أثار قرار موسكو سحب القوات الروسية من الضفة اليمني لنهر دنيبرو في خيرسون علامات استفهام واسعة بشأن نوايا روسيا الحقيقية، لا سيما أن الأمر يتعلق بواحدة من المقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها.
وسارعت أوكرانيا إلى التشكيك في الخطوة الروسية، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن قواته تتحرك بحذر شديد من أجل تحرير خيرسون وأراضي أوكرانيا كاملة، وإن العدو لا يقدم هدايا، وفق تعبيره.
كما أن الرئيس الأميركي جو بايدن ربط القرار الروسي بنتائج انتخابات التجديد النصفي الأميركية، ووصف انسحابه من خيرسون (جنوبي أوكرانيا) “بالمذل”.
وتعددت قراءات المراقبين والمحللين السياسيين بشأن الخطوة الروسية، ومن أبرز هذه القراءات ما ذهب إليه الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا -في حديثه لبرنامج “ما وراء الخبر”- إذ رأى أن الانسحاب الروسي من خيرسون هو الثالث من نوعه للقوات الروسية؛ الأول كان من العاصمة الأوكرانية كييف، والثاني كان من خاركيف.
ووفقا للخبير الإستراتيجي، فإن الانسحاب من خيرسون طوعي من القيادة الروسية ويعكس المشاكل التي تتخبط فيها، وهو مكلف جدا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولا يستعبد حنا أن تكون الخطوة الروسية حصلت بمعزل عن شيء ما تحضر له روسيا في المرحلة المقبلة، فلا يعقل أن تقوم بالانسحاب من أراض ضمتها إليها. وفي رأيه أن القيادة الروسية تسعى من وراء تلك الخطوة إلى منع الجيش الأوكراني من التقدم في انتظار تطورات أخرى؛ وقد تكون باب الموقع التفاوضي.
وكانت موسكو صدقت على اتفاقية انضمام خيرسون -إضافة إلى لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا- إلى روسيا الاتحادية، وعين بوتين حاكما لكل منطقة من تلك المناطق.
وتذهب قراءات أخرى إلى أن الخطوة الروسية بالانسحاب من خيرسون ترتبط بشكل أساسي بهزيمة الجيش الروسي في حربه على أوكرانيا، وهو الرأي نفسه الذي تتبناه الباحثة في المركز الأوروبي التابع للمجلس الأطلسي ريتشل ريزو بقولها لبرنامج “ما وراء الخبر” إن ما يحدث في خيرسون بسبب الأحداث الجيوسياسية والهزيمة الإستراتيجية العظيمة للجيش الروسي.
وكان وزير الدفاع الروسي أمر أمس القوات الروسية بالانسحاب من الضفة اليمنى لنهر دنيبرو وإقامة خط دفاع على الضفة اليسرى من النهر.
وحسب محرر الشؤون العسكرية في وكالة تاس الروسية فيكتور ليتوفكين، فإن روسيا قدمت فرصة للجيش الأوكراني ليتقدم للجانب الأيمن من نهر دنيبرو، وبالتالي يتمكن الجيش الروسي من عمل فخ للقوات الأوكرانية.
وتمسك ليتوفكين بالرواية الروسية القائلة إن القوات الروسية تقوم بحماية المدنيين في خيرسون خوفا من أن تغرقهم القوات الأوكرانية بالمياه في قصفها على أحد السدود، وشدد في حديثه لبرنامج -“ما وراء الخبر”- على أن روسيا ستقوم بقطع أوكرانيا عن البحر الأسود لمنع وصول المساعدات إليها عن طريق هذا البحر، وبعدها يمكن أن تبدأ موضوع المفاوضات أو ما أسماها “مفاوضات استسلام أوكرانيا”.
وتقع مقاطعة خيرسون جنوبي أوكرانيا في موقع إستراتيجي تطل منه على بحري آزوف والأسود، كما تقع قرب مصب نهر دنيبرو، وبالتالي فهي تمثل خط إمداد حيوي. ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون شخص، وتمتد على مساحة 28 ألفا و500 كيلومتر مربع.
وتشكل جسرا بريا لروسيا من أراضيها مرورا بإقليم دونباس إلى شبه جزيرة القرم التي تتصل بها، وتتحكم في معظم مصادر مياه الشرب والزراعة التي تغذي القرم.