تونس- بإجراءاته الاستثنائية التي اتخذها في 25 يوليو/تموز 2021، استطاع الرئيس التونسي قيس سعيّد أن يسحب البساط بقوة من الأحزاب السياسية الصاعدة إلى الحكم بعد الثورة بما فيها حركة النهضة، التي دعمته تكتيكيا بالانتخابات فصعد إلى الرئاسة سنة 2019.
واتخذ سعيّد تدابير استثنائية عزل بموجبها الحكومة، وحل البرلمان، ثم صاغ دستورا جديدا غيّر به وجه نظام الحكم من برلماني لرئاسي.
ومنذ ذلك الوقت، حكم سعيد البلاد بالمراسيم الرئاسية طبقا للمرسوم 117 الذي أصدره، وهو منبع قوته. ولاحق -وفق المعارضين له- خصومه بالمرسوم 54 الذي يعاقب بقسوة كل من “يروج لأخبار زائفة أو شائعات”.
إخفاق الأحزاب
وبسرعة تمكّن سعيد من حشر الأحزاب في الزاوية، مُغيّرا نظام الاقتراع، فجعل التصويت على الأفراد بدلا من القوائم، في الوقت الذي قاطعت فيه أغلب الأحزاب الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا وسط عزوف قياسي هو الأعلى منذ الثورة.
ولم تفلح المعارضة -رغم تكثيف احتجاجاتها ضد ما تراه انقلابا وانفرادا بالحكم- في لي ذراعه، في حين يرى مراقبون أن التونسيين انفضوا من حول الأحزاب الصاعدة إلى الحكم بعد الثورة لسوء إدارتها الحكم وتأزيم الأوضاع.
ويقول القيادي بحزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني إن أحد أبرز نقاط قوة قيس سعيد هو إخفاق الأحزاب الحاكمة قبل 25 يوليو/تموز 2021 بإدارة البلاد وتسببها في تدهور الأوضاع.
ويضيف للجزيرة نت أن موافقة قطاع من التونسيين على التدابر الاستثنائية كان بسبب مقتهم للأحزاب، مؤكدا أن سعيد يستمد قوته من عدم قيامها بنقد ذاتي والاعتذار للتونسيين عن إخفاقها.
نظافة اليد
ويقول أحمد الكحلاوي الناطق باسم حركة النضال الوطني -إحدى الحركات المؤيدة لقيس سعيد- إن “الرئيس يستمد شعبيته من كون الكثير من التونسيين يعتقدون بنزاهته ونظافة يده لتخليصهم من الأحزاب الفاسدة”.
ويؤكد للجزيرة نت أنه “لأول مرة في تاريخ تونس منذ الاستقلال يصعد لسدة الحكم رئيس يشبه التونسيين في حبهم لوطنهم وسيادته”، مؤكدا أن سعيد “كسب قلوب التونسيين رغم كل المحاولات البائسة لتشويهه وضربه”.
ويبين أن المعارضة أخفقت في تجييش التونسيين رغم استغلالها تدهور الأوضاع المعيشية كذريعة لتأليبهم على الرئيس، مؤكدا أن الأخير يسعى في نطاق إمكانياته للدفاع عن قوت التونسيين رغم ما ورثه من تركة ثقيلة.
ويرى أن الرئيس يقوم بكل ما في وسعه لاستعادة الأموال المنهوبة من خلال إقرار الصلح الجزائي وتدوير عجلة التنمية بإحداث الشركات الأهلية وضخ دماء جديدة بالحكومة.
غياب الإنجازات
لكن القيادي بالتيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني يؤكد أن سعيد لم يحقق أي إنجاز يذكر منذ صعوده، مؤكدا أن رصيده من نظافة اليد والنزاهة تآكل لدى التونسيين بسبب ما يعيشونه من معاناة يومية في ظل حكمه.
ومع ذلك يرى أن “قيس سعيد يستمد قوته من الأجهزة الصلبة العسكرية والأمنية ويتعمد توجيه خطاباته من الثكنات”، مؤكدا أن ذلك لن يدوم طويلا لأن “التونسيين تأكدوا أن شعبويته لن تغير واقعهم سوى نحو الأسوأ”.
