رام الله- امتنع المحامون الفلسطينيون، الأربعاء والخميس، عن التوجه إلى المحاكم امتثالا لقرار نقابتهم الإضراب والتصعيد ضد إنفاذ قوانين أصدرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ تقول النقابة إنها تحمل في طياتها مخاطر على العدالة وكرامة المواطن.
ويأتي الإضراب استكمالا لإجراءات بدأتها النقابة منذ أسابيع تضمنت أيضا مسيرة توجهت إلى مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله يوم الخامس من يوليو/تموز الجاري، والاعتصام أمام مجمع المحاكم بمدينة رام الله من ظهر أمس الأربعاء حتى فجر اليوم.
وتقول النقابة إن فعالياتها تأتي رفضا “لإنفاذ القرارات بالقوانين المعدلة للقوانين الإجرائية وقانون التنفيذ” التي أصدرها عباس هذا العام.
كيف تصدر القرارات بقوانين؟
ومنذ الانقسام الفلسطيني بين الضفة وغزة عام 2007، يستند الرئيس الفلسطيني إلى المادة “43” من القانون الأساسي في إصدار قرارات لها قوة القانون.
ويأخذ متخصصون على كثير من القرارات الرئاسية أنها لا تحمل صفة الاستعجال، إذ تنص المادة على أن “لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي إصدار قرارات لها قوة القانون”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018 قررت المحكمة الدستورية في رام الله حلّ المجلس التشريعي المنتخب عام 2006.
جوهر المشكلة
يقول أمين سر نقابة المحامين الفلسطينيين داود درعاوي -للجزيرة نت- إن جوهر المشكلة في القوانين الإجرائية المعدلة يكمن “في غياب ضمانات الحق في التقاضي”.
ويذكر درعاوي من تحفظات نقابة المحامين “تعديلات خطيرة تتعلق بتمديد توقيف المتهمين أثناء التحقيق معهم من دون حضورهم أمام المحكمة”، بعد أن كان القانون ينص على وجوب حضورهم.
ويقول إن عدم حضور الموقوف قد يشكل أخطر مرحلة يمر بها المعتقل، بخاصة إذا كان يخضع للتحقيق.
ويشير درعاوي إلى أهمية حضور المتهم أثناء التمديد أمام القاضي “لأن القاضي لا يراقب فقط سلامة الإجراءات، بل يراقب سلامة المتهم من التعرض للتعذيب أو الإيذاء أو لعقوبة قاسية”.
ويقول إن النص الجديد “يمهد بشكل أساسي للمعتقلين عند اللجنة الأمينة في مدينة أريحا (أغلبهم سياسيون)، والذين يُنقلون إليها من أماكن توقيفهم في مدن الضفة من دون أساس قانوني”.
ويوضح أن التعديل الجديد يسهل عدم إحضار المتهمين بحجج مختلفة، “وإذا تعرض الموقوف للتعذيب أو ظهرت عليه إشارات تعذيب يمكن التذرّع بالنصوص المعدلة وعدم نقله إلى المحكمة”.
وينوّه أمين سر النقابة إلى “إشكالات كثيرة” في قانون التنفيذ كذلك، ذكر منها -على سبيل المثال- إمكانية إنكار التوقيع على الأوراق التجارية كالشيكات والكمبيالات.
ويبيّن أن مجرد إعطاء الفرصة لصاحب الشيك لإنكار توقيعه، فإن هذا يدخل حامل الشيك في دوامة طويلة، بينها أن يكون مضطرا إلى اللجوء للمحكمة حتى يثبت صحة التوقيع، وقد يترتب على ذلك تكاليف أعلى من قيمة الشيك.
ويحذر درعاوي من اتساع دائرة الفوضى والفتن والتوقف عن اللجوء إلى المحاكم لتحصيل الحقوق المادية، والتوجه إلى طرق بديلة كالقضاء الموازي ومكاتب التحصيل وغيرها، فضلا عن تراكم القضايا أمام المحاكم.
تهديد بالعصيان
ويميل درعاوي إلى اتهام مجلس القضاء الأعلى بإجراء التعديلات للهروب من جملة استحقاقات، منها: زيادة عدد القضاة وهم حاليا فقط 210 في الضفة، وزيادة أفراد الشرطة القضائية، وتحسين بيئة المحاكم في ظل اختناق قضائي وعشرات آلاف القضايا المدوّرة (متداولة ومستمرة من أعوام سابقة).
وحسب درعاوي، فإن رئيس مجلس القضاء الأعلى عادة هو الذي يعدّ القوانين المتعلقة بالقضاء، ويرفعها للرئيس للتوقيع عليها من خلال مستشار الرئيس للشؤون القانونية، من دون نقاشها مع الجهات المعنية وذات الاختصاص.
وكشف درعاوي عن خطوة تعتزم النقابة اتخاذها، وتشكل “أقصى إجراء يمكن أن تتخذه أي نقابة محامين في العالم، وهو العصيان المدني أمام تطبيق هذه القوانين”.
ويضيف “دعوْنا أعضاء الهيئة العامة لاجتماع استثنائي للانتقال الجماعي والطوعي لسِجل المحامين غير المزاولين”.
ويعني الإجراء المقرر في 31 من الشهر الجاري -حسب درعاوي- تسليم المحامين لبطاقاتهم، وعدم إمكانية المثول والترافع أمام المحاكم، ومن ثمّ “انهيار كل منظومة القضاء”.
إشكالات فعلية
من جهته، يفيد المدير التنفيذي للهيئة الأهلية لاستقلال القضاء ماجد العاروري بأن هناك حالة من عدم التحمل “لهذا السيل من التعديلات التشريعية التي تتم بقرار بقانون وتصدر عن الرئيس”.
ويضيف أن “كل قرار بقانون يصدر عن الرئيس يواجَه بأزمة داخل المجتمع الفلسطيني نتيجة غياب جهة الاختصاص الحقيقية وهي المجلس التشريعي”.
ويشير إلى نقاط إيجابية في التعديلات، “وأخرى تستوجب التعديل، لأن فيها انتهاكات لحقوق الإنسان”.
ويقول العاروري إن أخطر ما في التعديلات إمكانية تمديد الموقوف في بعض الظروف ومحاكمته غيابيا من دون مثوله أمام القاضي، وتحميل الدفاع وجوب إحضار الشهود في بعض القضايا.
ويشدد على أهمية الحوار للتوصل إلى حلول بشأن النصوص المختلف عليها، والبناء على النصوص الإيجابية في التعديلات.
ويضيف أن المطلوب أيضا وقف سريان التعديلات على القوانين إلى حين الاتفاق وبلورة موقف بشأنها.
ويحذر الحقوقي الفلسطيني من انعكاسات سلبية لحالة التصعيد وتجاهل مطالب نقابة المحامين، مفضلا “أن تختار النقابة وسائل ضاغطة، وألا تقتصر على تعليق الدوام وشلّ عمل المحاكم”.
مجلس القضاء: لا تعليق
تواصلت الجزيرة نت مع مدير مركز الإعلام القضائي فارس سباعنة للتعليق على اعتصام المحامين وإضرابهم، وأفاد بأن “لا تعقيب لديه على إجراءات نقابة المحامين”.
لكن مجلس القضاء أعلن، في بيان أصدره خلال الأزمة في الرابع من الشهر الجاري، أنه يسعى “للارتقاء بالعمل القضائي لدى المحاكم النظامية”.
وذكر أنه يسعى إلى تقليل أمد التقاضي، مشيرا إلى التوافق مع النقابة على تعديل مادة من قانون التنفيذ، وتنسيب ذلك للرئيس لإجراء التعديل.
وأعلن المجلس انفتاحه على الحوار مع النقابة فيما يتعلق ببقية القوانين الإجرائية بما يحقق مصلحة العمل، ويُسرّع بالفصل بالدعاوى.
ودافع المجلس عن قوانين الإجراءات التي تم تعديلها، وقال إنها لا تنقص من حق الدفاع ولا الخصوم.
ونوّه إلى تأثير تعطيل السير بالدعاوى أمام المحاكم النظامية، وما يترتب على ذلك من تأخير طويل بالسير بإجراءات الدعاوى وغيرها.