إن الهجوم الذي واجهته المؤسسات البرازيلية، يوم الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري، يشبه إلى حد التماهي ما حدث في مبنى الكابيتول في العاصمة الأميركية قبل عامين، وهو فشل ذريع للرئيس جايير بولسونارو، سيخرج منه لولا دا سيلفا منتصرا قريبا، ولكن على المدى البعيد سيظهر أن الديمقراطية البرازيلية لا تزال هشة.
بهذه المقدمة افتتحت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية مقالا بقلم فيليب بولي جركورت استخلص فيه 8 دروس، مشيرا إلى أنه على دا سيلفا أن يقرر إلى أي مدى سيذهب في تصفية تراث الرئيس السابق بولسونارو، وهل سيقوم بتنظيف كبير أم يلعب بورقة المصالحة الوطنية؟
أولا: مفاجأة ليست كاملة
كان من المفاجئ أن يتم هجوم 8 يناير/كانون الثاني على مراكز السلطة الفدرالية بالعاصمة برازيليا لأنه قد بدا أن صفحة الحملة الرئاسية المتوترة قد طويت، ولكن المفاجأة لم تكن كاملة، لأن التحضير للهجوم كان علنيا يناقش على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد نشر أكثر من 10 آلاف حساب عبارة “فييستا دا سلما” وهي تورية عن “حفلة صرخة حرب” ولكن السلطات المنتخبة كانت قررت تجاهل المتظاهرين تجنبا لحمام دم يخلف شهداء لليمين المتطرف.
ثانيا: تشابه مزعج مع 6 يناير واشنطن
ورغم مرور عامين ومسافة 6 آلاف كيلومتر، كانت محاولتا التمرد الأميركية والبرازيلية متشابهتين مثل قطرتي ماء، أولا من حيث الفوضوية ونظريات المؤامرة، وثانيا من حيث أعمال النهب، وثالثا من حيث كراهية الصحفيين. إلا أن هناك فرقا كبيرا بينهما، وهو أن ما حدث في البرازيل يهدف للاحتجاج على انتخاب رئيس يعتبره المحتجون مزورا، في حين أن التحرك في واشنطن كان لمنع عمل سياسي، وهو مصادقة الكونغرس على انتخاب الرئيس جو بايدن.
وليس هذا التشابه مصادفة -حسب المقال- لأن بولسونارو لم يخف أبدا إعجابه بالرئيس الأميركي السابق (ترامب) ولم يتوقف لحظة عن تقليده، كما أن الأخير أشاد مرارا وتكرارا بالرجل الذي أطلق عليه لقب “ترامب المناطق المدارية” بل إن “أعضاء الدائرة المقربة من بولسونارو التقوا بمستشاري ترامب لمناقشة الخطوات التالية”.
ثالثا: انجراف مقلق في الحقوق
قال الرئيس دا سيلفا إن “الأعمال الإرهابية” ضد السلطة في برازيليا، مثل الهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن، هي أروع مظهر لواقع عالمي، يظهر أن اليمين المتطرف قد قضى نهائيا على اليمين التقليدي.
ومع أنه من الخطأ التغاضي عن الاختلافات المهمة في كثير من الأحيان بين بلد وآخر، فإن هناك نقطة مشتركة، وهي رغبة اليمين المتطرف في قلب النظام القائم، مما دعا البعض للحديث عن حركة عالمية، كما كتب بابلو ستيفانيوني من صحيفة إلباييس (El País) الإسبانية، عام 2020: شهدنا محاولات للسيطرة على البرلمان الألماني من قبل مجموعات الألتراس، ومؤخرا فككت أجهزة الأمن الألمانية شبكة يمينية متطرفة كانت تخطط لانقلاب، وفي إيطاليا حاولت الجماعات اليمينية المتطرفة المناهضة للقاحات الاستيلاء على مقر الحكومة، كما أصدرت جماعة الفاشية الجديدة “فورزا نوفا” تهديدات قائلة “الليلة سنأخذ روما” كل ذلك إلى جانب السادس والثامن من يناير/كانون الثاني وتعثر انتخاب رئيس غرفة النواب بواشنطن.
رابعا: كان يمكن أن ينتهي الأمر بشكل سيئ
في كل من هجوم 2021 على مبنى الكابيتول وهجوم 2023 في البرازيل، كانت الديمقراطيات محظوظة للغاية لأن الوضع اقترب من الكارثة، ورغم وجود العنف وبعض الوفيات لم يحدث حمام الدم الرهيب الذي أوشك أن يكون، إما لأن المشاغبين كانوا غير قادرين أو غير راغبين في نشر الأسلحة النارية.
وفي كلتا الحالتين كان المشاغبون يفكرون في سيناريو عنيف من شأنه أن يؤدي إلى فوضى عارمة لو تم قمعهم بعنف، إذ كانوا يأملون تعليق النظام الديمقراطي في واشنطن ليمارس ترامب سلطات الطوارئ. ويأملون في البرازيل أن يأخذ الجيش زمام الأمور، ولكن اليمين المتطرف المتمرد عاد بدون نصر أو سقوط أبطال. إن هجوم 8 يناير/كانون الثاني الذي واجهته المؤسسات البرازيلية يشبه إلى حد التماهي ما حدث بمبنى الكابيتول في واشنطن قبل عامين.. فشل ذريع للبولسوناريين، سيخرج منه دا سيلفا منتصرا وإن بديمقراطية هشة.
خامسا: قلق بولسونارو
سافر بولسونارو إلى فلوريدا “على أمل أن يساعد غيابه عن البلاد على تهدئة التحقيقات في نشاطه كرئيس” -حسب أحد مقربيه- خاصة أن 4 تحقيقات جنائية فتحت ضده قبل الانتخابات الرئاسية، وقال -بعد الانتخابات- إنه يؤيد الاحتجاجات السلمية المستوحاة من “مشاعر الظلم تجاه العملية الانتخابية” وانتقد على تويتر الاحتجاجات، قائلا إن الاحتجاجات السلمية جزء من الديمقراطية، لكن “ليس تدمير وغزو المباني العامة كما حدث اليوم”.
سادسا: صداع محتمل لبايدن
يعتبر فشل أنصار بولسونارو بشرى سارة للرئيس بايدن، لأنها تساعده في إثبات أن الطعن بالانتخابات والسلطات القائمة في نظام ديمقراطي ليس أمرا طبيعيا، ولكن وجود بولسونارو على الأراضي الأميركية يضعه في مشكلة، إذا افترضنا أن أحد القضاة أصدر مذكرة توقيف بحقه، كما تقول المجلة.
سابعا: دا سيلفا أقوى على المدى القصير
كانت إدانة أحداث 8 يناير/كانون الثاني في البرازيل مثيرة للإعجاب. أولا، في الصحافة، حيث تحدثت صحيفة فولها (Folha) في افتتاحية لها عن “حفنة من البلهاء والمجرمين الذين خربوا المباني الحكومية في العاصمة برازيليا. إنهم لا يحظون بدعم الغالبية العظمى من المجتمع البرازيلي. أقليات مسعورة تقلد الخاسرين في مبنى الكابيتول الأميركي”.
غير أن اللافت أكثر هو الإدانة الواسعة النطاق من قبل مؤيدي بولسونارو المنتخبين، إذ أعرب منتدى المحافظين الوطنيين -الذي يضم الرؤساء التنفيذيين لولايات البرازيل الـ 29- عن “استيائه المطلق” من هذه “الخطوة السخيفة” مما يعني بالنسبة لدا سيلفا أن تهديد بولسونارو آخذ في الانحسار.
ثامنا: ديمقراطية برازيلية هشة
أشارت لوبس إلى أن فشل المشاغبين ينبغي ألا يجعلنا ننسى أن دا سيلفا انتخبه أقل من 51% من الأصوات، ويعتقد 51% فقط من البرازيليين أن حكومته ستكون أفضل من حكومة سلفه.
ومع أن ما حدث في العاصمة البرازيلية يشكل فرصة جيدة لرفع تقييم الرئيس دا سيلفا، فإن التحديات الهائلة التي تواجه البلاد ستأخذ الأولوية مرة أخرى، وبالتالي فإن هجوم الثامن من يناير/كانون الثاني سيكون تذكيرا للجميع بأن الديمقراطية البرازيلية لا تزال هشة.