في ظل الاهتمام العالمي بظواهر التغير المناخي، والاهتمام السياسي والعلمي والإعلامي غير المسبوق بهذه القضية البيئية المهمة التي تهدد مستقبل البشرية، قد يستغرب البعض أن أول من دعا لمثل هذا الاهتمام علماء عرب ومصريون، وبالتحديد من قسم النبات والميكروبيولوجي بكلية العلوم جامعة القاهرة.

القصاص وطلبة

 

أول هؤلاء الباحثين الأستاذ الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص، والثاني زميله وصديق عمره الأستاذ الدكتور مصطفى كمال طلبة، ونال العالمان المصريان شرف تمثيل مصر والدول العربية في المنظمات الأممية والمحافل الدولية، وترك كل منهما بصمات واضحة في العلم والسياسات الدولية والاهتمام بالقضايا الكونية الخاصة بتغير المناخ.

الدكتور مصطفى كمال طلبة (يمين) مع رفيق دربه الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص (الجزيرة)

ويوافق هذا العام مرور 100 عام على ميلاد الأستاذ الدكتور مصطفى كمال طُلبة، مسؤول الأمم المتحدة الذي يعد “أبو بروتوكول مونتريال”، تلك الاتفاقية التي تهدف إلى إنقاذ طبقة الأوزون المعروفة على نطاق واسع بأنها جزء من أنجح المعاهدات البيئية في العالم.

شغل طُلبة وظيفة أستاذ متفرغ بقسم النبات والميكروبيولوجي بكلية العلوم جامعة القاهرة، ومنصب وزير سابق، وأطلقت عليه مجلة “إيكونوميست” لقب “العملاق الأخضر”، وقال عنه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إن “أكثر الاتفاقيات الدولية نجاحا حتى الآن هي بروتوكول مونتريال”.

وبهذه المناسبة، نُشرت دراسة علمية مرجعية أكاديمية موثقة بدورية المجلة النباتية المصرية (The Egyptian Journal of Botany) في 14 يونيو/حزيران الجاري، وتسلط الضوء على الدور المهم الذي لعبه الدكتور طلبة بوصفه أستاذا جامعيا وباحثا ومسؤولا عالميا عن أحد الملفات الساخنة التي أثرت ولا تزال تؤثر على البيئة العالمية، خاصة في مجال تغير المناخ الذي يهتم به العالم، وتهتم به مصر التي ستنظم مؤتمر الأمم المتحدة الـ27 للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية “كوب27” (COP27) بشرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

طلبة أحد العلماء المصريين البارزين في مجال علوم البيئة (مواقع إلكترونية)

مؤسس مفهوم “الدبلوماسية البيئية”

ولد الدكتور طلبة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1922 وتوفي في 28 مارس/آذار 2016 في جنيف، ويعد أحد العلماء المصريين الذين أسهموا بشكل بارز في مجال علوم البيئة.

ومنذ مؤتمر ستوكهولم التاريخي الذي عقدته الأمم المتحدة للبيئة منذ 50 عاما، عُرف الدكتور طلبة في المحافل الدولية بأنه مؤسس مفهوم “الدبلوماسية البيئية”، بعد أن عيّنته المجموعتان العربية والأفريقية متحدثا باسمهما، وبعد أن انتخبته الجمعية العامة للأمم المتحدة مديرا تنفيذيا للبرنامج عام 1975 ولمدة 4 سنوات، وتم تجديد ولايته 4 مرات حتى عام 1992.

تقلد الدكتور طُلبة مناصب أكاديمية وسياسية رفيعة في مصر، حيث شغل منصب الأمين العام للمجلس القومي للعلوم في مصر، وأول رئيس لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وشغل منصب وزير التعليم العالي، ووزير الشباب، ووكيل وزارة الخارجية، إضافة إلى منصب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي شغله لمدة 17 عاما.

Egyptian scientist, Mostafa Kamal Tolba pictured at the Human Environment Conference in London on 15th June 1982. (Photo by United News/Popperfoto via Getty Images/Getty Images)
تقلد الدكتور طُلبة مناصب أكاديمية وسياسية رفيعة في مصر (غيتي)

وفي إطار عمله الرائد في مونتريال، تمت الإشادة بالدكتور طُلبة لقيادته في توجيه اتفاقية فيينا، وحصل على العديد من الجوائز والدكتوراه الفخرية.

وكما يشير الملخص العربي للدراسة “ينتمي طُلبة إلى جيل من موظفي الخدمة المدنية الدولية الذين لم يقودوا المنظمات والبرامج الدولية بفعالية فحسب، بل تمكنوا أيضا من تغيير صنع السياسات الدولية. وفضلا عن ذلك، فقد ترك إرثا قويا ومثيرا للإعجاب في عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة وعمل وزارات البيئة في جميع أنحاء العالم”.

أول مؤتمر رئيسي بشأن قضية البيئة

جدير بالذكر أن مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الذي عقد في ستوكهولم بالسويد عام 1972 كان أول مؤتمر رئيسي للأمم المتحدة بشأن قضية البيئة، وحدد مبادئ الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها مع توصيات للعمل البيئي الدولي.

واعتمد المؤتمر إعلان ستوكهولم الذي حدد مبادئ الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها مع توصيات للعمل البيئي الدولي، كما أنشأ المؤتمر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وهو أول برنامج للأمم المتحدة يعمل فقط على القضايا البيئية.

مصطفى كمال طلبة (يسار) يستقبل أمين عام الأمم المتحدة كورت فالدهايم (الجزيرة)

وأنشأ المؤتمر الأول الذي عقدته الأمم المتحدة للبيئة منذ 50 عاما ما تسمى “الدبلوماسية البيئية” في محاولة للتوفيق بين التنمية الاقتصادية والإدارة البيئية، ممهدا الطريق لإنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومفهوم التنمية المستدامة، كما أفضى إلى تشكيل وزارات بيئية وطنية وسلسلة من الاتفاقيات العالمية الجديدة لحماية البيئة.

ومنذ مؤتمر ستوكهولم التاريخي، وُضعت قضية البيئة في إطار التنمية المستدامة، وترتبط جميع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بطريقة ما بالبيئة. وأكدت الأمم المتحدة أن هذا المؤتمر لعب دورا مهما في لفت الانتباه إلى أهداف التخفيف من حدة الفقر وحماية البيئة؛ مما أثر في المناقشات المناخية منذ ذلك الحين، مع الاعتراف بالترابط بين البشر والطبيعة.

ستوكهولم ‫+50‬‬‬‬

وبالتوازي مع الاهتمام العالمي بقضية التغيرات المناخية، احتفل برنامج الأمم المتحدة للبيئة مطلع هذا الشهر بمرور 5 عقود من العمل على تعزيز الدبلوماسية البيئية والمعايير والممارسات باستضافة مؤتمر “ستوكهولم ‫+50‬“، بهدف إعادة الالتزام وتعزيز القدرات على التغلب على أزمة الكوكب الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ، وفقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي، والتلوث والنفايات، وهو ما يعزز قدرة الشعوب على مواجهة أزمة الكوكب الكبيرة.‬‬‬

ويمهد هذا الاحتفال للحدث الأكبر لهذا العام، وهو مؤتمر “كوب27″، ودعت الدراسة إلى الاحتفاء في المؤتمر القادم برواد العمل المناخي والبيئي مثل الدكتور مصطفي طلبة والدكتور محمد عبد الفتاح القصاص، وغيرهما من العلماء المصريين والعرب الذين كانت لهم أياد بيضاء، وتركوا بصمة واضحة في هذا المجال العالمي المهم.

المصدر : مواقع إلكترونية

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *