نشرت مجلة تايم (Time) مقالا للمؤلف الأميركي برايان كاستنر تناول فيه ظاهرة بروز حركات اليمين المتطرف التي خرجت من رحم الأزمات والصراعات المجتمعية في روسيا والولايات المتحدة. وركز المقال بوجه خاص على من سماهم الكاتب “المرتزقة البيض الذين يقاتلون من أجل قضية خاسرة حول العالم”.
فاغنر
ووصف كاستنر -وهو صحفي وضابط سابق بالجيش الأميركي شارك في حرب العراق- في مستهل مقاله المرتزقة الروس بأنهم البعبع الحقيقي في الحرب التي تدور رحاها أوكرانيا، وينتمي أغلبهم إلى الشركة المعروفة باسم “فاغنر”، وهي مجموعة شبه عسكرية خاصة مرتبطة بالكرملين تعمل كأداة عنيفة لسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخارجية حول العالم.
وقال إن التضليل الإعلامي المتعمد هو السمة الغالبة في العمليات التي تقوم بها تلك المجموعة رغم أن مرتزقة فاغنر يتركون وراءهم أدلة. وضرب مثالا على ذلك بالألغام الأرضية والأفخاخ المتفجرة والقنابل اليدوية التي زرعوها في منازل للمدنيين بضاحية عين زارة أثناء انسحابهم من خطوط القتال الأمامية بعد رفع الحصار عن العاصمة الليبية طرابلس في مايو/أيار 2020.
ولم يكتفِ عملاء فاغنر عند انسحابهم بترك الأفخاخ المتفجرة وراءهم، بل رسموا بالطلاء صلبانا معقوفة وشعارات للنازيين الجدد والعنصريين البيض على جدران كل المناطق التي وطأتها أرجلهم.
وبحسب الكاتب فقد سميت المجموعة بذلك الاسم تيمنا بالمؤلف الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر المعروف بمعاداته للسامية والذي أبكت أعماله الأوبرالية الزعيم النازي أدولف هتلر.
علاقة فاغنر بتفوق البيض
ووفقا للكاتب، فإن العديد من الأعضاء المؤسسين لمجموعة فاغنر ينتمون إلى الحركة الإمبريالية الروسية ذات النزعة القومية المتطرفة التي تؤمن بتفوق العِرق الأبيض، والتي صنفتها وزارة الخارجية الأميركية منظمة إرهابية.
ولعل هذه العلاقة بين الحركات المسلحة المتطرفة والمرتزقة واضحة كذلك في الولايات المتحدة، فليس من قبيل المصادفة -برأي الكاتب- أن تنشط شركة في تجنيد مرتزقة من منظمة ترفع شعار القوة البيضاء، كما أن من يلتحق بإحدى المليشيات يشبه إلى حد كبير نوعية الأشخاص الذين ينضمون لمجموعة فاغنر الروسية.
وأشار الكاتب إلى أن مثيري الشغب الذين هاجموا مبنى الكونغرس الأميركي (كابيتول هيل) في 6 يناير/كانون الثاني الماضي كانوا يرفعون أعلاما لجماعات يمينية تؤمن بتفوق العنصر الأبيض، وهي أعلام تجسد بطريقة أو أخرى القضية الخاسرة وشعارها “نحن في مواجهة العالم” والتي تزعم أن مجموعة أضعف لكنها نقية أيديولوجيا، ظلت تتعرض للنيل من أهميتها أو السحق أو الهزيمة بشكل غير عادل وبطعنة في الظهر.
وبحسب مقال مجلة تايم، فهذه ليست مجرد ظاهرة أميركية لأن الولايات المتحدة تصدر إلى جانب أفلام هوليود والوجبات السريعة، رموزا وشعارات وأفكارا (ميمات) عنصرية جامعة.
وتؤجج الجماعات المتعصبة للعرق الأبيض عبر شبكة الإنترنت حالات استياء عبر الحدود، وتتسبب في بث إحساس لدى الناس من أوكرانيا إلى أفريقيا الجنوبية والشرق الأوسط بأنهم ضحايا، وهو شعور ينعكس مرة أخرى على المواطنين في الولايات المتحدة.
على أن “القضية الخاسرة أو المفقودة” ليست خرافة تنفرد بها أميركا. وفي هذا الصدد تقول الدكتورة كاثلين بيليو، مؤلفة كتاب “جلب الحرب إلى الوطن: حركة القوة البيضاء وأميركا شبه العسكرية” إن هذا الوصف حظي بالذيوع على نطاق العالم إذ انطبق في السابق على نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ومؤخرا جدا في روسيا وعبر الدول الإسكندنافية وأستراليا.
وتضيف بيليو أن تبني رواية القضية الخاسرة أو المفقودة هدفها إستراتيجي وهو إظهار أن العِرق الأبيض “معرض للخطر”.
الصليبيون الجدد
ويمضي كاستنر في مقاله بمجلة تايم الأميركية إلى القول إن رموز القوة البيضاء تكتسب أهمية كبرى في دوائر المرتزقة الروس، ولا غرو في أنها أفرزت -منذ انهيار الاتحاد السوفياتي- روايتها الخاصة بالقضية المفقودة.
ويعتقد الكاتب أن مجموعة فاغنر انبثقت من توليفة “سامة” من انهيار أجهزة الأمن السوفياتية داخليا، وقلة فرص العمل للشباب، وبروز الجماعات العنصرية البيضاء.
وطبقا للمقال، فإن فاغنر بشكلها الحالي عبارة عن تشكيلة من شركات خاصة جميعها تقع تحت سيطرة حليف لبوتين شوهد مؤخرا في شرق أوكرانيا، يُدعى يفغيني بريغوزين الذي ينفي صلته بالمجموعة بل يؤكد أنها غير موجودة أصلا.
وكان بريغوزين قد وصف -في رده على سؤال لأحد الصحفيين- الحضارة الأميركية والأوروبية بأنها في حالة احتضار بقيادة “حفنة مثيرة للشفقة من المنحرفين المعرضين للخطر”.
ويعود الكاتب إلى التذكير بأن مرتزقة فاغنر خاضوا حروبا في أوكرانيا، وفي ليبيا دعما للواء المتقاعد خليفة حفتر، والسودان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ودولة مالي، وسوريا.
وينقل كاستنر عن كانديس روندو، أستاذة الدراسات الروسية والأوروآسيوية والشرقية في جامعة ولاية أريزونا الأميركية، أن الرواية التي كثيرا ما يتم تداولها عبر الإنترنت بين الأميركيين المتعصبين للبيض والروس هي أن صعود تنظيم الدولة الإسلامية ينم أيضا عن صدام الحضارات.