القاهرة- يبدو أن حسابات الربح والخسارة هي الأبرز على أجندة الجدل في مصر، فحتى قبل انتهاء فعاليات أكبر حدث عالمي تستضيفه البلاد خلال السنوات الماضية، مؤتمر المناخ (كوب 27)، يتجادل خبراء ومراقبون حول طبيعة المكاسب والخسائر التي حصدتها القاهرة من المؤتمر الدولي.
أبرز المكاسب في وجهة نظر المؤيدين هي اتفاقيات مليارية وقعتها القاهرة بشأن الطاقة الخضراء وتحسين المناخ، فضلا عن الزخم السياسي وتوافد العديد من زعماء العالم على مصر، خاصة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي التقى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي على هامش جلسات المؤتمر.
في المقابل، يشير آخرون إلى تحول المؤتمر لمنصة للحديث عن حقوق الإنسان بشكل أزعج السلطات المصرية، خاصة مع كثافة التغطية الإعلامية للفعاليات المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي، وعلى رأسهم الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، الذي بات الاسم الأبرز في وسائل الإعلام الدولية.
المؤتمر الذي استضافته مدينة شرم الشيخ السياحية على مدار أسبوعين، واختتمت فعالياته الأحد الماضي، بحدث تاريخي ومفاجئ، وهو الاتفاق على إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار”، لتعويض الأضرار التي تتكبدها الدول النامية من التغير المناخي؛ كانت مصر قد عوَّلت عليه بشدة في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
ومنذ اليوم الأول للمؤتمر، الذي شهد حضورا دوليا كبيرا، بدا لافتا تحول اهتمام الإعلام الدولي وناشطي المناخ وحقوق الإنسان نحو قضية الناشط المصري المحبوس علاء عبد الفتاح وملف معتقلي الرأي في مصر، مما دفع البعض إلى الإشارة إلى أن القمة تحولت لمنصة للحديث عن حقوق الإنسان بشكل أزعج السلطات المصرية.
وفي تصريحات منفصلة للجزيرة نت، تباينت رؤى محللين وخبراء حول طبيعة المكاسب التي حصدتها مصر من المؤتمر الدولي وكذلك الخسائر المحتملة، سياسيا واقتصاديا، وإلى أي مدى تحقق الطموح الذي كان تترقبه القاهرة من المؤتمر، وكذلك طبيعة الاتفاقات التي وقعتها على هامش المؤتمر، والتي ارتبط أغلبها بملف الطاقة.
خلافات بين المشاركين في #قمة_المناخ حول الاتفاق على بعض البنود قبل حسم الاتفاق المبدئي على “تعويض الدول الفقيرة المتضررة” pic.twitter.com/LraXFaOnhV
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) November 20, 2022
أبعاد النجاح
يرى صابر عثمان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مناخ أرضنا للتنمية المستدامة (غير حكومية)، وأحد خبراء مصر لدى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ؛ أن المؤتمر كان له صدى وأبعاد إيجابية متعددة على مصر محليا ودوليا، وأهمها:
- الانطلاقة الجيدة بداية من استضافة قمة بهذا الحجم ومشاركة ما يزيد على 100 من قادة الدول والحكومات، والنجاح التنظيمي، واستعادة مدينة شرم الشيخ وجهتها السياحية واستضافة المؤتمرات والفعاليات الدولية.
- وضع أجندة واضحة للمؤتمر، والخروج بمقررات قوية تخدم أهداف الدول النامية، مثل الصندوق الخاص بالخسائر والأضرار.
- القمة جاءت في وقت صعب على المستوى الدولي، فمن الناحية الاقتصادية يظل التضخم مرتفعا منذ جائحة كورونا، ومن الناحية السياسية هناك خلافات كبيرة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ووجود عدد من الدول المتحيزة للطرفين.
- الوعود التي قدمها الرئيس الأميركي جو بايدن لدعم القارة الأفريقية ولمصر.