ورغم أن الرئيس يستفيد سياسيا من تشتت المعارضة وعدم توافقها على مشروع برنامج بديل، فإن العجبوني يؤكد أن المعارضة تلتقي على الأقل في نقطة مشتركة تشكل نقطة ضعف لدى قيس سعيد وهي المطالبة برحيله.
ويرى أن الرئيس يسعى جراء “عجزه وفشله” في تحقيق أي إنجاز لافتعال الأزمات ومهاجمة الأحزاب وتخوينها ومهاجمة كل الأجسام الوسطية ومنها الإعلام واتحاد الشغل -أكبر نقابة عمالية- التي زج بأحد نقابييها في السجن مؤخرا.
حرب مع الاتحاد
وكان قيس سعيد قد وجّه قبل أيام -من ثكنة الدرك الوطني- اتهاما مباشرا لاتحاد الشغل بالسعي من وراء الإضرابات لتحقيق مآرب سياسية، في حين صعّد اتحاد الشغل من لهجته ولوّح بشن إضرابات عارمة خلال الفترة المقبلة.
ويقود اتحاد الشغل مفاوضات حثيثة مع منظمات أخرى لمحاولة إخراج البلاد من الأزمة، وهي مبادرة يرفضها الرئيس. ويعارض الاتحاد سياسة الحكومة فيما يتعلق بالتدرج لرفع الدعم الحكومي وخصخصة المؤسسات العمومية.
ويقول العجبوني “علّمنا التاريخ أن كل محاولة لافتعال حرب ضد الاتحاد ستكون خاسرة”، مبينا أن الرئيس يحاول بمهاجمة اتحاد الشغل اللعب على وتر معارضي الاتحاد الذين يتهمونه بشل الاقتصاد نتيجة إضراباته المتكررة.
وبسبب توحد أغلب القوى المدنية ضد مشروعه، يعتقد العجبوني أن الرئيس لن ينجح في هذا المشروع بسبب “انعدام إنجازاته، وجهله بالجانب الاقتصادي، وشعبويته، وبيعه الأوهام، وعزله لنفسه، وتقسيمه للتونسيين”.
تدهور اقتصادي
ورغم أن الأكاديمي سالم الأبيض يرى أن قيس سعيد يمتلك بعض الأوراق منها مروره بالقوة وفرض الأمر الواقع، فإن شعبيته تراجعت إلى 40% في نوايا التصويت.
ويقول للجزيرة نت إنه رغم استمالته جزءا من التونسيين في أول إجراءاته الاستثنائية، فإنه لم يحقق بالتوازي مع ذلك أي عملية إنقاذ للاقتصاد المنهك في حين تدهور الوضع الاجتماعي لافتقاده أي رؤية.
وضمن نقاط ضعف الرئيس أنه لا يمتلك -وفق الأبيض- أي برنامج اقتصادي أو دراية بتسيير الدولة، مما دفعه لتحويل مجموعة من الصلاحيات لرئيسة الحكومة نجلاء بودن بدون تحقيق أي نتائج أو حلول على أرض الواقع.
ووفق رأيه، تظل نقطة الضعف الأبرز للرئيس تأزم الوضع الاقتصادي لا سيما في ظل غياب أي بوادر لحصول تونس على قرض جديد من صندوق النقد، بينما تراجع تصنيفها السيادي إلى أدنى مستوياته من قبل وكالة “موديز”.
وتواجه تونس مخاطر كبيرة من استحالة تسديد ديونها الخارجية أو توريد السلع الاستهلاكية الأساسية بسبب تقلص مدخراتها من العملة الصعبة وعدم إبرام اتفاقية القرض مع صندوق النقد مما لا يتيح لها تعبئة موارد موازنتها.
وأثار قانون المالية لهذا العام جدلا واسعا بسبب الضرائب الجديدة المتضمنة به والتي جعلت خبراء الاقتصاد يدقون جرس الإنذار من ارتفاع معدل التضخم في بلد لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور المضمونة 147 دولارا بالشهر.