كشفت ردود الفعل على الجزء السابع من مسلسل “الكبير أوي” -سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في المقالات الصحفية- عن ظاهرتين رئيسيتين، تتمثل الأولى في الخلط بين الشخصية الدرامية وشخصية الممثل نفسه. أما الأخرى فتكمن في استخدام بعض العاملين في مجال الإنتاج الدرامي مواقع التواصل الاجتماعي لهدم أعمال لصالح أخرى.
الأصداء الواسعة التي أحدثتها ردود الفعل على “الكبير أوي”، سلّطت الضوء على حدوث تحول “شبه مستحيل” في الذوق لدى الجمهور خلال عام واحد. ظهر ذلك الأثر واضحا في اللغط الذي أثير مؤخرا حول دور “مربوحة” الذي تقدمه الممثلة رحمة أحمد، والمطالبة بعودة دنيا سمير غانم لأداء دور هدية زوجة الكبير.
فرغم ما لقيته رحمة أحمد من إشادات في الموسم السادس الذي عرض في رمضان الماضي، فإنها فوجئت -ومعها شريحة كبيرة من الجمهور- بهجوم بدا كأنه أعد سلفا عقب عرض الحلقات الأولى من الجزء السابع، رغم أن أداء رحمة أحمد في الجزء الجديد لم يختلف كثيرا عن الجزء السابق، وكل ما حدث هو تلك الزيادة الواضحة في عدد مشاهدها.
ويعد “الكبير أوي” أحد أنجح المسلسلات الكوميدية المصرية في السنوات الأخيرة، ويعرض الجزء السابع منه على 4 فضائيات، وهو من إخراج أحمد الجندي وتأليف كل من مصطفى صقر ومحمد عز الدين، وتدور أحداثه في السياق الذي دارت فيه الأجزاء الستة السابقة بقرية متخيلة في الصعيد تدعى “المزاريطة”، حيث يحلم الكبير بالزواج من جديد نظرا لضيقه بغباء زوجته مربوحة، ويتخيل أنه تزوج الراقصة لورديانا، بينما يقرر شقيقه التوأم -الذي نشأ في أميركا وعاد إلى المزاريطة- إقامة مشروع في القرية الصغيرة ويستقر على إنشاء “ناد رياضي”. ورغم أن العمل لا يزال في حلقاته الأولى فإن ثمة ملامح إيجابية وأخرى سلبية ظهرت فيما عرض.
التقليدي و”بلاد برة”
يلعب أحمد مكي وفريق المؤلفين من البداية على المفارقة التي تنشأ نتيجة الصدام المفاجئ بين الحديث بمعناه العصري سواء كان في الآلات أو أسلوب الحياة مع التقليدي، بدءا من اللهجة الصعيدية -التي تستخدم في النطق حرف ” الدال” بديلا عن “الجيم”- وحتى إنشاء ناد للألعاب الرياضية (GYM) في قرية لا يوجد في قاموس أبنائها وفي برامج حياتهم اليومية شبيه له.
وتتسع المفارقة في المقارنة بين أسلوب امرأة يتيمة مكافحة مثل “مربوحة” بامرأة تعمل بالرقص الشرقي مثل لورديانا التي تعرف كيف تخطف الرجل، وحتى الطبيبة جميلة التي تقوم بدورها اللبنانية نور، وقد استغل المؤلفان الفارق الكبير بين المرأتين في صناعة ضحك قاس وبائس في حالتي لورديانا ونور اللبنانية، على المرأة المسكينة مربوحة التي صرخت حين رأت لورديانا في ثوب العرس مع زوجها “يا بختك”، ثم استغاثت مطالبة بـ “منافسة عادلة”، أي أن يتزوج زوجها من امرأة يمكنها منافستها لا لورديانا التي لا يمكن لها منافستها.