- مساهمة مؤتمر شرم الشيخ في حل مشاكل قائمة منذ اتفاق باريس للمناخ عام 2015، على غرار وضع المادة السادسة الخاصة بإنشاء ودعم سوق دولية لتعويضات الكربون، التي تعد أهم بنود التفاوض في قمم المناخ، وهو ما يمثل نجاحًا للنسخة التي احتضنتها مصر. ويُقصد بتعويضات الكربون خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة لتعويض الانبعاثات في منطقة أو بلد ما.
- ما يمثله اتفاق مؤتمر شرم الشيخ، في شأن إنشاء صندوق “الخسائر والأضرار”، من علامة فارقة لتأمين دعم الدول النامية -خاصة الأفريقية- التي تعاني من تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري.
- منذ توقيع اتفاق باريس قبل 7 سنوات، لم تنجح الدول النامية في وضع ملف الخسائر والأضرار على الأجندة الرئيسية إلا في مؤتمر شرم الشيخ.
- نجحت مصر في وضع الملف وخرجت بقرارات حوله، مع استمرار التفاوض للوصول إلى حل يرضي الدول النامية والأفريقية، وهو ما لم يكن يحدث في الغالب سابقا.
وحسب عثمان، فإن مؤتمر شرم الشيخ لم تكن له انعكاسات سلبية على مصر، لكن كان هناك طموح لحل كل مشاكل المناخ، واصطدم ببعض الصعوبات، وأهمها:
- التعامل مع عشرات الأطراف الدولية.
- وجود توازنات وتوجهات وصراعات بين من يمتلكون الطاقة المتجددة، ومن يمتلكون الوقود الأحفوري.
- إضافة إلى ارتباط ملف تغير المناخ بكل قطاعات التنمية في العالم.
المنظور الاقتصادي
مشيرا إلى أن عقد قمة المناخ في مصر كان له أثر إيجابي كبير في هذا التوقيت على كافة النواحي بمصر، يوضح الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن أبرز الانعكاسات الإيجابية للمؤتمر على المستوى الاقتصادي تتمثل في التالي:
- انتعاش حركة السياحة بشكل كبير، ليس فقط في منتجع شرم الشيخ بل في مختلف محافظات مصر.
- ارتفاع نسب إشغالات الفنادق المصرية.
- توقيع مصر مجموعة من التعاقدات تزيد على 100 مليار دولار في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر من الطاقة النظيفة.
- من المتوقع أن تستحوذ أفريقيا على نحو 10% من سوق إنتاج الهيدروجين الأخضر عالميا بحلول عام 2050.
- نجاح مصر في تنظيم المؤتمر أعطى رسالة إيجابية للمستثمرين الأجانب ليس فقط في مجال الطاقة، بل أيضا في مختلف القطاعات الاستثمارية.
واستبعد عبد المطلب وجود خسائر على مصر في ما يخص الجانب الاقتصادي من المؤتمر، قائلا إن الخلاف في مؤتمر المناخ دار حول التوصل لاتفاق نهائي، وبين دول غنية استفادت من الجور على موارد العالم، ودول تضررت من الاستخدام الجائر للموارد، أي أنها قضية تخص الأمم المتحدة بالأساس.
وعن طبيعة الاتفاقات الاقتصادية التي وقعتها القاهرة على هامش المؤتمر، وما إذا كانت ستنفذ على أرض الواقع خاصة أن أغلبها كان “إطاريا”، مرتبطا بالطاقة؛ قال الخبير الاقتصادي إن أهم الاتفاقات كانت الاتفاقية الإطارية بين تحالف عدد من الشركات الخاصة المحلية والإماراتية، وعدد من الهيئات الحكومية في مصر يتم بموجبها تطوير برنامج طموح لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة تصل إلى 2000 ميغاواط في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
ويعتقد عبد المطلب أن البدء في تنفيذ هذه الاتفاقيات سيحقق انطلاقة كبيرة لمصر للدخول بقوة إلى عالم إنتاج الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، مضيفا أن الاتفاقات التي يمكن تنفيذها على الأرض هي المرتبطة بالطاقة فعلا، لكن هذا لا يمنع إمكانية توسيع الأنشطة الاقتصادية ككل فى مناطق إقامة مشروعات الطاقة.
