الشارع المصري يعاني من أزمات اقتصادية تسببت في زيادة معدلات الطلاق (الجزيرة)

الشارع المصري يعاني من أزمات اقتصادية تسببت في زيادة معدلات الطلاق (الجزيرة)

القاهرة- تساؤلات عدة أثارتها إحصاءات رسمية جديدة أصدرتها الحكومة المصرية بشأن استمرار زيادة حالات الطلاق بنسبة وصلت إلى نحو 15%، مقارنة بآخر إحصاء رسمي، مع ارتفاع طفيف في معدلات الزواج بين الشباب.

وبحسب مختصين ومراقبين تحدثوا للجزيرة نت، فإن من أهم أسباب زيادة نسب الطلاق وعدم الإقبال على الزواج تأتي الضغوط الاقتصادية، وزيادة نسب العوز المجتمعي، وعدم وجود توعية أسرية إيجابية، وعدم تغيير قوانين الأحوال الشخصية.

 

ورأى البعض أن الحملات الاجتماعية المكثفة من جانب التيار النسوي لتعزيز حقوق المرأة بمصر جاءت بمردود عكسي أضر استقرار الأسرة، وهو ما تنفيه عادة البيانات النسوية بالبلاد.

إحصاءات صادمة

وكشفت احصاءات الزواج والطلاق السنوية للجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء (حكومي) التي أعلنها الثلاثاء الماضي عن أرقام صادمة، إذ بلغ عدد حالات الطلاق نحو 255 ألف حالة عام 2021، مقابل نحو 222 ألفا عام 2020، بزيادة قدرها 14.7%.

وبحسب بيان رسمي صادر عن الجهاز -اطلع عليه مراسل الجزيرة نت- تفوقت المناطق الحضرية على الريفية في نسب الطلاق، وبلغ إجمالي عدد حالات الطلاق في الحضر 144 ألفا و305 حالات عام 2021، بنسبة تمثل 56.6% من جملة حالات الطلاق، مقابل 124 ألفا و772 حالة عام 2020، بزيادة قدرها 15.7%.

في حين بلغ عدد حالات الطلاق في الريف 110 آلاف و472 حالة عام 2021 بنسبة تمثل 43.4% من جملة حالات الطلاق، مقابل 97 ألفا و264 حالة عام 2020 بزيادة قدرها 13.6%.

كما زادت معدلات الطلاق بأحكام قضائية في المناطق الحضرية، وبلغ عدد أحكام الطلاق في الحضر 10 آلاف و888 حكما عام 2021، مقابل 7927 حكما عام 2020، بزيادة قدرها 37.4%، مقابل 306 أحكام بمناطق الريف، مقابل 159 حكما عام 2020 بزيادة قدرها 92.5% خلال الفترة نفسها.

الإحصاءات الرسمية كشفت كذلك عن زيادة وتيرة الأحكام القضائية، إذ بلغ عدد أحكام الطلاق النهائية 11 ألفا و194 حكما عام 2021، مقابل 8086 حكما عام 2020، بزيادة قدرها 38.4% من جملة الأحكام.

وارتفعت نسب أحكام الخلع بشكل كبير، وبلغ عدد الأحكام فيها 9197 حكما بنسبة 82.2%، في حين سجلت أقل نسبة طلاق بسبب حبس الزوج، وبلغ عدد الأحكام بها 3 أحكام تمثل 0.03% من جملة الأحكام النهائية.

الإحصاءات كشفت كذلك عن أن متوسط سن المطلق 40.1 سنة، ومتوسط سن المطلقة 33.8 سنة عام 2021، في حين سجلت أعلى نسبة طلاق في الفئة العمرية من 30 إلى أقل من 35 سنة، بنسبة 19.8%، وكذلك في الفئة العمرية من 25 إلى أقل من 30 سنة، بنسبة 17.8%، كما سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية من 18 إلى أقل من 20 سنة، بنسبة 0.2%، وكذلك الفئة العمرية 65 سنة فأكثر بنسبة 0.7%.

