القاهرة- أثارت موافقة مجلس الوزراء المصري على سك عملة معدنية من فئة “2 جنيه” وطرحها للتداول كثيرا من الجدل بين المهتمين بالشأن الاقتصادي؛ فبينما عدها البعض خطوة تستهدف تسهيل حركة البيع والشراء، يرى آخرون أنه إجراء يتفاعل مع الانخفاض الذي تعانيه العملة المحلية.
وقال رئيس مصلحة صك العملة اللواء حسام خضر إن المصلحة لديها عدد كبير من التصميمات الخاصة لفئة “2 جنيه”، مشيرا إلى عدم الاستقرار على التصميم النهائي بعد.
وأضاف -في تصريحات متلفزة- أن فئة “2 جنيه” موجودة في كل دول العالم، ومنها بريطانيا، موضحا أنها لن تكون بديلة عن فئة الجنيه، “بل هي إضافة لمجموعة العملات المساعدة لأن الغرض منها التسهيل على المواطنين في حمل الفكة والتعامل في البيع والشراء”، حسب قوله.
ومن المقرر أن تنسق وزارة المالية والبنك المركزي المصري -المنوط به إنتاج العملة- لتحديد مواصفات العملة الجديدة وتصميمها وموعد طرحها لتدخل بعد ذلك خط الإنتاج.
وبالتزامن، وافق مجلس الوزراء مبدئيا على إبرام اتفاق شراكة بين مصلحة الخزانة العامة وسك العملة المصرية ودار السك الملكية البريطانية (رويال منت) لإنشاء دار سك بريطانية مصرية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، باستثمارات تصل إلى ملياري جنيه (الدولار يعادل 19.41 جنيها)، وطاقة إنتاجية سنوية تبلغ نصف مليار قرص معدني، على أن يتم توجيه 50% منها للتصدير.
ووفق بيان لوزارة المالية، فإنه سيتم الاستمرار في إنتاج الكميات المعتادة نفسها وأكثر من فئات “الجنيه ونصف جنيه وربع جنيه” بنحو 30 مليون جنيه شهريا، على أن تزيد في المواسم والأعياد والمناسبات.
تاريخ الجنيه
قبل عام 1834، لم تكن هناك وحدة نقدية محددة تمثل أساسا للنظام النقدي في البلاد، إلى أن صدر مرسوم في ذلك العام ينص على إصدار عملة مصرية تستند إلى معدني الذهب والفضة، وبموجبه أصبحت الحكومة تسك النقود في شكل ريالات ذهبية وفضية.
ووفق البنك المركزي المصري، فإن سك الجنيه المصري وطرحه للتداول لأول مرة كان عام 1836.
وفي أعقاب الأزمة المالية الناجمة عن تراكم الديون الخارجية على مصر صدر قانون الإصلاح النقدي عام 1885، وبموجبه أصبح الذهب أساس النظام النقدي لتكون للبلد عملة موحدة هي الجنيه الذهبي المصري.
وعام 1899، أصدرت الحكومة الأوراق النقدية ليظهر الجنيه الورقي لأول مرة بتصميم يحمل أحد وجهيه صورة جملين في صحراء مصر، ويتضمن الوجه الآخر زخارف هندسية يتوسطها اسم البنك الأهلي المصري.
ونظرا لقوة الجنيه الشرائية في الماضي، قُسم إلى قروش، فالجنيه يساوي 100 قرش، وقُسم القرش إلى 10 مليمات، وقسم المليم إلى سحتوت (يساوي ربع مليم)، أي أن الجنيه كان يساوي 4 آلاف سحتوت.
وحتى تسعينيات القرن الماضي، كانت العملة الورقية فئة “20 جنيها” هي الأعلى في فئات العملة المصرية، إلى أن ظهرت خلال عامي 1993 و1994 على التوالي فئتا 50 و100 جنيه، وعام 2007 ظهرت لأول مرة العملة فئة 200 جنيه.
غلاء السبائك
ويرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن إصدار فئة جديدة من الجنيه ليس توجها جديدا، حيث شهدت مصر إصدار العديد من العملات الشبيهة.
وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن إصدار فئة “2 جنيه” لا تعني اندثار الجنيه أو التوقف عن سكه، مرجعا ضخ تلك الفئة في السوق إلى غلاء السبائك المستخدمة في صنع العملة.
واستطرد عبد المطلب “غلاء السبائك دفع للتفكير في إصدار السبيكة فئة 2 جنيه، على أن يصدر الجنيه الواحد من سبيكة أقل جودة أو أصغر حجما أي أنه مجرد إجراء شكلي تحاول به الحكومة تخفيض نفقات سك العملات المعدنية”.
وبالنسبة لتأثير إصدار فئة جديدة من الجنيه على حركة البيع والشراء وأسعار السلع، توقع الخبير الاقتصادي ألا يكون لذلك تأثير يذكر على البيع والشراء.
كذلك اتفق أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين مع عبد المطلب في عدم تأثر حركة البيع والشراء بالفئة الجديدة للجنيه.
ولكنه رجح -في حديثه للجزيرة نت- أن يؤدي انخفاض قيمة العملة المحلية وغلاء الأسعار بسبب الوضع الاقتصادي المتأزم إلى خروج الجنيه من دائرة المعاملات المالية ليخرج من السوق، كما سبق وخرج المليم والقرش.
واستدعى حديث أستاذ الاقتصاد عن سك فئة “2 جنيه” التطرق إلى حجم الديون التي تواجهها البلاد، وتوقع أن تواجه العملة المحلية أزمة كبرى خلال الفترة المقبلة.
وحسب البنك المركزي المصري، فإن قيمة الدين الخارجي للبلاد وصلت إلى نحو 157.8 مليار دولار نهاية مارس/آذار الماضي.
وقال شاهين إن تفاقم المديونية سيؤثر حتما على قيمة الجنيه، مشيرا إلى اعتماد الحكومة خلال الأعوام الماضية على الاستدانة من جهات أجنبية. واختتم حديثه بتأكيد أن سك عملة فئة “2 جنيه” يعد إحدى علامات ما سماه الانهيار الاقتصادي للبلاد.
وفي الإطار نفسه، حذر أستاذ التمويل بجامعة إسطنبول أشرف دوابة من الانخفاض المتزايد للعملة المحلية وموجات التضخم كأثر مباشر للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
وأضاف -للجزيرة نت- أن الحكومة لجأت لسك فئة “2 جنيه” لتوفير النفقات، حيث إنها ستوفر في تكلفة إنتاج العملات.
سيولة نقدية
ولكن هناك جانبا آخر يراه أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة هشام إبراهيم في إقدام الحكومة على طرح فئة “2 جنيه” يتعلق بالرغبة في إيجاد مزيد من العملات للتداول المحلي.
وقال -في تصريحات صحفية- إن الحكومة تستهدف تحقيق السيولة وتقليل الأزمات الخاصة بالتعامل النقدي، وأوضح أن المعدن المستخدم في إنتاج الجنيه قيمته الفعلية تفوق قيمة العملة.
في حين طالب رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بأن يتم سك عملة معدنية من فئة 5 جنيهات، مبينا أن فئة “2 جنيه” لم تعد لها قيمة شرائية.