واشنطن – قبل 70 عاما انتهت معارك الحرب الكورية في يوليو/تموز 1953 بهدنة مؤقتة بين أطرافها دون التوصل إلى اتفاقية سلام أو معاهدة واضحة تضع إطارا لما بعد الحرب. ومنذ ذلك الحين لم تعرف علاقات واشنطن وبيونغ يانغ إلا التوتر.

دفع ذلك بكوريا الشمالية لإدراك أهمية تأمين نفسها بسلاح نووي يمنع أي عدوان عسكري أميركي محتمل. وفي الوقت ذاته ترفض واشنطن القبول بامتلاك كوريا الشمالية سلاحا نوويا يمثل تهديدا لها ولحلفائها في اليابان وكوريا الجنوبية.

 

وتلزم معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، الموقعة عقب انتهاء الحرب عام 1953، واشنطن بمساعدة سول في الدفاع عن نفسها، وتتمركز قوات أميركية مقدراها 28 ألفا و500 جندي قرب حدود الكوريتين.

US and South Korean marines participate in an annual Combined Joint Logistics over the Shore (CJLOTS) exercise during the Ssang Yong (Double Dragon) exercises against a possible attack from North Korea, in Pohang, 360 km southeast of Seoul, South Korea. 12 March 2016. US Marines and sailors of the third Marine Expeditionary Brigade are participating in Exercise Ssang Yong in South Korea together with the Republic of Korea Marine Corps and Navy, and Australian Army forces, from 06 March until 18 March 2016. EPA/JEON HEON-KYUN
انفجارات خلال مناورة بحرية أميركية مع قوات كوريا الجنوبية لمواجهة هجوم محتمل من بيونغ يانغ (الأوروبية)

عقوبات ولقاءات

وعلى مدى السنوات الأخيرة الماضية، استمرت كوريا الشمالية في اختبار أسلحتها النووية وصواريخها طويلة المدى، في الوقت الذي قادت أميركا فيه جهودا دولية فرضت بمقتضاها عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على بيونغ يانغ، وجعلتها على رأس الدول المنبوذة من غالبية دول العالم.

وأصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات تُمنع كوريا الشمالية بمقتضاها من امتلاك برنامج أو سلاح نووي، وردت بيونغ ينغ بمنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول أراضيها.

وخلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، تنفّس العالم الصعداء بعد سلسلة ملاسنات بينه وبين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. والتقى الرئيسان 3 مرات في سنغافورة وفيتنام وعلى الحدود الفاصلة بين الكوريتين، إلا أن هذه اللقاءات فشلت في التوصل لاتفاق تتخلى بمقتضاه بيونغ يانغ عن أسلحتها النووية مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها.

استعراض نادر للقوة

وشهدت الأيام القليلة الماضية تصعيدا إضافيا إثر إجراء كوريا الشمالية تجارب إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى من مواقع متعددة باتجاه بحر اليابان في الخامس من يونيو/حزيران الجاري. وأعقب ذلك تقارير تشير إلى استعداد كوريا الشمالية لإجراء تجربة نووية جديدة ستكون الأولى منذ عام 2017.

وجاء إطلاق كوريا الشمالية صواريخها بعد يوم من اختتام حاملة الطائرات الأميركية “رونالد ريغان” تدريبات بحرية استمرت 3 أيام مع كوريا الجنوبية، في أول مناورات بينهما تشارك فيها حاملة طائرات منذ نوفمبر/تشرين الأول 2017.

وتندد كوريا الشمالية بالمناورات العسكرية المشتركة باعتبارها مقدّمات لغزوها، وكثيرا ما واجهت تدريباتها الصاروخية الخاصة بها، محاكاة لهجمات تقوم بها على موانئ كوريا الجنوبية والمنشآت العسكرية الأميركية داخل كوريا واليابان.

ومنذ بداية 2022 أجرت كوريا الشمالية 18 تجربة إطلاق صواريخ، بمعدل تجربة جديدة كل 8 أيام، وتملك كوريا الشمالية صواريخ عابرة للقارات يمكنها أن تصل الأراضي الأميركية.

وتوعدت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأميركي خلال زيارتها أمس الثلاثاء كوريا الجنوبية برد سريع وقوي، إذا أجرت بيونغ يانغ تجربة نووية جديدة.

وقبل ذلك التهديد بيوم واحد، أطلقت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة 8 صواريخ باليستية قبالة الساحل الشرقي لكوريا الجنوبية، ردا على تجربة كوريا الشمالية، وهو ما فاجأ الكثير من المراقبين حول العالم.

كما حلقت 20 طائرة مقاتلة تابعة للجيشين الكوري الجنوبي والأميركي، بما فيها طائرات “إف-35” (F-35) المتطورة، قبالة الساحل الغربي لكوريا الجنوبية وبالقرب من المياه الإقليمية لكوريا الشمالية أمس الثلاثاء، في استعراض للقوة وللتأكيد على سرعة الرد على أي خطوات من جانب بيونغ يانغ.

