رئيس أذربيجان إلهام علييف (يسار) ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس البلغاري رومين راديف خلال تدشين ربط الغاز بين اليونان وبلغاريا (رويترز)

رئيس أذربيجان إلهام علييف (يسار) ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس البلغاري رومين راديف خلال تدشين ربط الغاز بين اليونان وبلغاريا (رويترز)

لندن- تجري رياح الحرب في أوكرانيا بما تشتهي سفن أذربيجان، فهذه الدولة التي دخلت في حرب مدمرة مع أرمينيا من أجل تحرير منطقة “ناغورني قره باغ” المتنازع عليها تعيش هذه الأيام أحد أفضل حقبها في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والتجارية.

ولا يفوّت الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف هذه الفرصة التي جاءته على طبق من ذهب، لتعزيز موقع بلاده، لتكون معبرا مهما للتجارة العالمية ومصدرا حيويا للطاقة نحو أوروبا، ولكسب مزيد من الدعم السياسي الدولي لإغلاق ملف إقليم “ناغورني قره باغ”.

 

ويظهر المحور التركي الأذربيجاني في القلب من كل المعادلات التي فرضتها الحرب الروسية في أوكرانيا، وقد دفع ذلك الأوروبيين إلى تأسيس ما يسمى المجموعة السياسية الأوروبية (European Political Community)، وهي مجموعة تعوّل عليها أوروبا لجذب دول جوار روسيا نحو أوروبا وإبعادها عن موسكو أو على الأقل تحييدها في الصراع الغربي الروسي، ومن أهم الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والموجودة في هذه المجموعة: تركيا وأذربيجان.

 

كلمة السر.. الغاز

أسهمت الحرب في أوكرانيا في زيادة الطلب على الغاز من أذربيجان، ففي الأشهر الأولى من عام 2022 ارتفعت صادرات الغار إلى نحو 4 أضعاف مقارنة مع عام 2021، لتصل إلى 4.18 مليارات دولار، كما ارتفعت صادرات النفط بنحو 50% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما أدى إلى التخلص من العجز في الميزان التجاري بل تحقيق فائض في الميزانية في الربع الأول من العام الحالي بنحو 1.57 مليار دولار في الربع الأول من 2022.

وأعلنت شركة “سوكار” (SOCAR) المكلفة بتوزيع الغاز في أذربيجان أنها سترفع صادراتها من الغاز إلى أوروبا بنسبة 30%، وأنها في الربع الأول من هذه السنة صدّرت 2.6 مليار متر مكعب من الغاز، وتسابق أذربيجان الزمن من أجل تعويض جزء من صادرات الغاز نحو أوروبا.

فحسب مركز الأبحاث حول الطاقة والهواء النظيف، الذي يوجد مقره في فنلندا (CREA)، حققت روسيا منذ إطلاقها الحرب ضد أوكرانيا مداخيل تفوق 25 مليار دولار من تصديرها للغاز نحو أوروبا، وهو ما يعادل 10 أضعاف مداخيل أذربيجان من صادرات الغاز.

 

لكن دراسة لمجموعة باحثين في كلية لندن للاقتصاد (LSE) أظهرت أن من الصعب على أذربيجان وحدها تغطية النقص الذي سيحدثه توقف أوروبا عن استيراد الغاز من روسيا، فموسكو صدّرت نحو 155 مليار متر مكعب من الغاز نحو أوروبا، أما أقصى ما يمكن أن تصدره باكو في السنوات الخمس المقبلة فهو 20 مليار متر مكعب إلى أوروبا، بعد الانتهاء من الشطر الثاني من الممر الجنوبي للغاز والذي ينطلق من أذربيجان ويصل أوروبا بخطوط أنابيب طولها 3500 كيلومتر وبميزانية إجمالية للمشروع تفوق 45 مليار دولار.

ولتسريع تطوير البنية التحتية الخاصة بتصدير الغاز من أذربيجان، وافق الاتحاد الأوروبي على منح تمويل بقيمة 2.1 مليار دولار بغرض زيادة العقود التي تربط أوروبا بأذربيجان في مجال الغاز.

 

ممر عالمي للتجارة

أسهم بحث أوروبا عن بديل للطرق التجارية القادمة من الصين والتي تعبر من روسيا في عودة الاهتمام بما يعرف بالممر الأوسط للتجارة، الذي يربط الصين بأوروبا، حيث يمر عبر أذربيجان وجورجيا وأوزبكستان ثم تركيا وصولا إلى أوروبا، وتعدّ أذربيجان العمود الفقري لهذا الممر.

ويعلم الاتحاد الأوروبي أن نجاح هذا الخط في الربط بين الصين ودول القارة العجوز مرهون بتقوية البنية التحتية في أذربيجان، وهو ما دفع المفوضية الأوروبية إلى الإعلان عن تمويل بقيمة 2.2 مليار دولار من أجل دعم 25 ألف شركة صغرى تعمل في مجال التجارة والتصدير والاستيراد، إضافة إلى دعم تطوير ميناء باكو.

وتقوم أذربيجان حاليا بتوسيع منطقة التجارة الحرة في بلدة تقع على بُعد 70 كيلومترا جنوب العاصمة، كما تم بالفعل الانتهاء من تجديد وتوسيع ميناء باكو على مرحلتين: الأولى انطلقت عام 2012 والثانية عام 2020، ويقع في الطرف الغربي من بحر قزوين الذي سيكون نقطة الوصل بين كل الشحنات التي تصل من الصين إلى تركمانستان، وقد تم تصميم الميناء لنقل الحاويات والسلع من الشرق إلى الغرب، وذلك سيؤهل ميناء باكو ليصبح نقطة حيوية للتجارة العالمية.

 

مكاسب سياسية

نجحت أذربيجان في أن يصبح لها صوت مسموع داخل الاتحاد الأوروبي، وهكذا فقد صمّ الاتحاد آذانه عن مطالب جورجيا وأرمينيا ودول أخرى بوقف التمويل عن المشاريع الطاقية في أذربيجان، بل أصبحت أذربيجان محاورا رئيسا للأوروبيين في مجالي الطاقة والتجارة، وهو ما يفسر ارتفاع وتيرة اللقاءات بين الطرفين منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

كما نجحت أذربيجان في تكريس تحالفها مع تركيا، الذي وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “تحالف إستراتيجي” وكان قد انطلق منذ معركة “ناغورني قره باغ” وعززته تبعات الحرب في أوكرانيا.

وفي محيطها، وقعت أذربيجان عددا من الاتفاقيات الإستراتيجية بدءا بروسيا، إذ اتفق البلدان على التنسيق في موضوع الطاقة، والأهم لأذربيجان هو تعهد موسكو بعدم المساس بوحدة أراضي أذربيجان، وذلك يعني تحييد روسيا من الصراع الحدودي مع جورجيا.

المصدر : الجزيرة

About Post Author