شهدت الأسابيع والشهور الماضية بداية أزمة اقتصادية عالمية نتيجة العديد من العوامل؛ كفيروس كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم العالمي المتزايد وغير المسبوق، وهو ما أدى إلى إجراءات قوية اقتصاديا أثرت على أسواق الأسهم والشركات الكبرى.
وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) الأميركية؛ سلط الكاتب بول كروغمان الضوء على ارتفاع أسعار الفائدة، وما تبعه من انخفاض الأسهم، وخاصة الأسهم المغرية، مثل أسهم شركة “تسلا” (Tesla)، مشيرا إلى أن انهيار العملة المشفرة كان ملحميا حقا، وتساءل؛ ماذا يحدث؟
وبيّن أنه على مدار العشر سنوات الماضية أو ربما خلال 20 عاما؛ أبقى الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة منخفضة بشكل مصطنع، وقد أدت هذه الأسعار المنخفضة إلى تضخم الفقاعات الاقتصادية في كل مكان؛ حيث بحث المستثمرون عن شيء يحقق معدل فائدة مناسب، أما الآن فقد انتهى عصر الأموال الرخيصة، ولن يبقى شيء على حاله.
ماذا يعني أن يكون انخفاض الفائدة “مصطنعا”؟
يوضح الكاتب أنه يتم تحديد أسعار الفائدة قصيرة الأجل من قبل الاحتياطي الفدرالي الأميركي، بينما تعكس المعدلات طويلة الأجل الأسعار المتوقعة على المدى القصير مستقبلا.
ويشير الكاتب إلى أنه لا يوجد شيء يتأثر بالسياسة مثل معدل الفائدة، ومع ذلك؛ هناك شيء أطلق عليه الاقتصاديون منذ فترة طويلة “معدل الفائدة الطبيعي” وهو سعر الفائدة المتوافق مع استقرار الأسعار، وليس مرتفعا بما يكفي ليتسبب في كساد اقتصادي، وليس أيضا منخفضا لدرجة التسبب في تضخم مفرط.
ويتساءل الكاتب؛ هل الادعاء بأن بنك الاحتياطي الفدرالي كان يضع الفائدة من دون هذا المعدل الطبيعي باستمرار؛ ادعاء صحيح؟ مفترضا أنه إذا كان الأمر كذلك، فأين كان التضخم الجامح؟
وقال إنه في الواقع حتى عام 2021 كان التضخم ثابتا بشكل أو بآخر عند هدف الاحتياطي الفدرالي البالغ 2% سنويا.
لماذا كان المعدل الطبيعي لسعر الفائدة منخفضا جدا؟
الجواب الفوري وفق الكاتب هو أن بنك الاحتياطي الفدرالي تعلم من التجربة، حيث إنه كان عليه إبقاء أسعار الفائدة منخفضة لمنع الاقتصاد من الانزلاق إلى الركود.
لكن -يقول الكاتب- إذا كنت تعتقد أن بنك الاحتياطي الفدرالي كان يضع أسعارا منخفضة للغاية طوال تلك الفترة، فأنت في الواقع تقول إن بنك الاحتياطي الفدرالي كان يجب أن يحافظ على الاقتصاد في حالة ركود من أجل تجنب “شيء ما”. وهنا يشير الكاتب إلى أن التفسير المعتاد يتماشى مع هذه المسارات.
ويقول “ربما لم ترتفع أسعار السلع والخدمات، لكن انظر إلى كل فقاعات الأصول هذه”، مبينا أن هناك بالفعل بعض الفقاعات الضخمة التي حدثت زمن أسعار الفائدة المنخفضة، ومضيفا أنه كانت هناك فقاعة العقارات الكبرى في منتصف العقد الأول من القرن الـ21، والتي مهدت الطريق للأزمة المالية العالمية.
وينصح الكاتب بأنه إذا كنت تريد الادعاء بأن أسعار الفائدة المنخفضة كانت مسؤولة عن تلك الفقاعات، فعليك مع ذلك أن تتصالح مع حقيقة وجود بعض الفقاعات المثيرة للإعجاب قبل أن تنخفض الأسعار، مشيرا إلى أن أسعار الفائدة ارتفعت كثيرا في الأشهر القليلة الماضية.
هل انتهى عصر الأموال الرخيصة؟
للإجابة عن هذا السؤال، عليك أن تسأل لماذا شعر بنك الاحتياطي الفدرالي بأنه مضطر لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة للغاية لفترة طويلة؟
ويستمر الكاتب قائلا إن الجواب الأساسي هو أنه منذ عام 2000 -وخاصة منذ الأزمة المالية العالمية- ظلت الأعمال تقاوم بإصرار للحفاظ على مستوى الإنفاق الاستثماري الذي استخدم كل الأموال التي أراد ملاك العقارات ادخارها.
وأشار إلى أن هذا الحال يحمل مسمى “الركود العلماني”؛ وهو حالة نمو اقتصادي ضئيل أو معدوم، وهو أمر مؤسف وفق الكاتب؛ لأنه فُسر على نطاق واسع وبشكل خاطئ على أنه تأكيد لمعنى النمو البطيء، وليس معدلات فائدة منخفضة.
ما الذي يسبب هذا الركود؟
أفضل تخمين هو أن الأمر يتعلق بشكل كبير بالديمغرافيا، فعندما ينمو تعداد السكان في سن العمل ببطء أو حتى يتقلص؛ تقل الحاجة إلى “المكاتب الجديدة” و”مراكز التسوق” وحتى إلى الإسكان، وبالتالي يضعف الطلب، وهذه القوى الديمغرافية لن تختفي، بل من المرجح أن تزيد، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض معدل الهجرة.
لذلك -وفق الكاتب- توجد أسباب مقنعة للاعتقاد بأننا سنعود قريبا إلى عصر أسعار الفائدة المنخفضة.
لماذا ارتفعت الأسعار؟
الاحتياطي الفدرالي يقوم برفع أسعار الفائدة الآن لمحاربة التضخم، لكن ربما يكون هذا مؤقتا، وبمجرد عودة التضخم إلى 2% إلى 3% – وهو ما سيحدث على الأرجح بحلول نهاية العام المقبل- سيبدأ بنك الاحتياطي الفدرالي في الخفض مرة أخرى، وفق الكاتب.
ويعتقد الكاتب أن أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل -التي تعكس توقعات سياسة بنك الاحتياطي الفدرالي المستقبلية- قد ارتفعت عن أدنى مستوياتها زمن الجائحة، لكنها لا تزال فقط حول ما كانت عليه في 2018-2019، أي أن السوق في الواقع يراهن على أن عصر الأموال الرخيصة سيعود.
ويختم الكاتب بالتساؤل ما إذا كان هذا يعني أنه سيكون هناك المزيد من الفقاعات في المستقبل، مجيبا بـ”نعم”، لكن سيكون هناك المزيد من الفقاعات حتى لو بقيت أسعار الفائدة مرتفعة.