وفي ما يخص واقع الطموح المصري من المؤتمر، قال إنه لم يكن خاصا بمصر فحسب، بل كان هناك طموحا عالمي كبير لم يتحقق، حيث كانت هناك آمال أن يتحمل العالم المتقدم المسؤولية ويقدم التمويل اللازم لتخفيف أضرار التلوث والتغير المناخي، لكن من الواضح أن الاتفاق النهائي لم يحقق هذا الطموح أيضا.
هتافات كبيرة من جميع الحاضرين في القاعة بختام الجلسة العامة لمؤتمر المناخ تطالب بالإفراج عن علاء عبدالفتاح وجميع المعتقلين pic.twitter.com/PuqDbaxKci
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) November 17, 2022
لم تحقق الكثير
في المقابل، يعتقد مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والإستراتيجية (مقره كندا) الأكاديمي المصري مصطفى يوسف أن مصر لم تحقق الكثير من المكاسب التي كان يأملها النظام المصري، مشددا على وجود “فشل كبير في عدم تقدير قوة ناشطي حقوق الإنسان والمدافعين عن البيئة”، حسب وصفه.
وأوضح يوسف أنه كان على النظام أن يخرج بمبادرة تصالحية مع المعارضين ويقوم بإطلاق سراح المئات منهم، وعلى رأسهم الناشط علاء عبد الفتاح، إضافة إلى عمل خطة مصالحة وطنية للإفراج عن أكثر من 60 ألف معتقل سياسي وسجين رأي ومعارض من السجون.
ويعتقد يوسف أن مبادرة كهذه كانت ستؤتي بثمار كبيرة من عدة نواح؛ أهمها إعطاء مؤشرات إيجابية عن تحول ديمقراطي حقيقي، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما لم يحدث، وفق قوله.
واستنكر المحلل السياسي، ما وصفه بـ”حالة التشويش المتعمد من قبل المحسوبين على النظام” في المؤتمر، على غرار واقعة طرد البرلماني عمرو درويش بمؤتمر سناء سيف المخصص للمطالبة بالإفراج عن شقيقها علاء عبد الفتاح، مما أعطى “صورة سلبية عن المؤسسة التشريعية، وأنها تابعة للسلطة التنفيذية”، وفق تعبيره.
وانتقد التركيز الرسمي على الأجواء الاحتفالية والصور البروتوكولية والأمور الدعائية خلال المؤتمر، دون السعي نحو تقديم حلول تكاملية مع الدول الإقليمية التي لديها مزايا نسبية ضخمة في إنتاج الطاقة النظيفة، مثل الجزائر والمغرب وليبيا والسعودية والنيجر وتشاد ومالي.
وشدد على أنه كان من المفترض بدلا من التركيز على الحصول على طلب المساعدات والتعويضات من الدول الصناعية والغربية والغنية، كان من الممكن التركيز على حلول تكاملية قطعية في قضية سد النهضة، التي تهدد الأمن الغذائي المصري، على سبيل المثال.
وفي ما يخص أبرز النتائج الإيجابية من المؤتمر، أشار يوسف إلى أن النظام المصري حقق بعض المكاسب الطفيفة من خلال الحصول على بعض المساعدات من الولايات المتحدة (500 مليون دولار) لدعم الطاقة النظيفة، والتوقيع على مذكرات تفاهم وخطابات النوايا لدراسة مشروعات خاصة بالطاقة المتجددة والنظيفة ومشروعات صديقة للبيئة.
ويعتقد يوسف أنه من الممكن أن تسفر هذه الدراسات عن استثمارات جيدة لمصر إذا تيقن المستثمرون من جدية الحكومة المصرية في الوفاء بالتزاماتها والعمل الجاد لإصلاح مناخ الاستثمار.