كيف تعمل الحكومة التركية على إعادة تأهيل اقتصاد المناطق المنكوبة بالزلزال؟
تحتل الولايات التي تعرضت للزلزال المدمر مكانة مهمة في الاقتصاد التركي؛ ما دفع الحكومة لاتخاذ حزمة من الإجراءات الرامية لإعادة تأهيل اقتصاد المدن المنكوبة سريعا.
ونشرت مؤسسة “سيتا” البحثية التركية تقريرا ذكر أن مناطق الزلزال تحديدا تتمتع بقدرة إنتاجية خطيرة تمثل أكثر من 8% من الصادرات، مشيرا إلى أن تلك المدن صدرت 20 مليار دولار في عام 2022، وكان من المتوقع أن تصدر ما يقرب من 22 مليار دولار في عام 2023، “وتعد المراجعة التنازلية لهذه التقديرات والتركيز على عملية البناء في المنطقة من بين الأحداث التي قد نواجهها في المرحلة المقبلة”.
في عام 2023، كان من المقدر أن يبلغ الدخل القومي لتركيا 942 مليار دولار وأن تبلغ الصادرات 270 مليارًا، لكن آثار الزلزال تسببت في ضرر جزئي لهذا الاتجاه، فوفقا لصندوق النقد الدولي، قد يشهد الاقتصاد التركي تراجعا عن القيم المستهدفة؛ بحيث يبلغ الدخل القومي 923 مليار دولار، على أن تبلغ الصادرات نحو 265 مليارًا.
في المقابل، فعند أخذ القوة الإنتاجية وجهود إعادة الإعمار في تركيا بالاعتبار، يبدو أن من الممكن زيادة متوسط دخل الفرد إلى 12 ألف دولار، وحجم الاقتصاد بمقدار تريليون دولار، ويمكن لتركيا بشركاتها وبقدراتها في مجال الإنشاءات أن تكمل إعادة التأهيل الاقتصادي للمناطق المتضررة في غضون عام أو أكثر قليلا.
أكثر القطاعات الاقتصادية تضررا
خلّف الزلزال أضرارا بقيمة 1.3 مليار دولار للبنية التحتية والثروة الحيوانية والمحاصيل، وخسائر بنحو 5.1 مليارات للقطاع الزراعي، وتمثل المناطق التي ضربها الزلزال ما يقرب من 15% من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي، وتسهم بنحو 20% في الصادرات الزراعية التركية، وتعتبر تركيا سابع أكبر منتج زراعي في العالم.
وطلبت منظمة الأغذية والزراعة 112 مليون دولار لمساعدة المناطق المتضررة من الزلزال في تركيا، بما في ذلك 25 مليون دولار كجزء من نداء أوسع أُطلق في فبراير/شباط الماضي لتوفير المال والماشية والمعدات الزراعية لنحو 900 ألف شخص في المناطق الريفية.
أما قطاع الصناعة، فقد بلغت خسائره في المناطق المنكوبة 9 مليارات دولار، وفق بيان وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى ورانك، وتواصل وزارة الصناعة العمل من أجل إيجاد حلول لجميع المشكلات التي يعانيها قطاع الصناعة في المناطق المتضررة، وأكد الوزير أن الحكومة التركية ستواصل دعم الاستثمار في قطاع الصناعة بمناطق الزلزال.
وفيما يخص قطاع النقل -بأنواعه البري والبحري والجوي- فيعد أيضا من أكثر القطاعات تضررا.
مساعدات حكومية للمتضررين
وكانت منظمات عديدة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة قدمت تقديرات متباينة للتكلفة الاقتصادية للزلزال؛ فقالت الأمم المتحدة إن الخسائر بلغت 100 مليار دولار، وقدرها البنك الدولي بنحو 34.2 مليارا، فيما قال صندوق النقد الدولي إنها أكثر من 18.8 مليارا، ما يؤكد صعوبة تقدير الآثار الاقتصادية للزلزال بالضبط.
وبعد الزلزال، نفذت المؤسسات والمنظمات العامة سلسلة من الإجراءات لضمان الاستقرار المالي في المنطقة، وبالتزامن مع المساعدات النقدية المقدمة للمواطنين المتضررين من الكارثة، أُرسل مبلغ 100 مليار ليرة تركية إلى المنطقة المنكوبة لاستخدامها في المدن المتضررة.
ومن خلال تسريع التيسير النقدي، اتخذ البنك المركزي خطوة لتمكين الشركات من الحصول على قروض طويلة الأجل، ومن أجل تلبية احتياجات وزارة الصحة من الأدوية والمعدات الطبية، أُرسلت 7.5 مليارات ليرة تركية إلى منطقة الكارثة.
ولبّت الدولة احتياجات الوقود لمن أرادوا مغادرة المنطقة من خلال تأخير دفع رواتب من يتقاضون رواتب من القطاع العام، وتم تحويل مساعدات إيجارية إلى حسابات المتضررين بقيمة 5 آلاف ليرة لأصحاب المنازل و3 آلاف ليرة للمستأجرين، ووُضعت مساعدات نقدية بقيمة 100 ألف ليرة على جدول الأعمال لتلبية الاحتياجات العاجلة لأقرباء المواطنين الذين فقدوا أرواحهم.
وفي إطار نظام الضمان المدعوم من الخزانة، تمت مراجعة حزمة القروض البالغة 250 مليار ليرة تركية لتصبح 350 مليار ليرة تركية، ووضعت حزمة قروض بقيمة 11.3 مليار ليرة تركية في الخدمة لتغطية نفقات تشغيل الشركات في منطقة الزلزال.
أما القروض المدعومة بفوائد الخزينة التي يستخدمها المزارعون فأُجّلت لمدة عام واحد من دون فوائد، وبالإضافة إلى ذلك، بدأ تقديم دعم الديزل والأسمدة المستخدمة في القطاع الزراعي نقدا، كما قرر “مكتب منتجات التربة” (TMO) التبرع بالدقيق والمواد الغذائية المماثلة في جميع أنحاء المنطقة.
وتبرعت شركات كبرى ومصارف، بينها بنك زراعات الحكومي الذي يعد أكبر مصرف تركي من حيث حجم الأصول، بما يعادل نحو مليار دولار.
دعم الأجور ومنع تسريح العمال
وبسبب الكارثة المحلية، أتيحت إمكانية العمل ببدل لوقت قصير وتم تفعيل دعم الأجور النقدية، كما حُظر تسريح العمال لأجل تغطية منطقة الزلزال، وتم تأخير الالتزامات الضريبية بإعطاء مهلة 6 أشهر وأُدخل التقسيط في عملية الدفع.
وبينما تمتعت المساعدات المقدمة للمنطقة بالإعفاء الضريبي، تم التنازل عن ضرائب الطوابع التي تُحصّل من أوراق المساعدة، كذلك خُفضت الضرائب على الحاويات والبيوت المسبقة الصنع إلى 1%.
وقامت وكالة التنظيم والرقابة المصرفية برفع الحد ومقدار مبالغ التحويل اليومية في طلبات بطاقات الائتمان، كما تم تمديد استحقاق الديون 6 أشهر للقروض الممنوحة من قبل أعضاء جمعية البنوك التركية وجمعية البنوك المشاركة في تركيا، ولاستمرار عمليات التأمين والحوادث دون انقطاع، وفرت وكالة تنظيم ورقابة التأمين والمعاشات التقاعدية الخاصة التسهيلات، وبينما تتخذ تركيا التدابير لمنع تأخر الأداء الاقتصادي في منطقة الأزمة، يمكن توقع استمرار أعمال إعادة الإعمار بسرعة.
وستلعب موارد تركيا الاقتصادية والمالية مع القوى العاملة المدربة دورا كبيرا في إعادة الإعمار وإعادة الاقتصاد إلى طبيعته في المنطقة، كما أن تنفيذ صندوق إعادة الإعمار بعد الكوارث سيسهم في إعادة التأهيل التجاري والمادي.