أنقرة- تصدّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحالفه “الجمهور” نتائج انتخابات تركيا العامة المصيرية التي عُقدت أمس الأحد، وأعلنت هيئة الانتخابات حصوله على أغلبية مقاعد البرلمان.
ورغم تقدمه على منافسه زعيم المعارضة كمال كليجدار أغلو، ستذهب الانتخابات الرئاسية لجولة ثانية لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية في 28 مايو/أيار الجاري لعدم حصول أي منهما على النسبة الكافية للفوز.
ووفق النتائج الرسمية التي أعلنها رئيس الهيئة العليا للانتخابات في تركيا أحمد ينار، حصل أردوغان على 49.51% من الأصوات، في حين حصل كليجدار أوغلو على 44.88%، وسنان أوغان على 5.17%، وأخيرا حصل المرشح المنسحب محرم إينجه على 0.44%.
تحديات.. أبرزها الزلزال
وخاض الرئيس التركي أردوغان الانتخابات في ظل تحديات عديدة سواء بتحالف المعارضة فيما عرف باسم “الطاولة السداسية” والوضع الاقتصادي الصعب وأيضا تداعيات كارثة الزلزال المدمر في فبراير/شباط، والذي حصد أرواح أكثر من 50 ألفا، وتجاوز عدد الجرحى 107 آلاف، وتضرر أكثر من مليون و895 ألف مبنى في 11 محافظة.
وانتقدت المعارضة إدارة الحكومة للأزمة وسط توقعات بأن يخسر أردوغان تأييد سكان المناطق المنكوبة في الانتخابات رغم إعلان حكومته خطة لإعادة الإعمار خلال سنة واحدة والبدء بخطوات عملية في هذا الصدد.
ولكن، جاءت النتائج مغايرة للتوقعات حيث تصدّر أردوغان النتائج في معظم المحافظات المتأثرة بالزلزال في جنوب شرقي تركيا وهي كهرمان مرعش وأديامان وإيلازيغ وغازي عنتاب وكيليس وملاطية وعثمانية وشانلي أورفا.
الكتلة المحافظة
ووفق الخبير السياسي جاهد توز، فإن أغلب سكان هذه المحافظات هم من الكتلة المحافظة والتي بطبيعة الحال تصوّت لحزب العدالة والتنمية.
وأوضح توز للجزيرة نت، أنه بجانب التوجه السياسي لسكان المناطق المنكوبة، شهدت هذه المحافظات تقدما في خدمات البنية التحتية بشكل كبير وحظي مواطنيها بمشاريع تنموية ملموسة خلال عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وأدت هذه المشاريع، وفق الخبير السياسي، إلى تسهيل حياة المواطنين وتعزيز حركة التجارة ورفع مستوى الرفاهية الاقتصادية للأفراد.
ويضيف توز أن المواطنين في هذه المناطق “يعرفون بشكل قاطع أن أردوغان فقط يمكنه إصلاح هذا الدمار، نظرا لما شهدوه من إنجازات وخدمات قدمها لهم سابقا”.
كما أنه بعد مرور 3 أشهر على الزلزال، تمت إعادة بناء العديد من المنازل وتسليمها للمتضررين، وأزيلت بقايا حطام الكارثة بشكل كامل، وبدأ العمل في إنجاز مشاريع البنية التحتية.
وقال توز إن “أردوغان وعد الشعب بإعادة الإعمار، ويعرف المواطنون أنه إذا وعد أوفى. ولهذا يثقون به ولا يرون بديلا آخر يمكنه تحقيق ذلك، ولهذا استطاع حزب العدالة والتنمية الحفاظ على كتلته التصويتية في هذه المناطق”.
بدوره قال رئيس “مركز أوبتيمار للأبحاث” حلمي داشدمير، للجزيرة نت إن أردوغان تقدّم على المرشحين الآخرين في سعيه المبكر والفعال في منطقة الزلزال. كما أن “تواصله مع ضحايا الزلزال في عمليات إزالة الأنقاض كان وديا وعزز صورته التي كانت قوية بالفعل بينهم”.
وجاء هذا، وفق المتحدث، رغم محاولة قادة المعارضة استخدام أزمة الزلزال كأداة سياسية في الانتخابات. “كما تبين أن أردوغان كان أكثر إقناعا في خطته لبناء المنازل المدمرة مما دفع الناخبين للاقتراب منه في العملية الانتخابية”.
نسبة مشاركة عالية
وعن نسبة المشاركة العالية في التصويت بهذه المناطق رغم ما عانته جراء الزلزال، يقول داشدمير إن “الناخبين فضلوا أردوغان بسبب الخوف من أن بناء منازلهم قد يكون في خطر إذا جاءت المعارضة للحكم؛ مما قد يؤخر أو يعطل عملية إعادة الإعمار التي وعد أردوغان بإنجازها في سنة واحدة”.
وأشار داشدمير إلى أن الناخبين في هذه المناطق هم أيضا من القوميين والمتدينين مما دفعهم للمشاركة بشكل كبير في العملية التصويتية لتجنّب فوز المعارضة التي قد تأتي بمرشح مدعوم من حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة “منظمة إرهابية”.
بدوره قال توز إن نسبة المشاركة لم تكن عالية فقط بمناطق الزلزال ولكن في عموم تركيا وأتت في مقدمة دول العالم بنسبة تبلغ 88%. وإن هذا الإقبال نابع من “إرادة وإيمان الشعب ولمعرفتهم بأن العملية الانتخابية تُدار بنزاهة وشفافية وأن كل صوت سيتم تقييمه بشكل صحيح”.
وأردف توز أن نسبة المشاركة العالية في مناطق الزلزال بشكل خاص تأتي أيضا من هذا المنطلق وكون سكانها من الطبقة المحافظة المؤيدة لأردوغان وأن “إيمانهم به عزز نسبة المشاركة”.
قلق صُب لصالح أردوغان
وقال توز إن بعض المواطنين الذين تركوا مدنهم جراء الزلزال عادوا إليها يوم الانتخابات من أجل التصويت في ظل تسهيلات من الحكومة كتخفيض أسعار تذاكر الطيران على الخطوط التركية لهذه المناطق إلى النصف.
لكن بالخلاصة، يعتقد المتحدث أن التوجّه الأيديولوجي المحافظ لسكان هذه المناطق كان من أبرز العوامل في توجيه سلوك الناخب، إلى جانب الخبرة العملية لأردوغان والثقة التي حظي بها على مدار عقدين من حكمه، وأيضا قدرته على إنجاز المشاريع التي تعد من أهم العوامل التي أدت إلى تفوقه في النتائج بمناطق الزلزال.
واتفق داشدمير بأن ضحايا الزلزال قريبون أيديولوجيا من أحزاب تحالف “الجمهور”، وأن المؤشر الأكبر على ذلك هو الأصوات التي حصل عليها الحزب الحاكم في الانتخابات السابقة.
بالإضافة إلى ذلك يقول داشدمير “عندما ينظر سكان هذه المناطق إلى الأمر بشكل واقعي، توجد حالة من القلق من احتمال حدوث أزمة إدارية عندما يأتي كليجدار أوغلو للسلطة”. وهذا القلق كان جليا في محافظة هاتاي، حيث المعارضة قوية هناك، ولكن في ظل أزمة الزلزال والمساعدات التي تقدمها الدولة، حصل تحالف “الجمهور” وأردوغان على تصويت مرتفع.