القاهرة – ألقت أسعار حديد التسليح في مصر بظلال قاتمة على قطاع العقارات، أحد أكبر القطاعات الاقتصادية في البلاد، بعد أن ارتفع سعر الطن نحو 100% في غضون شهور قليلة، وتجاوز 40 ألف جنيه (ما يعادل 1290 دولارا)، وهو أعلى بكثير من السعر العالمي.
وتسببت الارتفاعات المستمرة في أسعار طن الحديد بصفة خاصة، التي وصلت إلى أرقام تاريخية، ومواد البناء بصفة عامة، في اضطراب سوق العقارات، وأذكت مخاوف الشركات وحاجزي الوحدات السكنية من تضرر الطرفين من الأزمة.
وتشير آخر الأرقام المتداولة إلى ارتفاع سعر طن الحديد من مستوى 18 ألف جنيه قبل شهرين إلى نحو 40 ألف جنيه، بحسب موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء وأسعار مواد البناء.
يتجاوز إنتاج مصر من الحديد 8 ملايين طن بقليل، وفقا لبيانات موقع وورلد ستيل (World steel) وغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية.
وكشف تقرير صادر عن الإدارة المركزية للاحتياجات ومواد البناء، التابعة لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أن أسعار مواد البناء والتشطيب ارتفعت خلال يناير/كانون الثاني بنسب كبيرة بعضها تجاوز 150% مقارنة بالأشهر الماضية، مما يشكل خسارة كبيرة للكثير من المقاولين وشركات البناء.
ما الأسباب؟
يرى رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية أحمد الزيني، أن أسعار الحديد الحالية مبالغ فيها مقارنة بأسعاره العالمية، ولكن ما يحدث هو حساب سعر صرف الدولار أمام الجنيه بسعر السوق الموازية (السوداء) وليس الرسمية، مشيرا إلى أن “هناك استغلالا للأزمة”.
يبلغ سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في البنك المركزي نحو 31 جنيها، لكنه يتجاوز هذا الرقم إلى أكثر من 35 جنيها في السوق الموازية، خاصة بعد أن زاد نشاطها في ظل شح العملة الصعبة وزيادة الطلب عليها.
وطالب الزيني، في تصريحات للجزيرة نت، بإحكام الرقابة الحكومية على الأسواق من أجل مواجهة الزيادات المطردة في سعر طن الحديد، ومنع حدوث أي تشوهات في سوق العقارات، وتراجع الثقة فيه وتأثره بشكل سلبي، ومتابعة مصانع الحديد وحل مشاكلها ودفعها للعمل بكامل طاقتها.
وتوقع أن تتكبد بعض شركات العقارات خسائر جراء الأزمة التي تضرب السوق، وأن تؤدي إلى تأجيل إنجار مشروعاتها أو توقفها بشكل مؤقت لحين استقرار الأسعار، وبالتالي سوف تتضرر سمعة الشركات التي سوف تواجه صعوبات في عملية التنفيذ أو التسليم.
وانعكس ارتفاع أسعار مواد البناء، بسبب تقلبات سعر صرف العملة المحلية وخفضها أكثر من مرة منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية بالسلب على قطاع البناء والتشييد، مما أدى إلى تباطئه بنسبة 9% خلال العام الحالي، بعد نمو كان متوقعا بنسبة 11% في 2022، وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة “فيتش سوليوشنز” في يناير/كانون الثاني الماضي.
تضرر بعض حاجزي الوحدات السكنية
اشتكى بعض حاجزي الوحدات السكنية في بعض المشروعات قيد التنفيذ من توقفها بالفعل، وقال أحد العملاء لدى شركة عقارية تبني مجمعا سكنيا على مساحة 20 فدانا بمحافظة الجيزة، إنه تم إبلاغه بشكل غير رسمي بتوقف البناء في المشروع لحين استقرار الأوضاع.
وأضاف في حديث للجزيرة نت “كانت الأمور تسير على ما يرام عندما دفعت مقدم حجز وحدة سكنية في مجمع سكني بداية عام 2021، وكانت أعمال البناء تسير بانتظام حتى منتصف العام الماضي، حيث بدأت تتراجع وتيرة البناء، وقبل أسبوعين توقف البناء بنسبة كبيرة، ثم علمنا أن هناك مشاكل مالية تواجه الشركة”.
وتابع أنه إلى جانب توقف البناء في المشروع بشكل كبير، أوقفت الشركة طرح ما تبقى من وحدات سكنية للبيع بسبب عدم قدرتها على تحديد سعر عادل في ظل التحديات التي تواجهها وتواجه السوق العقارية كلها.
وأعرب عن مخاوفه من فقدان أمواله وتبخر حلمه للانتقال إلى منزل جديد، مشيرا إلى أنه لا يهمه إرجاء تسليم الوحدة الآن بقدر ما يخشى من إعلان الشركة عدم قدرتها على الاستمرار في تنفيذ المشروع.
وبلغ حجم السوق العقارية (المبيعات) في مصر، بحسب غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، تريليون جنيه (نحو 32.3 مليار دولار)، خلال العام الماضي.
ودفعت الصعوبات التي تواجهها السوق غرفة التطوير العقاري إلى تقديم طلب إلى مجلس الوزراء، لضم القطاع إلى المبادرة الخاصة بتمويل الصناعة والزراعة البالغة 150 مليار جنيه وبفائدة 11% فقط.
سعر الصرف
توقع نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس لجنة التشييد والبناء بالجمعية فتح الله فوزي، أن ترتفع أسعار الوحدات السكنية عام 2024 بنسبة 100% مقارنة بأسعار ما قبل التعويم العام الماضي، بعد أن زادت تكلفة البناء بشكل كبير، مع الإشارة إلى أن قطاع العقارات يزيد ببطء.
وبشأن تداعيات الأزمة على المطورين العقاريين والعملاء، أوضح فوزي في تصريحات للجزيرة نت أن هناك مشاكل بالفعل لدى بعض الشركات سوف تؤدي إلى تأخيرهم في تسليم الوحدات السكنية للحاجزين، وسوف يتغلب عليها المطورون الكبار الذين باعوا وحدات مشروعهم بأسعار مناسبة، ولديهم قدرة مالية كبيرة، ولديهم أراض ومشروعات جديدة يمكن أن تعوضهم عن أي خسائر، لكن هناك مطورون ليس لديهم القدرات والمزايا نفسها.
واستبعد فوزي أن تساعد الدولة في تعويض خسائر بعض الشركات، ولكنها قد تقدم تسهيلات لهم، وقال إن الدولة تعوض الشركات التي تربطها بها عقود مقاولات لتنفيذ مشروعات خاصة بها سواء وحدات سكنية أو بنية تحتية.
ورهن المتحدث ذاته حدوث استقرار في سوق العقارات باستقرار سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار، وبالتالي استقرار الأسعار بشكل مقبول، وحتى يحدث هذا سوف تستمر فترة الاضطراب بالسوق، ولكنه لن يتوقف وسيواصل النمو.
جهود حكومية
وفي محاولة لاحتواء الأضرار الناجمة عن اضطراب أسعار مواد البناء، اجتمع مسؤولون حكوميون بعدد من المطورين والمستثمرين لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع، ووضع الحلول المقترحة للتغلب على تلك التحديات، واتخاذ القرارات المناسبة.
في هذا الصدد، أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، مطلع فبراير/شباط الماضي، الموافقة على عدد من القرارات لتيسير عمل القطاع العقاري في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية من بينها:
- مد مدد المهلة الزمنية لتنفيذ المشروعات بنسبة 20%.
- ترحيل الأقساط المتبقية للمدة نفسها.
- اعتبار المشروع مكتملا عندما تصل نسبة التنفيذ 85%.
- تقليل نسبة الفائدة التي كانت تحصلها وزارة المالية من 2% إلى 1%.
ووفقا لمسؤولين في وزارة الإسكان، تبلغ مساهمة القطاع العقاري نحو 20% من الناتج المحلى الإجمالي لأول مرة منذ سنوات، ويوفر نحو 5 ملايين فرصة عمل، إلى جانب أنه ركيزة أساسية في خطة التنمية العمرانية الشاملة للدولة.