رغم صعوبة تمريرها في البرلمان.. قوانين فرنسية جديدة ضد المهاجرين
باريس- يشعر رفاعي بالظلم والألم نتيجة وضعيته المعقدة منذ سنوات، جراء القوانين الفرنسية التي تزداد صعوبة وتعقيدا يوما بعد يوم تجاه المهاجرين.
يقول متحدثا للجزيرة نت “رغم أنني أعيش في فرنسا منذ أكثر من 13 عاما، وقمت بكل الإجراءات القانونية وقدمت كل الأوراق المطلوبة بعد رحلة عذاب طويلة مع الإدارات الفرنسية، فإنني لم أظفر بأوراق الإقامة حتى الآن”.
ويتابع ابن مدينة دمنهور (الشمال المصري) “لما أتيتُ إلى فرنسا قبل أعوام طويلة من مدينتي الصغيرة، مدفوعا بالفقر والظروف الصعبة، كنت أمني النفس بتحسين وضعيتي المالية والحصول على أوراق الإقامة بعد 5 أو 6 أعوام على الأكثر. ولكنني بعد أن اكتشفت تعقيد الإدارة الفرنسية ومتاهاتها الكثيرة وقوانينها المتشعبة، ندمت أنني لم أهاجر إلى إيطاليا أو بريطانيا، مثلما نصحني بعض أقربائي في البداية”.
يقول رفاعي إن محاميه أوضح له أن قوانين الهجرة الفرنسية فيها تسهيلات أكثر بالنسبة للمهاجرين المغاربة، ذلك أن “الدول المغاربية تتمتع باتفاقيات شراكة وتعاون عمالية مع فرنسا، بعكس مصر”.
طرد الأجانب
تختصر قصة رفاعي، حكاية نصف مليون مهاجر يعيشون من دون أوراق إقامة بفرنسا، في حين تظهر الأرقام الرسمية التي نشرها أخيرا المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية “إنسي” (Insee)، وجود 7 ملايين مهاجر في فرنسا بطريقة قانونية عام 2021.
ويبدو أن وضعية هؤلاء المهاجرين والأجانب الذين يعيشون في فرنسا، ستتعقد أكثر فأكثر في ظل قوانين الهجرة الجديدة التي تعتزم الحكومة الفرنسية عرضها على التصويت في البرلمان.
فقد أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان، أن الحكومة الفرنسية تبحث السماح بطرد “أي أجنبي ارتكب أعمالا خطيرة” برفع شرط سن الوصول إلى فرنسا.
وأضاف أمام نواب البرلمان، يوم الثلاثاء 12 يوليو/تموز الجاري، “لقد اقترحتُ بالفعل، بناء على طلب رئيس الوزراء، طرد الأشخاص المسؤولين إما عن التطرف أو الذين حُكم عليهم بأحكام صادرة عن المحاكم بشكل نهائي”.
وأوضح أن هذا الإجراء الجديد سيتم إدراجه في القانون المرتقب حول التوجيه والبرمجة لوزارة الداخلية الذي سيعرض مطلع العام الدراسي، مؤكدا أن 2650 شخصا طردوا من فرنسا منذ أكثر من عام.
إقامة مشروطة
من جانبها، أشارت الناشطة الحقوقية والمستشارة القانونية لمنظمة “إفدي” (AFD) الدولية ليزال ترونزلر، أنها لم تتفاجأ بهذه الإجراءات الجديدة، موضحة أن مشاريع القوانين التي تعتزم الحكومة عرضها على البرلمان، ما هي إلا استمرار لنفس التوجه والمشروع الذي بدأه الرئيس إيمانويل ماكرون في عهدته الأولى، والراغب في محاصرة المهاجرين والتضييق على الأجانب.
وأضافت للجزيرة نت أن “ما يبعث على القلق فعلا، هو أن هذه القوانين تتوجه لنفس شريحة المهاجرين. فإذا كنت لاجئًا أوكرانيًّا فأنت مرحب بك وتستقبل بالأحضان والورود وتحت عدسات الكاميرا، أما إذا كنت مهاجرا أو لاجئا أفغانيا أو أفريقيا أو عربيا، فستجد الشرطة في انتظارك في الشوارع وتتعرض للمطاردة اليومية والتنكيل”.
وفي إطار مواصلة تنفيذ نفس السياسة الخاصة بالمهاجرين التي بدأها ماكرون في عهدته الأولى، أعلن دارمانان أن الحكومة ستشترط في إصدار تصاريح الإقامة للأجانب إتقانهم للغة الفرنسية، من أجل تعزيز الاندماج.
وقال الوزير أمام الجمعية الوطنية “سنضاعف الاعتمادات المخصصة للاندماج وسنشترط على وجه الخصوص تصريح إقامة متعدد السنوات للأجنبي الذي يقضي عدة سنوات على التراب الوطني لإتقان اللغة الفرنسية، إما للتجنس أو لفحص تسوية الوضع”.
وأما رفاعي فقال، بروح السخرية السوداء التي تميز المصريين البسطاء، “لقد ضاعت كل أموالي على المحامين والأوراق، وصرت خبيرا في القانون الفرنسي وحتى الأوروبي، ولكنني لم أستطع الحصول على أوراق الإقامة، وزاد فيروس كورونا الطين بلة ليؤخر دراسة ملفي لمدة عامين، واليوم ستزداد وضعيتي تعقيدا بالقوانين الجديدة، والأخبار السارة التي حملتها إليّ!” قالها ضاحكا.
نكسة الحكومة
ويبقى تمرير مشاريع القوانين الجديدة الخاصة بالمهاجرين والأجانب، رهين قدرة حكومة إليزابيث بورن على المناورة السياسية، في ظل خسارة تحالف ماكرون للأغلبية في الجمعية الوطنية، في الانتخابات التشريعية الأخيرة بشهر يونيو/حزيران الماضي.
وحسب الخبراء والمراقبين، تبقى وضعية الحكومة معقّدة في ظل “النكسة الأولى” التي تعرضت لها الحكومة الأسبوع قبل الماضي، حين فشلت في تمرير مشروع قانون “المراقبة والأمن الصحي” كاملا، في الجمعية الوطنية. فبعد جلسة صاخبة وجدل كبير، صوتت المعارضة ضد المادة الثانية من القانون، وتمكنت من حذفها.
فهل ستنجح الحكومة في تمرير مشاريع القوانين الجديدة الخاصة بالمهاجرين والأجانب، أو ستتصدى لها المعارضة في البرلمان، وتتعرض لـ “نكسات أخرى؟”.
في إطار سياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها الحكومة، وفي مناورة سياسية “مفضوحة” وخطوة نحو الحلول التوافقية حسب المراقبين، أكد وزير الداخلية أمام الجمعية الوطنية الأسبوع الماضي، أن تحالف الرئيس “على استعداد لمناقشة وتعديل وإيجاد حلول توافقية مع حزب الجمهوريين والوسطيين وحتى مع جزء من اليسار”، لتبني هذه القوانين.
وأما المستشارة القانونية لمنظمة “إفدي” الدولية، فلاحظت أن مثل هذه القوانين لن يقع تبنيها من قبل نواب الجمعية الوطنية، لأن أفكارها وفصولها تتعارض في أغلبها مع القوانين الأوروبية والدولية.
وتابعت بأن “هذه القوانين ستشهد نقاشا حادا تحت قبة الجمعية الوطنية، والمعارضة اليسارية خاصة ستقوم بواجبها على الوجه الأكمل، مثلما عوّدتنا، وستقف سدا منيعا أمام الحكومة وأمام التضييق على المهاجرين بمثل هذه القوانين الجائرة”.
وأكدت أن “المجتمع الفرنسي المتفتح لن يوافق على مثل هذه الأفكار اليمينية، وسيخرج في مظاهرات وسيقوم بالاحتجاجات في الشوارع تعبيرا عن استنكاره ورفضه”.