US President Biden Visits South Korea
الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارة إلى كوريا الجنوبية الشهر الماضي (غيتي)

إستراتيجية بأدوات جديدة

منذ وصوله للحكم قبل عام ونصف العام، هدفت إدارة بايدن لتخفيف جزئي للعقوبات على كوريا الشمالية بشكل تدريجي، مقابل اتخاذ الأخيرة خطوات جزئية نحو نزع السلاح النووي.

وترفض كوريا الشمالية الجلوس لمائدة التفاوض مع الإدارة الأميركية لأنها تعتبر خطابها عدائيا وغير مبرر تجاهها. في حين ترغب واشنطن في الحصول على تعهّد بأن التفاوض سيستهدف مساعدة كوريا الشمالية على التخلص من أسلحتها النووية.

وذكرت خبيرة العلاقات الأميركية الآسيوية بمعهد “ستيمسون” يون صن أن “إستراتيجية واشنطن وسول بشأن كوريا الشمالية تركّز على الردع. وكلتا الدولتين تعطي الأولوية لنزع سلاح كوريا الشمالية النووي، وأن المشاركة مشروطة بإشارة واضحة إلى أن كوريا الشمالية مستعدة لنزع السلاح النووي”.

وطبقا لصون، في حديثها للجزيرة نت، فذلك يعني “أن كوريا الشمالية ستستمر في أعمالها الاستفزازية على الأرجح لأنها لا تحصل على الاهتمام أو المكافأة التي تريدها من واشنطن بعد تجميدها التجارب النووية لأكثر من 5 سنوات”.

من جانبه، اعتبر باتريك كرونين، رئيس برنامج أمن آسيا والمحيط الهادي بمعهد “هدسون” والمسؤول السابق بوزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، أن إدارة بايدن “تريد ردع الخصوم المحتملين وطمأنة الحلفاء”.

وبالتوازي مع إدارة الرئيس يون سوك يول الجديدة في كوريا الجنوبية، يقول كرونين للجزيرة نت “تريد واشنطن أن تثبت أن تجارب الأسلحة الكورية الشمالية ستؤدي إلى ردود حازمة، وتسعى مع سول إلى استباق أي تجربة نووية قادمة من بيونغ يانغ”.

 

هل ينجح ردع كوريا الشمالية؟

تعهّدت الولايات المتحدة بالضغط لفرض عقوبات دولية إضافية إذا أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية جديدة. لكن احتمالات اتخاذ مزيد من الإجراءات من جانب مجلس الأمن الدولي تبدو غائبة.

وقد استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد قرار قدمته الولايات المتحدة كان من شأنه فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية بسبب تجاربها الباليستية يوم 25 مايو/أيار الماضي.

وأشار كرونين إلى أن كوريا الشمالية من جانبها لا ترغب في مهاجمة أي من خصومها حاليا، وتريد فقط إلغاء العقوبات الدولية مع الإبقاء على تطلعاتها في الاستمرار كدولة حائزة للأسلحة النووية.

ويضيف كرونين أن “واشنطن وسول تريدان تجنب الظهور بمظهر الضعيف في مواجهة أي عمل عدواني من جانب كوريا الشمالية، وستكون هناك خطوات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية تتخذ للضغط على أي إجراءات مزعزعة للاستقرار تتخذها بيونغ يانغ. فلا يمكن لكيم جونغ أون أن يكون عضوا جيدا ومقبولا في الأمم المتحدة بينما يستهين بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.

غموض يكتنف الوضع الصحي لزعيم كوريا الشمالية
رغم الجهود الأميركية لردعها، فإن كوريا الشمالية تسعى للحصول على اعتراف عالمي بها بوصفها دولة نووية (الجزيرة)

الدبلوماسية والردع معا

أما خبير الشؤون الكورية بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي سكوت سنايدر فيرى أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تحاولان البعث برسالة استنكار وردع تجاه التجارب الصاروخية المكثفة التي تجريها كوريا الشمالية وخططها لإجراء تجربة نووية.

و”جاء إطلاق الصواريخ من جانب واشنطن وسول، وقيامهما بمناورات جوية مشتركة للتأكيد على عدم الموافقة على احتمال إجراء بيونغ يانغ تجربة نووية وشيكة”.

واعتبر سنايدر، في حديث للجزيرة نت، أن “إستراتيجية إدارة بايدن تجمع بين الدبلوماسية والردع معا في محاولة لتحقيق نزع السلاح النووي الكامل لكوريا الشمالية استنادا إلى فرضية أن امتلاك الأخيرة للقدرات النووية غير قانوني (بعد انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وخرق التزاماتها كدولة غير نووية)، لكن بيونغ يانغ تسعى من جانبها إلى نيل الاعتراف بوضعها الجديد، وتطبيع العالم معها كدولة نووية مسؤولة”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *