هل يرغب الرأي العام الأميركي في استمرار الولايات المتحدة في سياساتها الدولية الحالية أم يريد لها التركيز بدلا من ذلك على القضايا المحلية؟
بهذا السؤال استهل موقع “ناشيونال إنترست” (National Interest) الأميركي مقالا مشتركا لثلاث شخصيات أكاديمية مختصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بعنوان “كيف يرى الأميركيون دورهم في العالم؟”.
يسلط المقال الضوء على موقف الرأي العام الأميركي من سياسات واشنطن ورأي الشارع في مكانة الولايات المتحدة في ضوء ما يشهده العالم من أحداث وصراعات معقدة في الوقت الراهن.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة تحتاج الآن في ضوء الأحداث العالمية المعقدة -مثل الحرب الروسية على أوكرانيا، والتوتر المتصاعد في مضيق تايوان، وتطور أشكال الصراع بما في ذلك الحروب السيبرانية، وقضايا مهمة أخرى مثل تغير المناخ- إلى رسم سياستها الخارجية بحذر لتتمكن من الاستجابة للتحديات الخارجية والداخلية على أفضل وجه.
ويرى معدو المقال، وهم تيموثي ريتش أستاذ العلوم السياسية بجامعة “ويسترن كنتاكي” (Western Kentucky University) ومدير مختبر الرأي العام الدولي “آي بي أو إل” (IPOL)، ومادلين أينهورن وهي باحثة وطالبة ماجستير في كلية لندن للاقتصاد (the London School of Economics)، وسيدني ويندهورست الباحث في جامعة ويسترن كنتاكي، أن هناك تباينا واضحا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهدي إدارتي الرئيسين السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، يعكس أغلبها التوتر الناتج عن تركيز الإدارة الأولى على الشأن المحلي مقابل تركيز الإدارة الحالية على الشؤون الدولية.
فقد كان شعار عهد ترامب “أميركا أولا”، بما يعنيه ذلك من التركيز على القضايا المحلية وتراجع الاهتمام بالشؤون العالمية، الأمر الذي نجم عنه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وانسحابها أيضا من الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقيات إقليمية ودولية أخرى. وفي المقابل، سعت إدارة بايدن لتوسيع المشاركة الدبلوماسية الأميركية في الشؤون الدولية، مع سحب قواتها من أفغانستان.
وأشار المقال إلى أن استطلاعا للرأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية (the Chicago Council of Global Affairs) في عام 2017، وجد أن 24% من مؤيدي ترامب الأساسيين، و23% من الجمهوريين المؤيدين له، و53% من الجمهوريين غير المؤيدين للرئيس السابق يعتقدون أن أميركا يجب أن تشارك في اتفاقية باريس للمناخ.
كما وجد الاستطلاع نفسه أن نسبة 66% من الديمقراطيين و60% من المستقلين و65% من الجمهوريين يرون أن على الولايات المتحدة أن تلعب دورا نشطًا في الشؤون العالمية. في حين رأى 49% فقط من مجموع الجمهور المشارك في الاستطلاع أن على أميركا الحفاظ على التحالفات القائمة، لأن ذلك برأيهم أداة فعالة للحفاظ على أهداف السياسة الخارجية للبلد.
كما يرى المشاركون في الاستطلاع من مختلف الأطياف السياسية أيضًا أن الولايات المتحدة تمتلك نفوذا عالميا أكبر من نفوذ كل من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. الأمر الذي يرى فيه المقال مؤشرا قويا على أن الأميركيين يرون أن الولايات المتحدة تملك القدرة على التأثير في الشؤون الدولية حتى وإن اختلفوا بشأن كيفية استخدام هذه القوة.
وأورد المقال أيضا نتائج استطلاع آخر للرأي أجرته “مؤسسة الأمم المتحدة وحملة عالم أفضل” (the United Nations Foundation and the Better World Campaign) في عام 2018 وشارك فيه أميركيون تتراوح أعمارهم بين 17 و35 عاما، وتوصل إلى أن الغالبية العظمى من الأميركيين من مختلف الأطياف، ديمقراطيين وجمهوريين ومستقلين، يؤمنون بما أطلقوا عليه “أميركا أولا ولكن ليست وحدها”.