في المقابل، شهدت معدلات الزواج تطورا طفيفا، وبلغ عدد عقود الزواج 880 ألفا و41 عقدا عام 2021، مقابل 876 ألفا و15 عقدا عام 2020، بزيادة قدرها 0.5%.

قلق رسمي

رسميا، أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن قلقه أكثر من مرة من ارتفاع نسب الطلاق بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وفي مايو/أيار الماضي أكد أن مصر تحتاج إلى مناقشة قضايا الأسرة بأمانة وحيادية ومن دون مزايدة.

وقال السيسي -في تصريحات متلفزة- إن قضايا الأسرة من أخطر القضايا التي تؤثر على مجتمعنا وتماسكه ومستقبله، ولا بد من وجود قانون يلزمنا جميعا بحل قضايا الأسرة، وعلينا التكاتف والاستماع لكافة الآراء لحل ملف الأحوال الشخصية، لأن الاختلاف قبل الزواج أفضل من الاختلاف بعده.

وأكد الرئيس المصري -في تصريحات مماثلة عامي 2018 و2021- أن ارتفاع نسب الطلاق مؤشر على قضية خطيرة في المجتمع.

كما أعربت مؤسسات رسمية -ومنها الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف- عن قلقها من زيادة نسب الطلاق، وأبدت تعاونا مشتركا لمواجهة أزمات الطلاق والزواج بالبلاد منذ العام الماضي.

بنك الزواج المصري

في هذا السياق، ترى مديرة مركز أسرتي للاستشارات الاجتماعية والأسرية منال خضر أن الخوف من تأثيرات القوانين المعنية بالأسرة والصورة الذهنية السلبية لتوابع الطلاق وتشتت الأولاد وتصاعد العوز المجتمعي؛ من أسباب زيادة الطلاق وبطء معدلات الزواج بمصر.

وفي حديثها للجزيرة نت، تقول خضر إن عشرات الحالات التي تعاملت معها في استشارات كانت لا توجد لديهم مشاكل سوى الأزمة الاقتصادية؛ الزوجة تقول هو زوج محترم ولكن لا يقدر على مصاريف البيت، ولا يوجد لدي مصدر دخل، ونحتاج إلى الطلاق حتى أجد من يستطيع النفقة ويجد هو من تساعده.

وتضيف الخبيرة الاجتماعية والأسرية أن هناك أزمة ثانية في قضايا الطلاق، وهي أن البعض يلجأ ورقيا للطلاق الرسمي من أجل أن تحصل الزوجة على معاش والدها وتساعد في البيت، بينما تستمر الحياة الزوجية بعدها عبر ورقة عرفية.

وتشير إلى أن الخوف من الزواج يقوض معدلاته، في ظل الجدل الدائر عن قوانين الأسرة التي يشعر معها الشباب -كما قالوا لها- بأنهم محاصرون ماليا، وأن الزواج بات مجرد أعباء مالية وسلعة، مما يدفع البعض إلى الإحجام من الأساس.

وتدعو الخبيرة الاجتماعية والأسرية إلى تفعيل المبادرات الاجتماعية التي ظهرت مؤخرا في مصر لمواجهة تلك الظروف الاقتصادية الصعبة، ومن بينها مبادرة إنشاء بنك للزواج المصري، مثل تجربة بنك الطعام والشفاء بمصر، وذلك للإسهام في دعم المقبلين على الزواج بقروض حسنة أو تأسيس مشروعات تنموية، ومساعدة أرباب البيوت في توفير احتياجات عائلاتهم.

