هل ستتوقف الأرقام القياسية الرياضية ذات يوم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمتى؟.. تساؤلات يسعى للإجابة عنها هذا التقرير استنادا لآراء مختصين من مجالات علمية مختلفة.
وفي تقرير نشرته مجلة “سيونس إي أفينير” (sciencesetavenir) الفرنسية، قال الكاتب فرانك دانينوس، إن الشعارات التي عادة ما يتم تداولها في الألعاب الأولمبية هي “الأقوى، الأسرع، من بين آخرين”؛ حيث تم اختيار هذا الشعار عام 1894 من قبل بيير دي كوبرتان ومن المفترض أن يشجع الرياضيين على تحدي أنفسهم والتقدم باستمرار.
وتساءل الكاتب: هل وصل هذا المسعى إلى حدوده؟ يجيب جيفروي بيرثيلوت، عالم المعلوماتية الحيوية في معهد البحوث الطبية الحيوية وعلم الأوبئة الرياضي (إيرمس) “إن العمل الذي قمنا به بين عامي 2008 و2015 يظهر على أي حال أنهم في حالة استقرار. تتراجع الأرقام القياسية في بعض الألعاب الرياضية مثل رمي الجلة، مما يشير إلى أننا وصلنا إلى نهاية القدرات الفسيولوجية للجنس البشري”.
ويوضح الكاتب أن معهد إيرمس قام بتحليل حوالي 3300 سجل أوليمبي في تخصصات “قابلة للقياس الكمي” مثل ألعاب القوى وركوب الدراجات والسباحة ورفع الأثقال والتزلج السريع. كما تم تحليل أفضل العروض السنوية في ألعاب القوى والسباحة لأكثر من 40 ألف نتيجة، وكذلك الأحداث “غير المعيارية” مثل سباق التجديف (سباق القوارب).
وبحسب الكاتب؛ فقد لاحظ الباحثون بشكل عام نفس ظاهرة التشبع؛ حيث قال جيفروي بيرثيلوت “تشير نماذجنا الرياضية إلى أن 50% من السجلات الأولمبية ستصل إلى 99.95% من حدودها المفترضة عام 2027، إذا ظلت شروط الممارسة دون تغيير بشكل عام. وسيكون هذا صحيحا في جميع التخصصات حوالي عام 2070”.
ويعود الكاتب للتساؤل: لماذا هذا الركود؟ مشيرا إلى أنه بالنسبة لفرانسوا ديغورس، عالم وظائف الأعضاء في إيرمس، فإن السبب هو استغلال جميع عوامل التقدم منذ نهاية القرن الـ19. وأضاف “تم تحسين الحالة الجسدية والحالة الصحية للرياضيين واستكشاف الجوانب الإستراتيجية والعقلية وإعداد الاكتشاف المبكر للرياضيين المستقبليين واستخدام مواد منهجية جديدة مثل أعمدة ألياف الكربون”، كما استفادت الرياضة رفيعة المستوى من تحسن الظروف المعيشية العامة للسكان.
على وجه الخصوص؛ أدى اتباع نظام غذائي أكثر ثراء والنظافة إلى تغيير مكانة الرياضة رفيعة المستوى؛ حيث انتقل الطول وكتلة الجسم للرجال من متوسط 1.67 متر بالنسبة لوزن 65 كيلوغراما في نهاية القرن الـ19 إلى 1.77 متر و77 كيلوغرامًا في بداية القرن الـ21 في فرنسا، وهو ما سمح لهذا الجهاز العضلي الأكبر على الهيكل العظمي الأكبر بزيادة أحمال التدريب وبالتالي البراعة الرياضية.
الأرقام القياسية وزيادة عدد الأنماط الجينية الاستثنائية
ويلفت الكاتب إلى أنه في هذه الأثناء، زاد عدد سكان العالم بنسبة 370% في القرن الماضي حيث ارتفع من 1.6 إلى 6.1 مليارات شخص، وتمثلت النتيجة في زيادة عدد الأنماط الجينية الاستثنائية التي يحتمل تدريبها بشكل متناسب.
