تقول الأسطورة إن نهر ليوبليانكا في سلوفينيا بأوروبا الوسطى يحوي كنزا تناثرت أركانه في المياه، وهو ما جعله مكانا ليس للبحث عن رؤية مجرى مائي جميل فحسب، بل للعثور على ذلك الكنز المفقود منذ مئات السنين.
ومع زيادة عمليات الغطس في النهر بحثا عن الكنز المفقود، تدخّل البرلمان السلوفيني وأصدر تشريعا يؤكد الأهمية الثقافية للنهر في البلاد ويحظر الغوص فيه من دون ترخيص من أجل المحافظة على المجرى النهري في البلاد.
وأكثر ما يميز هذا النهر هو الارتباط الكبير بينه وبين القاطنين في ليوبليانا، فهو ملتقى للفنانين وجلسات السمر، ولا تكاد تخلو ضفافه المتقاربة من الجالسين والمارة طوال فترات اليوم.
سلوفينيا تلك الدولة الأوروبية الساحرة تتميز عاصمتها ليوبليانا بأنها أكثر عواصم العالم خضرة في العالم، فأينما يممت وجهك تجد المساحات الخضراء، والحدائق المفتوحة، كما تتميز المدينة، التي تعتبر من بين أصغر العواصم الأوروبية، بأنها مركز ثقافي مهم، وتضم كثيرا من المزارات الثقافية والتاريخية، وتعكس مبانيها ومعالمها مسيرة تطور البلاد من عصور ما قبل التاريخ إلى وقتنا الحالي.
البلدة القديمة
وفي البلدة القديمة التي يقسمها نهر “ليوبليانكا” إلى نصفين وتتلاقى فقط عند الجسور القديمة، تجد المباني والشوارع وكأن التاريخ قد توقف هنا عشرات السنين، فلا يزال وسط المدينة يحافظ على طابعه التاريخي بشكله المعماري القديم، وتكاد تخلو هذه المنطقة من الأبراج الشاهقة أو المباني الحديثة، لترسم صورة تاريخية عن شكل الحياة في تلك المنطقة قبل قرنين من الزمان.
ويعتبر ميدان “بريسيرنوف ترغ” هو محور المدينة القديمة ولا يخدم فقط كهمزة وصل بين منطقة المركز والبلدة القديمة، ولكنه نقطة الالتقاء المفضلة في المدينة، ويهيمن على الميدان نفسه النصب التذكاري للشاعر الوطني فرانس بريسيرين، وإلى الجنوب مباشرة من التمثال يقع جسر ترومستوفيش الثلاثي.
ويعود بالفضل في الشكل المعماري للعاصمة السلوفينية إلى المعماري التاريخي في البلاد خوسيه بليسنيك الذي صبغ المدينة بصبغة تراثية جعلتها تبدو وكأنها متحف كبير.
قلعة ليوبليانا
ومن أبرز معالم العاصمة السلوفينية أيضا قلعة ليوبليانا التي كانت قبل 8 قرون مقرا لحكام البلاد وملوكها، نظرا لموقعها الإستراتيجي، حيث بنيت على أعلى قمة.
وقد مرت بالقلعة عديد من الكوارث، حولتها إلى ركام.. إلا أن ارتباط أهلها بها جعلهم يعيدون تشييدها بطرازها القديم نفسه، وتعد قلعة ليوبليانا، الوجهة الأولى لكل زوار العاصمة، ومن خلالها يمكن للزائر التعرف على المدينة بشكل كامل، فمن أعلى قمتها يرى الزائر جميع أركان العاصمة وضواحيها، ويطلع على الطبيعة الخضراء لتلك الدولة الواقعة في وسط أوروبا.
