تآكلت حصة الولايات المتحدة في تصنيع وإنتاج أشباه الموصلات من 37% من الإنتاج العالمي عام 1990 لتبلغ اليوم 12% فقط (شترستوك)

تآكلت حصة الولايات المتحدة في تصنيع وإنتاج أشباه الموصلات من 37% من الإنتاج العالمي عام 1990 لتبلغ اليوم 12% فقط (شترستوك)

واشنطن – على مدى السنوات الماضية تآكلت حصة الولايات المتحدة في تصنيع وإنتاج أشباه الموصلات (يطلق عليها كذلك الرقائق الإلكترونية) من 37% من الإنتاج العالمي عام 1990 لتبلغ اليوم 12% فقط.

واستدعى التوتر الذي شهدته علاقات أميركا مع الصين إثر ظهور وتفشي فيروس كورونا منذ نهايات عام 2019، انتباه أصحاب القرار الأميركي إلى مخاطر الاعتماد الكبير على أشباه الموصلات المُصنعة خارج بلادهم.

 

واتخذت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ومن بعدها إدارة جو بايدن عدة خطوات جادة في سبيل تقليل الاعتماد على الرقائق الإلكترونية المصنعة خارجيا، وتقدّم الكونغرس بعدة تشريعات لتسهيل ودعم هذا القطاع داخل الولايات المتحدة، وكان آخرها تمرير مجلس الشيوخ مشروع “قانون أشباه الموصلات” (CHIPS-plus) ليدعم منتجي ومطوري أشباه الموصلات الأميركيين، وهو ما نال دعم أغلبية المشرعين من الحزبين، إذ وافق عليه 64 عضوا ورفضه 33 آخرون.

الجزيرة نت تعرض في سؤال وجواب كل ما يتصل بهذه القضية التي تشغل السياسيين وقطاع التكنولوجيا داخل وخارج الولايات المتحدة.

  • لماذا تدخّل الكونغرس على خط قضية تصنيع أشباه الموصلات؟

مرر مجلس الشيوخ “قانون أشباه الموصلات” لعام 2022 لتعزيز أشباه الموصلات المحلية وتصنيعها وتصميمها وأبحاثها، وتحصين الاقتصاد والأمن القومي، وتعزيز سلاسل توريد الرقائق الأميركية. وأدى تآكل حصة القدرة التصنيعية الحديثة لأشباه الموصلات الأميركية- بسبب غياب الدعم الحكومي- إلى جمود الأبحاث، في الوقت الذي ضاعفت فيه دول أخرى بشكل كبير من الاستثمارات البحثية في هذه القطاعات الحيوية، خاصة الصين.

  • ما أهمية الخطوة التي أقدم عليها مجلس الشيوخ؟

يهدف التشريع إلى مساعدة الولايات المتحدة على التنافس مع الصين من خلال ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات. وسيتوجه مشروع القانون الآن إلى مجلس النواب، حيث يأمل المشرعون في تمريره وإرساله إلى البيت الأبيض لتوقيع الرئيس جو بايدن عليه قبل مغادرة الكونغرس لقضاء عطلة الصيف في النصف الأول من شهر أغسطس/آب القادم. وتشمل الحزمة أكثر من 52 مليار دولار للشركات الأميركية المنتجة لرقائق الحاسوب، فضلا عن إعفاء ضريبي للاستثمار في تصنيع الرقائق. كما يوفر المشروع التمويل اللازم لتحفيز الابتكار والتطوير في التقنيات الأخرى المساعدة. ويشجع تمرير القانون عودة تصنيع الرقائق الإلكترونية في أميركا، وتعزيز أبحاث وتصميم الرقائق المحلية، والمساعدة في ضمان ريادة الولايات المتحدة في التقنيات الحاسمة التي تدعم الرقائق والتي ستحدد مستقبل أميركا في ظل تنافس قوي من الصين.

  • ما أبرز ما تضمّنه التشريع الجديد؟

يخصص مشروع القانون عشرات المليارات من الدولارات لزيادة تصنيع رقائق الحاسوب في الولايات المتحدة، ويوفر إعفاءات ضريبية للاستثمارات في تصنيع أشباه الموصلات. ويشمل هذا الإجراء أكثر من 52 مليار دولار لصناعة أشباه الموصلات، بما في ذلك 39 مليار دولار لتحسين المرافق والمعدات المحلية للتصنيع.

كما سينشئ ائتمانا ضريبيا بنسبة 25% وحوافز أخرى للاستثمارات في تصنيع أشباه الموصلات.