ويضيف أنه دون أن ننسى السياق السياسي والاقتصادي؛ فقد تم تحطيم العديد من الأرقام القياسية الأولمبية خلال “الحرب الباردة”، وهي فترة التوتر السياسي التي كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بين عامي 1947 و1991؛ بينما لم يكن الأمر كذلك خلال فترة الكساد الكبير في أزمة الثلاثينيات والحربين العالميتين.
لقد حشد الأميركيون والسوفيات والألمان في جمهورية ألمانيا الديمقراطية بالفعل وسائل هائلة لمحاولة إظهار تفوق أنظمتهم السياسية من خلال رياضييهم واللجوء أحيانا إلى تعاطي المنشطات من قبل الدولة، ويقدر فرانسوا ديغورس أن “بعض الأرقام القياسية المحددة التي تم إنشاؤها في ذلك الوقت ربما لن تتساوى أبدا؛ كما أن تشديد مكافحة المنشطات في نهاية التسعينيات يسهم بلا شك في الحد الأقصى الحالي”.
وينوه الكاتب إلى أن هناك بعض العروض المشوبة بالشك، مثل الرقم القياسي لسباق 100 متر للسيدات الذي حطمته الأميركية فلورنس جريفيث جوينر؛ حيث تعقد مثل هذه العروض عمل العلماء الذين يخاطرون بالتنبؤ بحدود نظرية، وهو ما أكده جان كلود بينو، من وحدة ديناميكيات التطور البشري في المركز الوطني للبحث العلمي؛ حيث قال “في بعض الأحيان يكون من الصعب للغاية التمييز بين القدرات الفسيولوجية والميكانيكية من المنشطات”، وأضاف “يجب أن نأخذ في الاعتبار العروض غير النمطية، حتى التي تم الحصول عليها في ظل ظروف مشكوك فيها وهو ما يطمس نماذجنا”.
ما هامش تقدم الأرقام القياسية بفضل التقنيات الجديدة؟
ويعتقد الكاتب أنه من المتوقع أن يتم الاعتماد على التقنيات الجديدة الأهم في أحدث التخصصات، مثل رمي المطرقة النسائية التي تمت الموافقة عليها في عام 2000 في أولمبياد سيدني، كما ستسمح الإيماءات الفنية الجديدة بمكاسب كبيرة مثل تقنية “لفة العمود الفقري” في القفز العالي الذي شاع عام 1968 من قبل الأميركي ديك فوسبيري.
لكن هذه التقنيات تظل نادرة حتى لو سعى المتخصصون إلى اكتشافها؛ فقد صرح فرانسوا ديغورس بأن “الفيزيائيين من مدرسة البوليتكنيك يحاولون أن يحددوا عن طريق الحساب، تقنية التجديف الجديدة لكن الأمر سيتعلق بإلغاء تزامن حركة المجدفين من أجل تجنب الهزات وتقليل الاحتكاك”.
ومع ذلك، يظل أوليفييه بيلوك، المسؤول عن فرق الناشئين الفرنسية في الاتحاد الوطني لألعاب القوى متفائلا، فهو مقتنع بأنه “لا يزال يتعين استكشاف العديد من السبل”.
ويختتم الكاتب بأنه يتم بالفعل تقييم العديد من التقنيات المرخصة من قبل سلطات مكافحة المنشطات في المعهد الوطني للرياضة والأداء من بينها “غرف نقص الأكسجين”، وهي غرف مستنفدة للأكسجين؛ حيث تستعد الكائنات الحية لمقاومة أكبر عن طريق إنتاج المزيد من خلايا الدم الحمراء أو “العلاج بالتبريد للجسم كله”، والذي يُخضع الرياضيين لدرجات حرارة شديدة البرودة تصل إلى -110 درجات مئوية، من أجل إحداث تفاعلات مسكنة ومضادة للالتهابات.
ويبقى الأكيد أن تحسين الأداء يبدو ضروريا لجاذبية العديد من التخصصات.