لم يحدث يوما أن ادعى أحمد مكي ومؤلفو “الكبير أوي” أنهم يناقشون قضايا جادة أو يهدفون لصناعة أي شيء سوى إضحاك الجماهير. والضحك في مسلسل “الكبير أوي” إجمالا لا يشبه الضحك في أفلام مثل “اللمبي” أو غيرها، فالمشاهد لن يستلقي على قفاه أو يصل إلى حافة الإغماء، وإنما سوف يبتسم وتخرج منه ضحكة عالية بين الفينة والأخرى.
لكل عمل منطقه الخاص، لذلك من المهم التأكيد أن مكي ورفاقه قدموا عملا فانتازيا، ولم يقدموا عملا يتسق والحياة العادية للمواطن، فلا يوجد طفل في جسد شاب مثل “العترة” ابن الكبير في الحياة العادية، وبالتأكيد لا يوجد طبيب حاصل على “دبلوم صناعة” مثل الدكتور ربيع، الذي يقوم بدوره الفنان بيومي فؤاد، وبالطبع لم يقدم جوني الجزء الثاني من فيلم “تيتانيك” كما ورد في جزء سابق في المسلسل.
سمح المنطق الخاص للعمل بوجود زوجة للكبير قادمة من أسفل سيارة كانت تقوم بإصلاحها، كما سمح له من قبل بالسفر والحصول على ميراثه من أبيه في تركيا والعودة لاستعادة ذاكرته وبصره من بعدها.
تداخل الشخصيات
الملاحظات السلبية الأهم أن العمل بدا وكأنه صنع على عجلة، إذ تداخلت شخصيات جوني وحزلقوم، فالأول كما ظهر في الأجزاء السابقة دقيق وساخر وجاد، وقليل الكلام، بينما الثاني كثير الثرثرة والحكايات، وخاصة التي تبدو تافهة، وهو ما وقع فيه المؤلف في الجزء السابع إذ دفع بالحكايات على لسان جوني في غياب حزلقوم، وهو أعطى انطباعا بنوع من التطويل الذي أدى بدوره إلى إحساس بالملل نتيجة تداخل الشخصيات.
يكرر المؤلف ملامح شخصية حزلقوم للمرة الثانية مع الصديق ثقيل الظل “نفادي” الذي يجسده حاتم صلاح الذي يطلق حكاياته التافهة بالطريقة نفسها، ويستدرج إليها الكبير أيضا، يكرر جوني محاولة لإنشاء مشروعه، الذي كان مطعم “كشري” من قبل، في حين يدور الكبير حول نفسه داخل “الدوار” في الحلقات الأولى، التي يبدو خلالها الكبير، الذي قدم كشخص قوي أناني ومسيطر، وقد اهتزت شخصيته ولم يعد يتمتع بالقوة نفسها وإن احتفظ بمخزون الأنانية.
وأيضا يلقي الجزء السابع من “الكبير أوي” الضوء على أزمة حقيقية في العمل، الذي ارتضى جمهوره الإيقاع الدرامي البطيء مقابل الكوميديا اللطيفة التي تصلح للعائلة إلى حد كبير، لكن عدم قدرة المؤلفين -بمن فيهم أحمد مكي- على مد الخطوط على استقامتها للدفع بدماء درامية جديدة وصناعة بعض الأحداث الكبرى هي الأزمة التي يمكنها أن تجعل من الجزء السابع هو الجزء الأخير أيضا.
ورغم ذلك، فإن المسلسل الذي لم يزعم يوما تبنيه لأية شعارات أو مناقشة قضايا، نجح في الإفلات من ظاهرة الكذب والافتعال الدرامي الذي يكاد يكون هو الظاهرة الأكثر انتشارا في الدراما المصرية.
“الكبير أوي” عمل فانتازي ساخر تعامل صناعه بجدية شديدة مع الجمهور، فبادلهم الجمهور تلك الجدية على مدى 7 مواسم، وهو نموذج -على ما فيه من عيوب في الأداء والدراما- يبقى من الأعمال القليلة التي تستحق المتابعة سواء عادت إليه دنيا سمير غانم كزوجة للكبير أو لم تعد.