  • كيف رد قطاع التكنولوجيا الأميركي؟

قال الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية منتجي أشباه الموصلات الأميركيين جون نوفر إن “إقرار الكونغرس لاستثمارات قانون أشباه الموصلات يعد خطوة مهمة نحو تعزيز ريادة أميركا في قطاع أشباه الموصلات، التي تعد أساسية لاقتصادنا وأمننا القومي وريادتنا العالمية في التقنيات التحويلية في الحاضر والمستقبل. وسيساعد هذا التشريع في تسريع تعزيز إنتاج الرقائق والابتكار في الولايات المتحدة لسنوات عديدة قادمة”.

  • ماذا يُتوقع من مجلس النواب؟

يتوقع أن يمر التشريع في مجلس النواب، فقد قالت رئيسة المجلس نانسي بيلوسي إن مشروع قانون الرقائق يعد “انتصارا كبيرا للعائلات والاقتصاد الأميركي”.

  • ما أهمية تصنيع الرقائق الإلكترونية محليا داخل الولايات المتحدة؟

يُقلل ذلك من الاعتماد على الصادرات التي كشفت خبرة السنوات القليلة الماضية هشاشتها مع الإغلاقات الواسعة التي تسبب فيها تفشي وانتشار فيروس كورونا، إضافة إلى اضطراب سلاسل التوريد التجارية العالمية، وهو ما ترك ملايين المستهلكين الأميركيين من دون ما يحتاجونه من أجهزة ومنتجات تدخل في تصنيعها هذه الرقائق بصورة كبيرة مثل السيارات والأجهزة الكهربائية المنزلية والأدوات الطبية، وغيرها من المنتجات الصناعية الحيوية.

كما أن الولايات المتحدة لا تُصنع سوى القليل من الأنواع الأكثر تقدما من أشباه الموصلات، والتي يتم إنتاجها إلى حد كبير في تايوان، التي تعد مركزا للتوتر المستمر بين الصين والولايات المتحدة في وقت يخشى فيه الكثير من الأميركيين إقدام بكين على غزو تايوان.

وتدخل أشباه الموصلات في تشغيل الكثير من أدوات الحروب الحديثة وأسلحتها الفتاكة، وعلى سبيل المثال، يحتوي كل نظام لإطلاق صواريخ “جافلين” (Javelin) -الذي قدمت واشنطن المئات منه للجيش الأوكراني- على المئات من الرقائق الإلكترونية، وهو ما يدفع مسؤولي الدفاع الأميركيين إلى القلق بشأن اعتمادهم على المنتجين الأجانب لإمدادات بلدهم من الرقائق.

  • ما موقف إدارة بايدن من خطوة مجلس الشيوخ؟

ذكر مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان أن “اعتماد أميركا المستمر على أشباه الموصلات المصنعة في الخارج يعد أمرا خطيرا للغاية، وسيكون تعطيل إمدادات الرقائق لدينا كارثيا”.

كما تحدث بايدن وألقى باللوم على نقص الرقائق في التضخم المرتفع الذي تعاني منه إدارته وتسبب في انخفاض نسب شعبيته بصورة كبيرة بين الأميركيين. وقال بايدن إن “أميركا اخترعت أشباه الموصلات، ولقد حان الوقت لإعادتها إلى الوطن”، ووصف بايدن في بيان له عقب تصويت مجلس الشيوخ على مشروع القانون بأنه “مشروع قانون تاريخي من شأنه خفض التكاليف وخلق فرص العمل، وسيؤدي أيضا إلى جعل سلاسل التوريد الأميركية أكثر مرونة، لذلك نحن لا نعتمد مطلقا على الدول الأجنبية للحصول على التقنيات الحيوية التي نحتاجها للمستهلكين الأميركيين وقطاع الأمن القومي”.

  • هل واجه التشريع معارضة قوية داخل مجلس الشيوخ؟

واجه التشريع انتقادات من بعض الجمهوريين في مجلس الشيوخ مثل السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، الذي قال إنه يفتقر إلى “حواجز واقية” لمنع وقوع التمويل الحكومي في أيدي الصين. وجادل آخرون بأن الولايات المتحدة سيتعين عليها إنفاق عدة مليارات أخرى للحصول على فرصة حقيقية للتنافس مع شركات صناعة الرقائق الرائدة في العالم.

كما عارض السيناتور بيرني ساندرز في وقت سابق مشروع القانون، واصفا إياه بأنه “شيك على بياض بقيمة 52 مليار دولار لشركات الرقائق الدقيقة وأشباه الموصلات المربحة”.

وقال ساندرز قبل التصويت “دعونا نعيد بناء صناعة الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة، ولكن دعونا نفعل ذلك بطريقة تفيد مجتمعنا بأكمله، وليس فقط حفنة من الشركات المربحة الغنية”.

  • لماذا ارتفع القلق الأميركي من الاعتماد على استيراد الرقائق؟

تدخل أشباه الموصلات، أو رقائق الحاسوب، في جميع الأنشطة الصناعية تقريبا، بما في ذلك الأنظمة التي تدعم القدرة التنافسية الصناعية والأمن القومي للولايات المتحدة. فهي مفيدة في التقنيات التي تلبي مجموعة واسعة من الاحتياجات الحيوية، مثل أنظمة الأسلحة الدفاعية، والمعدات الطبية، والسيارات، والآلات الصناعية، والإلكترونيات الاستهلاكية، والأنظمة البيئية.

وتعد عملية تصميم وتصنيع أشباه الموصلات عملية عالمية تجري في عدة دول، ويكمل بعضها بعضا في نطاق كبير منها، ومن هذه العمليات: التصميم، والتصنيع، والتجميع، والاختبار، والتعبئة، والتغليف.

وتلعب الشركات الأميركية دورا كبيرا في التصميم، وتدير 6 شركات لتصنيع أشباه الموصلات مقرها الولايات المتحدة أو مملوكة لأجانب حاليا 20 منشأة تصنيع في أميركا. ومع ذلك، بلغت حصة الولايات المتحدة من قدرة تصنيع أشباه الموصلات 12% في عام 2020، في وقت كان ما يقرب من 4 أخماس الطاقة الإنتاجية العالمية يقع بالقارة الآسيوية -كوريا الجنوبية (28%) وتايوان (22%) واليابان (16%) والصين (12%)-.

  • ما أبرز المخاوف بشأن قدرة تصنيع الرقائق الأميركية؟

أعرب بعض أعضاء الكونغرس عن قلقهم إزاء الآثار الاقتصادية والعسكرية المترتبة على فقدان القيادة الأميركية في أجزاء من سلسلة توريد أشباه الموصلات، وعلى نحو متصل مدى كفاية قدرة شركات تصنيع أشباه الموصلات والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها لتلبية الاحتياجات التجارية والدفاعية للبلاد.

وأصبح آخرون يشعرون بقلق متزايد إزاء تركز الإنتاج في شرق آسيا وما يتصل بذلك من ضعف سلاسل توريد أشباه الموصلات أمام الاضطراب في حالة نشوب نزاع تجاري أو صراع عسكري، فضلا عن مخاطر أخرى مثل التلاعب بالمنتجات وسرقة الملكية الفكرية. وقد تفاقمت هذه المخاوف بسبب تحديات سلسلة توريد أشباه الموصلات والتي ظهرت خلال جائحة كورونا عام 2019 بسبب تغير الطلب الصناعي والاستهلاكي، وانخفاض الإنتاج واضطرابات النقل والخدمات اللوجستية.

  • هل تشكل الصين خطرا على الولايات المتحدة في هذا المجال؟

يساور بعض أعضاء الكونغرس القلق من أن الجهود التي تقودها الدولة في الصين لتطوير صناعة أصلية متكاملة لأشباه الموصلات، لم يسبق لها مثيل من حيث النطاق والحجم بدعم من حجم السوق والاستهلاك الصيني الضخم، وهو ما قد يسمح للصين بالتحول إلى ريادة الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات.

وتشير دراسة لخدمة أبحاث الكونغرس، وهو الجهة البحثية الداعمة لأعضاء الكونغرس، إلى أن نفقات الحكومة الصينية تخطت 150 مليار دولار حتى الآن في هذا الاتجاه، من أجل جعلها نقطة إنتاج مركزية للإلكترونيات الاستهلاكية العالمية.

وتؤمن وزارة الدفاع الأميركية أن علاقات قوية تجمع صناع شركات أشباه الموصلات الصينيين بالجيش الصيني والحزب الشيوعي، وهو ما يجب معه تقليل أو إنهاء الاعتماد على الواردات الصينية في هذه المجالات. وسبق أن وضع البنتاغون في قائمة وزارة التجارة الأميركية السوداء العديد من كبريات شركات التكنولوجيا الصينية مثل شركة “هاوواي” (Huawei) وشركة “إس أم آي سي” (SMIC) بسبب علاقاتهما الواسعة بالجيش الصيني.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *