بعد إطلاقها 23 صاروخا باليستيا وجو أرض أمس الأربعاء سقط أحدها بالقرب من المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية في إطار ما دأبت عليه من استفزازات عسكرية لجارتها الجنوبية منذ عام 2014 هل بمقدور كوريا الشمالية خوض حرب الآن؟
سؤال طرحته صحيفة “لوباريزيان” (Le Parisien) الفرنسية لتلفت في بداية ردها عليه أن ما تم أمس من إطلاق للصواريخ لم يسبق له مثيل، إذ يقول مدير برنامج كوريا في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية الفرنسية أنطوان بونداز “ما اختبرته كوريا الشمالية أمس من الصواريخ الباليستية في يوم واحد يضاهي تقريبا كل ما اختبرته خلال كل فترة حكم زعيمها السابق كيم جونغ إيل بين عامي 1994 و2011″.
وأوضح الباحث أن نظام كيم جونغ و”للتعويض عن الهيمنة الساحقة لكوريا الجنوبية من حيث التسلح والطيران العسكري طور قدراته الباليستية وبرنامجه النووي”.
وأضافت الصحيفة في تقرير لمحررتها أنيسة حمادي أن بيونغ يانغ ومن خلال إطلاق صواريخ بالقرب من المياه الإقليمية لعدوها -في الوقت الذي تجري فيها كوريا الجنوبية والولايات المتحدة مناورات في الجو- إنما تريد أن تبعث رسالة مفادها “أنا لا أخشاكم”.
ولفتت إلى أن كوريا الشمالية ظلت على مدى السنوات الثلاث الماضية تكشف عن المزيد والمزيد من أسلحتها وتظهر مدى قوة هذه الأسلحة ودقتها، بما في لذلك صواريخ نجحت أحيانا في اختراق دفاع جارتها الجنوبية.
لكن هذه البرامج -حسب الكاتبة- لم تكن لترى النور لولا تخصيص جزء كبير من موارد البلاد للبحوث العسكرية على حساب السكان، تحسبا لنشوب صراع مفتوح مع كوريا الجنوبية التي تتمتع بترسانة عسكرية أكثر حداثة وتطورا.
لكن أنطوان بونداز يبرز أن كوريا الشمالية “ليست جيشا من ورق”، إذ احتلت -وفقا لتصنيف “أميركان فاير باور” (American Firepower)- المرتبة الـ30 بين القوى العسكرية العالمية (كوريا الجنوبية هي السادسة)، مما يعني أن لديها القدرة على خوض الحرب.
لكن هل تريد ذلك حقا؟ هذا ما يرد عليه المتخصصون بالنفي، إذ يقولون إن بيونغ يانغ لا تسعى للدخول في صراع، فقيادتها عقلانية وتدرك أنها في مواجهة وسائل كوريا الجنوبية جنبا إلى جنب مع وسائل اليابان والولايات المتحدة لن تكون ذات وزن يذكر.
تصعيد لم يأت من فراغ
بدوره، يصف الباحث والخبير الإستراتيجي الفرنسي المستقل تيو كليمان استعراض بيونغ يانغ أمس الأربعاء للقوة بأنه استفزاز وحشي وتصعيد مفاجئ مقلق للغاية، وهو جزء من سلسلة من الاختبارات وعمليات الإطلاق الشاملة التي يمكن أن تنذر بتجربة نووية جديدة.
وأوضح الخبير في مقابلة مع صحيفة “ليبيراسيون” (Liberation) الفرنسية أن هذه اللقطات الجديدة ليست سوى جزء من سلسلة طويلة بدأت منذ عدة أشهر تسعى من ورائها بيونغ يانغ لتعيد بها نفسها مرة أخرى لقلب اهتمامات المجتمع الدولي.
لكنه لفت إلى أن ما يحدث اليوم هو استفزاز مدروس مستمر منذ بداية العام، وهو تصعيد مفاجئ لكنه لم يأت من فراغ.
وأوضح كليمان المتخصص في الشأن الكوري أن بيونغ يانغ تشعر بتحسن مع الحرب في أوكرانيا بعد أن تطورت العلاقات بين الصين وروسيا، وهي تعمل على إستراتيجية طويلة المدى من الضغط المستمر مع كميات كبيرة من الاختبارات والتسليح.
وعند السؤال: كيف نفسر حالة الجمود هذه بعد التقدم التاريخي في عام 2018 بين الكوريتين، وبين بيونغ يانغ والولايات المتحدة، قال كليمان إن الكوريين الجنوبيين بعد انتخاب مون جيه-إن في عام 2017 كانوا متحمسين بشكل غير عادي للتعاون مع كوريا الشمالية، وكانت هناك مشاريع تنموية اقتصادية ضخمة وواعدة وقمم رمزية وتصريحات تبشر بالخير للتقارب، لكن نظام العقوبات الحالي ضد كوريا الشمالية يجعل أي تعاون حقيقي معها مستحيلا، إذ عارضت دول مثل فرنسا بقوة كل الاستثناءات التي طلبتها سول في نظام العقوبات لإقامة برامج تعاون مع كوريا الشمالية.
أما اليوم فكوريا الشمالية تحت عقوبات لا يستطيع العالم إضافة شيء إليها، وهي قوة نووية لا يستهان بها ولا تنوي الاستغناء عن أسلحتها بعد أن أتقنت التكنولوجيا، وبالتالي على العالم التعامل معها كما ينصح الخبير.