مجموعات بحثية تستخدم كابلات الإنترنت البحرية في دراسة أعماق المحيطات
كشفت تجربة مذهلة على وصلة اتصالات عبر المحيط الأطلسي عن زلازل وتيارات مد وجزر وموجات عواصف، مما يؤكد أن الألياف الضوئية، التي تعبر محيطات الكرة الأرضية على أعماق غير معروفة، يمكن أن تحدث ثورة في دراسة المحيطات، دون الإخلال بوظيفتها الأساسية.
ومن المعلوم أن هذه الألياف الزجاجية الموجودة داخل هياكل صلبة تحمل المكالمات الهاتفية والبيانات في شكل حزم من الضوء، وهي على شكل خيوط أدق من الشعر وحساسة للظروف البيئية، كالتغيرات في درجة الحرارة والضغط أو الاهتزازات التي تغير الخصائص البصرية للألياف، مما له أهمية كبيرة لدى العلماء، لما يقدمه من أدلة على الظروف المحلية السائدة في تلك المناطق التي يتعذر الوصول إليها.
مجموعة جوسيب مارا
بهذه العبارات، لخصت صحيفة لوتان (Le Temps) السويسرية تجربة قامت بها مجموعة جوسيب مارا Giuseppe Marra، من مختبر الفيزياء الوطني National Physical Laboratory (NPL) في تيدينغتون ببريطانيا، استخدمت فيها كابلا تجاريا بطول 5860 كيلومترا يربط أسكتلندا بكندا، وهو مجهز عند كل 45 كيلومترا تقريبا، بأجهزة تكرار تهدف إلى إعادة تضخيم الإشارات.
ومن خلال إدخال شعاع ليزر في أحد طرفي الكابل، قام الباحثون -كما أوضحت دراستهم المنشورة بدورية ساينس (Science) في 19 مايو/أيار الماضي- بقياس الاختلافات في الضوء المنعكس، وحصلوا على بعض البيانات المهمة، إذ لاحظوا وصول موجات زلزالية بخصائص قريبة جدا من تلك التي تلقتها محطات الزلازل الأرضية في أيرلندا، أثناء زلزال بلغت قوته 7.5 درجات شمال بيرو، وآخر بقوة 7.3 درجات في بحر فلوريس بإندونيسيا.
ويقول الكاتب: بالمثل يظهر مستوى موجات العاصفة بوضوح إذ إن التموج عندما يمر عموديا فوق الكابل يحدث ضغطا عليه في الأعماق السحيقة فتنضغط الألياف بصورة قابلة للقياس رغم صغر التغيير، كما أظهرت هذه التجربة -التي لا تزال جارية- الاختلافات في تيار المد والجزر بالبحر الأيرلندي، مما يكفي لتقييم إمكان وضع توربينات المد والجزر في المستقبل.
التحدي.. معرفة مصدر الإشارات
عام 2018، نفذت نفس المجموعة تجربة مماثلة، دون أن تكون قادرة على تحديد مواقع الإشارات التي بدت “مدمجة” على طول الكابل بالكامل، أما “هذه المرة -كما يوضح جوسيب مارا- فنستفيد من خاصية وجود مكررات إشارة” حيث قام مصنعو الكابلات، من أجل التحقق عن بعد من الأداء السليم لهذه المعدات، بتزويدها بنوع من المرايا تعكس جزءا صغيرا من الضوء المستلم وتعطيه “بصمة بصرية” لتحديد أصله.
وتوفر تلك المرايا، من خلال إعادة شعاع الليزر المخصص لهذه التجارب، معلومات عن مقطع الكابل حيث تحدث الاضطرابات المرصودة، ليعمل الكابل الذي يستخدمه مارا، والمكون من 128 مقطعا مثل العديد من أجهزة الكشف، دون أن يعيق ذلك عمل تلك البنية التحتية الموجودة تحت الماء، لأن التجربة تستخدم قناة اختبار غير مشغولة إلى حد كبير، مما يعني إمكان إجراء هذا النوع من القياسات على مدار 24 ساعة في اليوم، كما يقول الكاتب.
ويقول مارا الذي تضم مجموعته باحثيْن من شركة غوغل التي أصبحت لاعبا في صناعة الكابلات البحرية مثل “ميتا” ومايكروسوفت “هذه الفكرة التي نساعد في تطويرها ضرورية لمعرفة المحيطات، خاصة أن استخدام هذه البنى التحتية القائمة سيزيل عقبة كبيرة كانت تتمثل في القيود اللوجستية والتكلفة غير العادية لتركيب أجهزة استشعار علمية متخصصة وإرسال بعثات لدراسة المحيطات”.
وبالتالي يرى مارا أننا سنتعلم الكثير عن قاع البحر على مستوى التلال التي غالبا ما تكون مقر الزلازل، ونتمكن من متابعة تباطؤ التيارات، ويأمل أيضا في إضافة مكون مجتمعي لأبحاثه من خلال قياس “تسونامي”.
استمع إلى الحيتان والمشاة
وفي نفس السياق، يقول أنتوني سلادن Anthony Sladen، الجيوفيزيائي في مختبر “جيو آزور” (Géoazur) بجامعة كوت دازور l’Université Côte d’Azur “لقد اتخذ زملائي خطوة كبيرة بفضل معرفتهم التفصيلية لتشغيل أجهزة إعادة الإرسال” ويعمل منذ عدة سنوات عبر استخدام الكابلات البحرية للمراقبة العلمية ولكن بطريقة أخرى، وهي الكشف الصوتي الموزع التي “تعتمد على الإشارة التي تعكسها عيوب الألياف”.
وتقتصر هذه الطريقة على استخدام أول 100 كيلومتر من الكابل، حيث “نرى القوارب وهي تمر ونسمع الحيتان ونكتشف الزلازل الصغيرة، وكأننا نضع ميكروفونا في كل متر”.
وتعتبر هذه الطريقة مهمة للجيش لاكتشاف الغواصات، كما تمكن مشغلي الكابلات بسرعة من تحديد الموقع الدقيق للكسر لتسريع إصلاحه، وربما حتى اكتشاف السبب وتقديم الأدلة على الجناة.
ويضيف سلادن أن طريقة الكشف الصوتي الموزع هذه يمكن استخدامها على الأرض، لأن “الكابل البصري غير المدفون بعمق يمكن أن يقيس حركة مرور المركبات أو مرور المشاة فوقه” حتى إنه قد يمكن قريبا من الاستماع إلى المناقشات التي تدور على شرفات المقاهي.