المعاصر (الجزيرة)

وللروائي الشاب أحمد بطاح المنحدر من جنوب المغرب 3 روايات اثنتان منها اتخذتا من الصحراء فضاء للسرد هما:  “الحب الآتي من الشرق” و”رجل لا أثر له يسكنني”.

وفي نظر بطاح فالرواية الصحراوية بالمغرب هي تلك التي كتبت  في مجال جغرافي محدود بالأودية الثلاثة: وادي نون ووادي الذهب ووادي الساقية الحمراء جنوب المغرب، لذلك يفضّل تسميتها برواية الوديان الثلاثة، وهي تشترك في نظره في جملة مقومات مع مجال آخر أشمل هو مجتمع البيضان أو المجتمع الحساني الذي يضم أيضا شمال موريتانيا وجزءا من الجزائر والسينغال ومالي.

واشتغلت الرواية الصحراوية على موضوعات متنوعة: اجتماعية، وفلسفية، وسياسية وثقافية، لذلك يخلص المتحدث إلى أنها ” تمضي في مسارها الصحيح ولو أنها ما زالت تعيش مرحلة التجريب” وفق تعبيره.

تراكم أدبي

من جهته، يرى الكاتب والروائي محمد سالم الشرقاوي أن التراكم الأدبي المسجل في العقود الأخيرة يمكن البناء عليه لتدشين مسارات بحثية تشتغل على خصوصية الأدب المُنتج في بيئة صحراوية رغم المآخذ التي يسجلها النقاد، أحيانا، عن مدى احترام الأعمال المُنتجة لمعايير البناء السردي المعروفة في القصة والرواية، والسيرة والخاطرة وغيرها من الأجناس الأخرى.

غير أن الحاجة إلى حماية الرواية الشفوية المحفوظة في صدور الرجال والنساء في الصحراء، ونقلها إلى أثر مكتوب يستفيد منه الباحثون والمهتمون في المدارس والجامعات قبل رحيل أصحابها لا ينبغي أن يُبنى على التسرع والارتجال كما يقول الشرقاوي، مؤكدا ضرورة تشجيع الكتاب والمبدعين على مزيد من المثابرة والاجتهاد، والاعتراف لهم بشرف المحاولة.

شجرة أنساب عريقة

يرفض الكاتب والإعلامي لحسن العسبي حصر ما يمكن وصفه إجرائيا بـ”أدب الصحراء” بالمغرب في الأعمال الروائية أو القصصية أو الشعرية الجديدة الصادرة في العقدين الماضيين.

ويرى أن أثر إبداع أبناء الصحراء ضمن الثقافة المغربية أقدم من ذلك بكثير، مشيرا في هذا الصدد إلى “أدب الرحلات” الذي أنتجته أجيال من كبار كتّاب الصحراء وفقهائها مثل: أحمد المصطفى بن طوير الجنة، وابن بابا التيجاني، والشيخ ماء العينين، ومحمد يحيى الولاتي، والشيخ مربيه ربه ماء العينين، وكذا القصائد الشعرية المقاصدية الكثيرة التي تكون مواضيعها إما طبية أو نباتية أو سياسية أو اجتماعية، إلى جانب الشعر الحساني في مختلف ضروبه، بخاصة ذلك الصادر عن ثقافة البيضان، وكذلك شعر التغزل النسائي المسمى (التبراع).

بهذا المعنى، فالإنتاجات الأدبية الجديدة من رواية وشعر وقصص صادرة بأقلام جيل جديد من الكتّاب المغاربة المنتمين للثقافة الصحراوية ليست إلا جزءا من كل، وفرعا من شجرة أنساب عريقة للأدب الصحراوي المغربي.

 

ثقافة مدينية وعالمة

ويلاحظ العسبي أن هذا الأدب الجديد المصنف ضمن خانة الأدب الصحراوي صادر عن ثقافة مدينية، عكس كل “ريبرتوار” الأدب الصحراوي الأقدم في المغرب، الذي هو “أدب بدوي بالدرجة الأولى”.

ويضيف أن مبدعي هذا التيار الأدبي الجديد يصدرون عن ثقافة عالمة لا عن ثقافة شعبية، كونهم من خريجي معاهد الدراسات العليا والكليات الجديدة، الذين احتكّوا بالآداب العالمية أكثر، وذلك جعل ذائقتهم الأدبية مختلفة عن سابقيهم من مبدعي “أدب الصحراء” بالمغرب.

ويشير إلى أن هؤلاء الكتاب الجدد ينطلقون من خصوصية أدبية وثقافية، لها مرجعيتها المتمايزة اليوم، وهي مرجعية مسنودة برؤية معرفية، تنظر إلى العالم وإلى العلائق من موقع تراكم تجربة ثقافة الصحراء، التي هي سلسلة ممتدة في الزمن من التجارب الإنسانية التي أفرزها شكل تفاعل الإنسان مع محيطه الصحراوي، المختلف ثقافيا وسلوكيا عن ثقافة الجبل أو ثقافة البحر أو ثقافة السهول الفلاحية الخصبة.

ويسير هذا التراكم الأدبي السردي الصحراوي في اتجاه إغناء الأدب المغربي والذائقة الأدبية المغربية على نحو يضفي عليه خصوصية لافتة ضمن مجموع التجارب الأدبية المتوسطية والأفريقية.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *