القاهرة – شاع استخدام مصطلح “الجمهورية الجديدة” في مصر خلال الشهور الماضية، منذ أن استخدمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أحد خطاباته العام الماضي.
وتبارى إعلاميون مصريون وسياسيون في الحديث عن “الجمهورية الجديدة”، والتنظير لها باعتبارها دولة جديدة يتم بناؤها.
ومؤخرا، ظهرت بعض الآراء التي تتحدث عن ضرورة تغيير علم الدولة المصرية وشعارها ليتناسب -وفق رؤية أصحاب هذه الدعوات- مع سمات “الجمهورية الجديدة”.
للوهلة الأولى، قد يبدو لدى البعض أن تغيير علم وشعار الدولة وربما نشيدها الوطني أمر صادم، خاصة وأن العلم والشعار الحاليين بقيا دون تغيير منذ قرابة 40 عاما.
ولكن بالرجوع إلى صفحات التاريخ، نجد أن هذه الرموز قد تغيّرت مرات عدة على مدى القرنين الماضيين، لا سيما مع اختلاف الأوضاع السياسية ونظم الحكم التي تتولى قيادة البلاد.
يعتبر العلم المصري أحد رموز الدولة، ويحظى بحماية قانونية توجب احترامه وتوقيره، وتنص المادة 223 من الدستور الحالي على أن إهانة العلم المصري جريمة يعاقب عليها القانون. ويحدد الدستور شكل العلم وتصميمه، في حين يترك وضع شعار الدولة والنشيد والسلام الوطنيين للقانون.
وقد مر العلم المصري وشعار الدولة بعدة مراحل تاريخية، تغيرت خلالها ألوانه ورموزه لتعبّر عن واقع المرحلة التاريخية التي تعيشها البلاد.
هلال ونجوم
في بدايات القرن الـ19 كان العلم المصري هو نفسه علم الدولة العثمانية ذو اللون الأحمر الذي يتوسطه هلال ونجمة سباعية.
وفي عام 1826 أحكم محمد علي باشا سيطرته على مصر وانفرد بحكم البلاد، وقرر وقتها تمييز العلم المصري عن علم الدولة العثمانية بتغيير النجمة إلى نجمة خماسية.
استمر علم محمد علي حتى عام 1867 عندما تولى الخديوي إسماعيل حكم البلاد، ليغيّر رموز العلم لتصبح 3 أهلة بيضاء بداخل كل منها نجمة خماسية، مع الاحتفاظ بلون العلم الأحمر.
وتختلف التفسيرات التاريخية بشأن الأهلة الثلاثة، إذ يرى البعض أنها ترمز إلى مصر والنوبة والسودان، في حين يفسرها البعض بانتصارات الجيوش المصرية منذ عهد محمد علي في القارات الثلاث (أفريقيا وأوروبا وآسيا).
ومع دخول الاحتلال البريطاني إلى مصر عام 1882 في عهد الخديوي محمد توفيق، أعيد العلم العثماني القديم الأحمر ذو الهلال والنجمة السباعية، وظل قائما حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914.
وخلال هذه الفترة كان شعار الدولة المصرية درعا أحمر يعلوه تاج ويتوسطه 3 أهلة بيضاء يحتضن كل منها نجمة خماسية.
من السلطنة إلى المملكة
مع قيام الحرب أُعلنت الحماية البريطانية على مصر، وتولى السلطان حسين كامل حكم البلاد، ليعلن إعادة علم الخديوي إسماعيل الأحمر ذي الأهلة والنجوم الثلاث ليكون الراية الرسمية للبلاد.
وظل شعار الدولة مقاربا للشعار السابق (درع يعلوها التاج ويتوسطها الأهلة والنجوم) وإن اختلف تصميمه قليلا.
لم يستمر علم السلطنة وشعارها طويلا، ومع تحول نظام الحكم في مصر إلى الملكية عام 1922، كان العلم المصري على موعد مع تغيير كبير يعبر عن مصر “المستقلة”.
وللمرة الأولى تختفي الأرضية الحمراء من العلم المصري لتتحول إلى اللون الأخضر، الذي يرمز إلى خضرة وادي النيل والدلتا، ويتوسطه هلال أبيض بداخله 3 نجوم بيضاء، وأطلق على هذا العلم اسم العلم الأهلي.
واختلفت التفسيرات لدلالة النجوم الثلاثة، فرأى البعض أنها تشير لمصر والنوبة والسودان، في حين اعتبرها البعض معبرة عن ديانات أهل مصر الثلاث، وهي الإسلام والمسيحية واليهودية.
وترافق ذلك مع تغيير شعار الدولة ليتمثل في ستارة ملكية يعلوها التاج، وفي وسطها شعار دائري أخضر يتوسطه هلال و3 نجوم.
عهد الجمهورية
في عام 1952 كانت مصر على موعد مع تغيير تاريخي في نظام الحكم بعدما أطاح تنظيم “الضباط الأحرار” بالملك فاروق، وأعلن لاحقا عن قيام الجمهورية المصرية.
ورغم التغير التاريخي، فإن العلم المصري الملكي استمر قائما لعدة سنوات، ولكن بالتوازي معه ظهر علم جديد غير رسمي في الاحتفال بمرور 6 أشهر على ثورة يوليو/تموز، هو علم هيئة التحرير.
كان العلم الجديد مختلفا تماما عن الأعلام القديمة، ولأول مرة تتعدد ألوان العلم لتصبح 3 ألوان هي الأحمر والأبيض والأسود، يتوسطه نسر صلاح الدين، وهو نسر عريض الشكل في وسطه درع دائرية خضراء تحوي هلالا أبيض اللون بداخله 3 نجوم.
وقيل إن ألوان العلم كان لها دلالات خاصة، فاللون الأحمر يشير إلى الثورة، وبينما يعبر الأبيض عن العهد الجديد أو السلام والتحرير، يرمز الأسود إلى العهد البائد والاستعمار وأعداء الثورة.
وفي عام 1958 وبعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وتغيير اسم البلاد من جمهورية مصر إلى الجمهورية العربية المتحدة، أصبح العلم ذو الثلاثة ألوان هو العلم الرسمي للبلاد، ولكن من دون نسر صلاح الدين، إذ حلّ محله نجمتان خضراوان ترمزان إلى البلدين.
واستمر هذا العلم راية للبلاد حتى عام 1971 رغم انتهاء الوحدة قبل هذا التاريخ بسنوات.
صقر ونسر
وخلال هذه الفترة تم تعديل تصميم نسر صلاح الدين ليصبح شعارا رسميا للبلاد، وتتم طباعته على الأوراق النقدية والعملات المعدنية.
مع وصول الرئيس أنور السادات إلى الحكم وإعلان اتحاد الجمهوريات العربية الثلاث مصر وسوريا وليبيا عام 1971، تغير شكل العلم مجددا، إذ أزيلت النجمتان وحل محلهما “صقر قريش”، الذي أصبح بدوره شعارا للجمهورية.
وفي عام 1984 وبعد تولي حسني مبارك حكم البلاد، تغير العلم مجددا ليعود نسر صلاح الدين الأيوبي بلونه الأصفر الذهبي ليتوسط العلم دلالة على قوة مصر، ويعود من جديد شعارا للدولة، ولا يزال العلم والشعار يستخدمان حتى يومنا هذا.
السلام الوطني
لم يكن العلم والشعار هما فقط ما تغير خلال هذه العهود، ولكن ترافق معهما النشيد والسلام الوطنيان.
وعرفت مصر السلام الوطني لأول مرة في عهد الخديوي إسماعيل عام 1869، وكان مقطوعة موسيقية من تلحين الموسيقار الإيطالي فيردي، واستمر حتى عام 1923 في بداية العصر الملكي حين أصبح نشيد “اسلمي يا مصر” هو النشيد الوطني للبلاد، وهو من تأليف مصطفى صادق الرافعي، وألحان الموسيقار صفَر علي.
مع حركة الضباط الأحرار عام 1952، اختير نشيد “الحرية” للشاعر كامل الشناوي وألحان محمد عبد الوهاب نشيدا وطنيا للبلاد، واستمر حتى عام 1960 حين صدر القرار الجمهوري رقم 143 باتخاذ سلام وطني جديد هو “والله زمان يا سلاحي”.
وفي عام 1979 قرر الرئيس السادات تغيير السلام الجمهوري المصري إلى نشيد “بلادي”، الذي ألفه محمد يونس القاضي في عام 1923 ولحنه الموسيقار سيد درويش، وأعاد الموسيقار محمد عبد الوهاب توزيعه بتكليف من السادات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1982 نص القرار الجمهوري رقم 590 على أن يقتصر السلام الجمهوري على الجزء الأول فقط من نشيد بلادي، ولا يزال النشيد الوطني للبلاد حتى الآن.
“جمهورية جديدة”
مؤخرا عادت دعوات تغيير العلم والشعار إلى الظهور لمواكبة “الجمهورية الجديدة”، وهو المصطلح الذي ظهر في مصر لأول مرة في مارس/آذار 2021 على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء حديثه عن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، معتبرا أنه سيكون بمثابة ميلاد “جمهورية جديدة”.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اقترح المذيع المقرب من السلطة نشأت الديهي إعداد دستور جديد وتغيير علم البلاد لمواكبة المستجدات التي تشهدها البلاد.
وترافقت عودة الحديث عن تغيير شعار الدولة وعلمها مع تغيير مصر تصميم عملاتها النقدية، وتاريخيا ارتبط تغيير شعار الدولة وتسميتها بتغيير عملتها.
وطرحت مصر الشهر الماضي عملات بلاستيكية من فئة 10 جنيهات تحمل صورة لمسجد الفتاح العليم، الذي افتتحه السيسي في العاصمة الإدارية الجديدة في يناير/كانون الثاني 2019، واعتبرت صحف محلية أن هذه العملات هي رمز للجمهورية الجديدة.
وإذا كان تغيير الشعار والنشيد الوطني أكثر سهولة من الناحية القانونية، فإن الأمر مختلف بالنسبة للعلم الذي ورد وصفه بتصميمه الحالي نصا في الدستور، وهو ما يعني أن تغيير العلم يستلزم تعديلا دستوريا.