مقام رابعة العدوية في جبل الزيتون في القدس (الجزيرة)

مقام رابعة العدوية في جبل الزيتون في القدس (الجزيرة)

القدس المحتلة- لم تكن مدينة القدس وجهة للمتصوفين الرجال فقط بل قصدتها النساء أيضا وعلى رأسهن المرأة الأشهر في تاريخ التصوف الإسلامي الزاهدة العابدة رابعة العدوية التي اتخذت من مغارة صغيرة في جبل الزيتون المطل على المسجد الأقصى مكانا لمناجاة ومخاطبة الخالق وتعلم القرآن الكريم ونظم الشعر الصوفي.

خلف بوابة حديدية خضراء ثُبتت عليها لافتة كتب عليها “مقام رابعة العدوية رضي الله عنها” يسير الزائر في رواق خارجي صغير وعلى يمينه شجرة زيتون معمرة يقع خلفها المبنى الأثري المكون من طابقين.

 

هدوء تام يلف المكان الذي يفتحه للزوار المقدسي محمد العلمي الذي تملك عائلته مفاتيح المقام منذ مئات السنين.

6-مدخل مقام رابعة العدوية في جبل الزيتون بالقدس(الجزيرة نت)
مدخل مقام رابعة العدوية في جبل الزيتون بالقدس (الجزيرة)

تعدد الروايات التاريخية

يقول المسن المقدسي للجزيرة نت إن الروايات التاريخية تتعدد حول المكان وليس هناك ما يجزم أن رابعة العدوية دفنت في المكان وإنما وضع هيكل القبر الحجري تخليدا لذكراها العطرة في مدينة القدس التي قصدتها للتعبد.

وأكد العلمي أن بناء الطابق العلوي يعود للفترة العثمانية، في حين قد تعود أعمدة الطابق السفلي الحجرية إلى الفترة البيزنطية، وفيه توجد المغارة الصغيرة التي عاشت بها رابعة العدوية حياة الزهد والورع.

11-المسن المقدسي محمد العلمي الذي تتولى عائلته مسؤولية رعاية مقام رابعة العدوية منذ مئات السنين(الجزيرة نت)
محمد العلمي الذي يتولى وعائلته مسؤولية رعاية مقام رابعة العدوية منذ مئات السنين (الجزيرة)

وعمّن يؤم هذا المقام ويحرص على زيارته قال العلمي إن المسلمين القادمين من تركيا وماليزيا وإندونيسيا لديهم رغبة في التردد على المكان وزيارته، بالإضافة إلى المسيحيين الأرثوذكس وخاصة القادمين من روسيا ورومانيا واليونان.

ووفقا للمعتقد المسيحي فإن القبر الذي يضمه مبنى رابعة العدوية يعود لأول امرأة مسيحية تخفت بزي رجل ودخلت الكنيسة التي كان دخولها حكرا على الرجال قديما.

ولأن هذه المرأة نُبذت بعد كشف أمرها ورُفض دفنها في مقابر الرجال والنساء تم نفيها ودفنها في هذا المكان، ويؤكد العلمي أنه لم يتسن التحقق من هذه الرواية التاريخية إلا أن الأرثوذكسيين يحرصون على زيارة المقام ويسمح لهم بأداء الصلوات مرة واحدة سنويا.

8-صورة للمغارة التي رممت لاحقا ويقال إن رابعة العدوية قضت حياتها زاهدة متصوفة بها(الجزيرة نت)
صورة للمغارة التي رممت لاحقا ويقال إن رابعة العدوية قضت حياتها زاهدة متصوفة بها (الجزيرة نت)

شرف وفخر

ووصف محمد العلمي مسؤولية العائلة ورعايتها لمقام رابعة العدوية بالشرف العظيم الذي منح لهم ليكونوا مؤتمنين على مقام واحدة من أوائل المتصوفات في الإسلام.

ويؤكد رئيس أكاديمية الأقصى للوقف والتراث ناجح بكيرات أن البناء يحمل عناصر معمارية من الفترة الأيوبية والمملوكية والعثمانية وإن لرابعة العدوية مقامين آخرين في العراق ومصر.

 

وأضاف بكيرات للجزيرة نت أن “البناء في القدس عبارة عن عقد أسطواني فيه فتحات، وتركز معظم البناء في الفترة الأيوبية ورمم في الفترة المملوكية وأضيف له طابق في الفترة العثمانية”.

2-أسيل جندي، جبل الزيتون، القدس، صورة عامة لمقام رابعة العدوية من الخارج(الجزيرة نت)
بناء مقام رابعة العدوية في القدس يحمل عناصر معمارية من الفترة الأيوبية والمملوكية والعثمانية (الجزيرة)

وعن اختلاف الروايات التاريخية المتعلقة بمكان دفنها، رجّح بكيرات أن رابعة لم تمت بالقدس ولم تدفن فيها، وأن حقيقة وجود هذا المقام يعود إلى أن القائد صلاح الدين الأيوبي أنشأ مقامات في فلسطين مع اشتداد حملات الفرنجة عليها، ومنها مقام النبي صموئيل والنبي صالح والنبي يونس ومقام رابعة العدوية.

وكانت رابعة العدوية تلهج بـ”الحب الإلهي” في كل موضع وأمام كل الناس، فكتبت في أحد أشعارها:
“يا سُروري ومُنيتي وعمادي وأنيسي وعُدّتي ومُرادي
أنت روحُ الفؤاد أنت رجائي أنت لي مؤنسٌ وشوقُك زادي
أنت لولاك يا حياتي وأُنسي ما تشتّتُّ في فسيحِ البلادِ
كم بدت منّةٌ وكم لك عندي من عطاء ونعمة وأيادي
حبُّك الآن بُغيتي ونعيمي وجلاء لعين قلبي الصادي
ليس لي عنك ما حييتُ براحٌ أنت مِنّي مُمَكّن في السوادِ”.

يذكر أن معظم الروايات التاريخية لا تتفق على سنة محددة لولادة رابعة العدوية فضلا عن وفاتها التي اختلفت ما بين عامي 135هـ و185هـ، كما أن هذه المتصوفة لم تكتب كتابا عن حياتها يحمل أهم أقوالها وآرائها في التصوف، وكانت هذه السمة الأبرز في كبار الصوفية الذين عاشوا في القرنين الأول والثاني من الهجرة، فكان زهدهم من النوع العملي لا النظري.

وفي أشعارها كانت تحرص هذه المتصوفة على أن تنظم الأبيات التي تشير إلى عدم انشغالها عن الله طرفة عين، فلم يشغلها عنه-وفقا لإحدى رسائلها- رفيق أو زوج أو مال أو ولد أو متاع ولو كان مباحا حلالا سائغا للعابدين، ومن الأبيات التي باتت رمزا لرابعة العدوية:
“أحبك حُبين حب الهوى        وحبا لأنك أهلٌ لذاكا
فأما الذي هو حبّ الهوى       فشُغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهلٌ له           فكشفُك للحُجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي    ولكن لك الحمد في ذاكا”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author