تغيرت استخدامات القلعة العجوز على مدار 8 قرون، ففي البداية كان استخدامها من قبل حكام منطقة ليوبليانا، وفي بعض الأحيان استخدمت حامية، وأحيانا سجنا، وأحيانا أخرى قاعدة عسكرية أو مستشفى عسكريا، وفي ستينيات القرن الماضي استخدمت مأوى للعائلات الفقيرة، والآن تعد الوجهة الأكثر شعبية للسكان المحليين والأجانب أيضا.
حارس المدينة
لا يضل أحد الطريق إلى القلعة، فعند الوصول إلى العاصمة ليوبليانا تظهر تلك القلعة الشامخة التي تتخذ من أكبر قمة في البلاد مقرا لها، وتتخذ شكلا مستطيلا يشرف على الأركان الأربعة للعاصمة، وكأنها حارس لتلك المدينة ذات الطبيعة الجذابة.
ومن يمعن النظر من إحدى شرفات تلك القلعة، يرى الجسر الثلاثي وهو مجموعة من 3 جسور عبر نهر ليوبليانكا الأشهر في البلاد، حيث كان يربط ذلك الجسر بلدة ليوبليانا التاريخية، في العصور الوسطى في ضفة واحدة، ويعد ذلك الجسر أيضا أحد المزارات الرئيسية في العاصمة ليوبليانا.
وتعد ليوبليانا عاصمة سلوفينيا وكبرى مدنها المركز الثقافي للبلاد، فهي تحتضن جامعة لوبليانا وعديدا من المتاحف، كالمتحف الوطني ومتحف التاريخ الطبيعي السلوفيني ومتحف الإثنوغرافيا، وسيطرت النمسا على المدينة خلال معظم الفترة الممتدة بين عامي 1276 و1918.
بليد الساحرة
وتعد بلدة “بليد” إحدى أكثر المناطق سحر في سلوفينيا، فتقع تلك البلدة في منطقة كارنيولا العليا على بعد 35 كيلومترا من العاصمة فوق جبال الألب وإلى جانب بحيرة بليد، وهي مقصد سياحي شهير، ويمكن الوصول إليها عبر المواصلات العامة، من الحافلات التي تجوب أغلب مناطق العاصمة.
تلتقي خضرة الجبال المرتفعة مع الممر المائي الذي توفره بحيرة بليد، وفي أعلى قمة بالبلدة تجد قلعة بليد إحدى أشهر المناطق جذبا للسياح في المدينة، ومن فوق شرفة القلعة تختلط المناظر الطبيعية بين الجبال الشاهقة الخضراء ناصعة الخضار وقمتها البيضاء، بفعل انخفاض درجة الحرارة في القمة مع المياه الصافية في بحيرة بليد.
لاستكشاف الكهوف في سلوفينيا، هناك كهوف سكوكجان وبوستونيا، ويعد الأخير واحدا من أطول الأنظمة الكهفية في العالم، ويمتلك عديدا من التكوينات الكهفية الغريبة ومشاهدة الحيوانات النادرة المتحجرة منذ العصور الجليدية.
وما يميز سلوفينيا أنها رغم صغر مساحتها (20 ألف كيلومتر)، فإنها ممر رئيسي لكافة الطرق الأوروبية الرئيسية كونها تقع وسط أوروبا، ومنها يمكن الانطلاق لزيارة عديد من الدول الأوروبية القريبة، فضلا عن انخفاض مستوى المعيشة بالمقارنة مع الدول المجاورة، مما يجعل السائح لا يحتاج إلى أموال كثيرة لتدبير المعيشة في البلاد.
ولكن ما يعيب سلوفينيا هو قلة عدد الفنادق مقارنة مع المعالم السياحية الكبيرة في البلاد، إلا أن تأجير البيوت الصغيرة وسيلة شائعة في البلاد، ويعتمد عليها السياح بشكل أساسي، فضلا عن عدم دعم البلاد لمجال السياحة وجذب السياح فضلا عن لغتها “السلوفينية” الصعبة، فهي خليط بين الروسية والألمانية، ولكن أغلب الشعب هناك على دراية باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى قلة مراكز التسوق في البلاد.