جرس إنذار

بدروه، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن تأثيرات الاقتصاد بارزة في الزواج والطلاق في مصر، وهو ما أكدته الإحصاءات، مشيرا إلى أن الأعباء المالية المتزايدة بعد جائحة كورونا ستواصل التأثير سلبا على معدلات الارتباط والطلاق بالبلاد، وفق تقديره.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير الصاوي إلى أن البعد الاقتصادي يعد أكثر الأبعاد إلحاحا في المجتمع المصري للمتزوجين أو للمقبلين على الزواج، خاصة في هذه الأوقات التي يعاني فيها 30% من المصريين من الفقر، ويلاحق 30% آخرين شبح الفقر، التي أكدتها تقديرات البنك الدولي في مايو/أيار 2019، إذ كشفت عن أن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.

ويأمل الخبير الاقتصادي أن تكون نتائج الجهاز المركزي للإحصاء هذا العام جرس إنذار للعائلات من أجل التخلي عن المغالاة في المهور، وتجنب إعداد بيت الزوجية بطريقة مبالغ فيها، منعا لتكرار أزمات الطلاق بسبب الديون، فضلا عن ضبط تسيير أمور البيوت بعيدا عن أي مقارنات مع الغير، في ظل تزايد اتساع الفجوة الطبقية في المجتمع.

أسباب متعددة

من جانبه، يرى الاستشاري السكاني والمجتمعي مصطفى جاويش أن من أهم أسباب زيادة نسبة الطلاق في مصر ارتفاع وتيرة دعوات النسوية والتاء المربوطة وتمكين المرأة بصورة غير منضبطة في ظل قوانين الأحوال الشخصية الحالية، التي تسهل الطلاق بجانب التعسف في حقوق الرجل والزوج، وغياب الوعي المجتمعي وتهميش دور الأسرة والنزوع لدعوات الفردية وعدم الزواج.

ويشير جاويش إلى أنه منذ عام 1994 كان يشارك في حملات التوعية المجتمعية السكانية والأسرية بالبلاد، ولكن معدل التركيز على الصراع بين الرجل والمرأة زاد في الفترات الأخيرة، في ظل غياب حملات التوعية الإيجابية المضادة لذلك التصعيد النسوي السلبي، وفق تعبيره.

ويقلل جاويش من فكرة تأثير البعد الاقتصادي على نسب الطلاق والإقبال على الزواج، مؤكدا أن البيئة المصرية كانت في أوقات سابقة تستوعب ظروفا اقتصادية أصعب، لكن في ظل وجود وعي أسري إيجابي يعزز روح تحمل الصعوبات ويسهل تعزيز الأواصر الاجتماعية عبر الزواج، ولكن مع غياب المناخ الداعم اجتماعيا؛ ركز الإعلام على تصدير فكرة سلبية عن الارتباط أو استكمال الزواج.

 

بث أفكار الصراع

أما رئيس مجلس إدارة أكاديمية “بسمة” للسعادة الزوجية محمود القلعاوي فيحمّل الحركات النسوية بمصر زيادة نسب الطلاق بالبلاد لأنها -حسب رأيه- تدعو للطلاق أكثر مما تدعو لنجاح الزواج، وهو ما تنفيه عادة تلك الحركات، مؤكدة دفاعها عن حقوق المرأة فقط.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح القلعاوي رأيه بالقول إن تلك الحركات فُتحت لها شاشات الفضائيات تحت شعارات براقة خداعة حول حرية المرأة، من أجل تشويه مؤسسة الزواج والزعم بأنها مؤسسة للإهانة وخدمة الزوج، مع التحريض الدائم للزوجة على التحرر من قدسية الزواج وتسهيل كلمة الطلاق، مما خلط الحابل بالنابل، وجعل تلك الحركات تتحمل أوزار ما وصل إليه مستقبل الأسرة المصرية من تقويض وتهديدات.

ويضيف الاستشاري الاجتماعي والأسري أن الأوضاع الراهنة بكل تعقيداتها -خاصة اقتصاديا ودينيا- أثرت سلبا على الأسرة، فمع زيادة الضغوط الاقتصادية، والتلاعب بالثوابت الدينية الخاصة بالأسرة؛ ازدادت معدلات الطلاق.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة

About Post Author